صفحات سورية

الأزمة المالية تقوّض آمال العمالة والحكومة السورية معاً

null
مروان حمي
باتت عودة العمالة السورية المسرّحة من دول الخليج واقعاً راهناً لا بد للحكومة السورية أن تتكيف معه عبر وضع خطة اقتصادية مدروسة للتمكن من إنقاذها بحيث تستفيد من جيوبها, ذلك إن قسماً كبيراً منها يتمتع بالكفاءة والخبرة والتأهيل ولاسيما في قطاعي الخدمات المصرفية والمعلوماتية .
ويقدّر الخبراء الاقتصاديون أعداد العائدين من دول الخليج بنحو 50 ألف عامل من أصل مليون عامل سوري يعملون في دول الخليج وفقاً لأحد تصريحات محمد الحسين وزير المالية إذ سيضافون إلى الوافدين الجدد في سوق العمل السورية, والذين يقدرون سنوياً بـ 250 ألف وافد، وبالتأكيد أن هذه العمالة العائدة ستشكل تحدياً وحلاً في آن معاً أمام الحكومة السورية شاءت أم أبت .
فالتحدي يتمثل في قدرة الحكومة على استيعابهم عبر إيجاد خلية أزمات تستقبلهم وتوفر لهم فرص عمل, وهذا يكاد يكون ضرباً من المستحيل لأن التوظيف في سورية مازال يخطو خطوات سلحفاتية، ولاسيما أن الدولة لم تستطع أن تؤمن خلال ست سنوات (2001- 2007) سوى /216,000/ فرصة عمل أي بمعدل /36/ ألف فرصة عمل في كل سنة وفقاً لإحصائيات وزارة الشؤون الاجتماعية . فضلاً أن تشغيل الوافدين الجدد في السوق يتطلب استثمار ما لا يقل عن خمسة مليارات دولار سنوياً، ذلك إن تكلفة فرصة العمل الواحدة تصل 20ألف دولار .
من جهة أخرى، تشكل العمالة العائدة حلاً كونها عمالة مدرّبة ومؤهلة يمكن الاستفادة من طاقاتها المغتربة، وكما يقول المستشار الاقتصادي زياد عربش إن تخريج مهندس يكلف 10 ملايين ليرة سورية يدفعها الأهل والحكومة السورية، لذا لابد الاستفادة من جيوبهم وتوظيف مدخراتهم وطاقاتهم في تفعيل مكامن النمو غير المفعّلة أصلاً في سورية, وبالطبع إذا تم ذلك, فإن تشجيع الاستثمار الأجنبي وتسهيل إجراءات التراخيص ومنحها وإقامة المشروعات وتوسيع القطاع العام وتفعيل السوق المحلية وتنشيط الحركة سيغدو مطلباً لزاماً على الحكومة تنفيذه, علّها تخلق نوعاً من الموازنة بين العرض والطلب في معادلة العمل السورية التي لا تحتوي أصلاً لا مجاهيل ولا معاليم.
ومما لا شك فيه، أن تسريح العمالة السورية في الخارج أدى إلى انخفاض تحويلات المغتربين السوريين بشكل كبير إلى سورية حيث قدرت تحويلات المغتربين للعام الفائت بنحو مليار دولار ، لما لهذه التحويلات من أهمية في إقامة مشاريع تنموية مختلفة جنباً إلى جنب الاستثمار الأجنبي والأداء الحكومي المتواضع لخلق فرص العمل.
ولا يخفى على احد أن الحكومات السورية المتعاقبة اعتمدت على هذه التحويلات لمواجهة جزء مهم من عجز الحساب الجاري من ميزان المدفوعات لعدد من السنوات، وفي تمويل عمليات الاستيراد، وبشكل عام تمويل عملية التنمية. وتشير البيانات الإحصائية المتاحة إلى أن تحويلات العاملين السوريين شهدت ارتفاعاً و انخفاضاً في السبعينات ومطلع ثمانينات القرن الماضي نتيجة للظروف التي مرت بها سورية، في حين ارتفعت في تسعينيات القرن الماضي نتيجة لاستقدام دول الخليج العربية أعداداً متزايدة من العمالة من مهن مختلفة من سورية ومصر بعد توقيع إعلان دمشق، و اتجاه الدولة نحو تشجيع الاستثمارات وتطوير التشريعات الناظمة للاستثمار ومنح إعفاءات ومعاملة خاصة للتحويلات بالعملات الصعبة.
وكانت الحكومة السورية قالت في وقت سابق إن حجم التحويلات المالية للمغتربين السوريين بلغ نحو 2 مليار دولار في عام 2007, فيما أشار تقرير للبنك الدولي أن التحويلات لم تتجاوز حاجز 850 مليون دولار للعام نفسه.
وأي متأن لهذه التحويلات سيرى أنها ساعدت العاملين في تخفيف ما يتعرض له الاقتصاد الخارجي لسورية من تحديات وصعوبات في تأمين النقد الأجنبي اللازم لتمويل عمليات الاستيراد .
وبالإضافة إلى ذلك يمثل تحويلات العاملين بنداً مهماً في قائمة بنود ميزان الحساب الجاري في سورية حيث ساهم إلى حد كبير في خفض عجز وأحياناً في رفع فائض ميزان الحساب الجاري، فلولاه لتضاعف العجز وازدادت المشكلات التي تواجه الاقتصاد السوري، فقد بلغت تحويلات العاملين السوريين 436 مليون دولار عام 1981، في الوقت الذي كان فيه العجز بميزان الحساب الجاري ناقصاً تحويلات العاملين 743 مليون دولار، الأمر الذي أدى إلى بلوغ العجز في الحساب الجاري فقط 307 مليون دولار، وهذا يعكس في الحقيقة مدى مساهمة تحويلات العاملين في خفض العجز أو رفع فائض في الحساب الجاري.
وفيما يخص نسبة البطالة الحالية، فإن الخبير الاقتصادي سمير العيطة قال في ندوة الثلاثاء الاقتصادي بتاريخ 21/4/2009 إنه لكي تصل سورية إلى نسبة بطالة 11% في عام 2015 , فإنه يتوجب عليها أن تخلق 350 ألف فرصة عمل سنوياً و لا سيما أن التقديرات الرسمية لمعدل البطالة الآن، ولربما مستقبلاً، لا تخرجه عن دائرة 8 % , مع العلم أن نحو 50% من منشآت النسيج في حلب أغلقت أبوابها جراء تأثير الأزمة المالية العالمية كان يعمل في البعض منها من 300- 400 عامل، ومع ذلك لم ترتفع نسبة البطالة رقما بل ظلت صامدة وكأن المصادفة شاءت ذلك رغم تأكيد وزير المالية السوري في حديث لصحيفة الثورة مؤخراً زيادة عدد العاطلين عن العمل في سورية جراء عودة العمالة السورية وانخفاض الاستثمار الأجنبي بسبب استمرار تداعيات الأزمة المالية العالمية.
موقع مصادر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى