ما هي احتمالات السّلام بين سورية وإسرائيل؟
باتريك سيل
لعل بصيص الأمل الوحيد الذي يخترق اليوم الجمود الطاغي على العلاقات بين سورية وإسرائيل يتمثّل في إصرار رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، على جمع البلدين حول طاولة المفاوضات. والحال ان تركيا ظهرت في السنة الماضية على أنها الوسيط الرئيسي، وفعلياً، الوسيط الجدي الوحيد، بين هذين العدوين اللدودين.
زار اردوغان أخيراً دمشق لإجراء محادثات مع الرئيس بشار الأسد، وهو ينوي أن يوفد مبعوثاً إلى إسرائيل ليطلع رئيس الوزراء إيهود أولمرت على نتائج محادثاته. وأكد وزير الخارجية التركي علي باباجان، أنه تم تبادل الرسائل بين سورية وإسرائيل عبر تركيا في السنة الماضية، وأن وتيرة الرسائل «تكثّفت في الأشهر الأخيرة». ويبدو أن هدف تركيا الحالي هو عقد المحادثات على مستوى منخفض تمهيداً لجمع قادة سورية وإسرائيل.
وفي موقف معاكس، عارضت الولايات المتحدة الأميركية علناً الاتصالات الإسرائيلية مع سورية، وسعت بدلاً من ذلك إلى معاقبة دمشق وعزلها، متهمةً إياها بالتدخل في لبنان والعراق بشكل يقوّض المصالح الأميركية.
وعلى رغم هذا الموقف الأميركي السلبي، لا يزال المسؤولون السوريون يؤمنون بأن الولايات المتحدة وحدها تستطيع أن تدفع المفاوضات مع إسرائيل إلى نهاية ناجحة. قد يعزى سبب ذلك إلى إدراك سورية أن الولايات المتحدة وحدها يمكنها أن تطمئن إسرائيل، وربما تعطيها الضمانات التي تحتاج إليها، للموافقة على الانسحاب من الجولان.
وبما أن دمشق لا تثق بإدارة بوش – المسؤولة بنظرها عن الكوارث الكبرى التي حلّت بالمنطقة – فهي تنتظر نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر)، على أمل أن يأخذ الرئيس الأميركي الجديد عملية إحلال السلام في الشرق الأوسط على محمل الجد، وأن يتوسط لإبرام اتفاق بين البلدين.
يبقى موقف الرئيس بشار الأسد مطابقا للموقف الواضح الذي اتخذه والده الرئيس الراحل حافظ الأسد، ومفاده أن على إسرائيل أن تعتمد صيغة «الأرض مقابل السلام» لتحظى المحادثات بفرصة للنجاح. بعبارة أخرى، يجب أن تتعهد إسرائيل بالانسحاب انسحاباً تاماً من الجولان وصولا إلى حدود 4 حزيران (يونيو) 1967.
في العام 1993، ومجددا في العام 1994، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين إلى الأميركيين بأنه سينفذ انسحابا تاما من الجولان في إطار اتفاقية سلام مع سورية. عندما اغتيل رابين على يد متطرف يهودي في تشرين الثاني (نوفمبر) 1995، كرر شمعون بيريز هذا التعهد عند تسلمه منصب رئيس الوزراء. لكن بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء من 1996 إلى 1999، وبعده إيهود باراك في عامي 1999 و2000، رفضا فعل ذلك.
تريد سورية اليوم من أولمرت أن يبرهن عن التصميم نفسه للسلام كما فعل رابين. ويتمثّل التصور السوري في أنه حالما تتعهد إسرائيل بإعادة الأراضي المحتلة، يمكن أن توضع كل المسائل الأخرى الجدلية «على الطاولة»، بما في ذلك المخاوف الأمنية المشروعة التي قد تقلق إسرائيل.
وفي انقلاب على الموقف السابق، حدث ما يشبه الخضة في الأسبوع الماضي، عندما أعلنت وسائل الإعلام السورية أن اردوغان اتصل بالأسد ليقول له إن أولمرت أعرب عن استعداده لإعادة الجولان إلى سورية. ويتساءل السوريون عما اذا هذا هو الاختراق الذي طالما انتظروه؟
لكنّ المتحدثين الإسرائيليين لم يؤكدوا هذا التقرير ولم يذهبوا بالقول إلى أبعد من اعتبار ان إسرائيل كانت «تعي تماما الثمن الذي عليها دفعه في نهاية المحادثات» – وهي صيغة غامضة وملتبسة، لم تأتِ على قدر ما كان يرغب السوريون في سماعه.
وفي هذه الأثناء، أثار استعداد أولمرت الظاهر إلى إعادة الجولان عاصفةً من الاحتجاجات في إسرائيل. فأدان رئيس حزب «الليكود» نتانياهو «تنازل أولمرت الانتحاري»، في حين قال دافيد تال، رئيس لجنة الكنيست إنه يأمل بتقديم مشروع قانون يقضي بأن يخضع أي انسحاب من الجولان إلى استفتاء وطني.
لم تكن هذه الانباء بالجيدة، اذ أن الاستفتاء الإسرائيلي الأخير، الذي نُشر في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أظهر أن 32 في المئة فقط من الإسرائيليين وافقوا على انسحاب تام من الجولان. وبدا جلياً أنه يجب الفوز بموافقة الرأي العام الإسرائيلي على ابرام اتفاق مع سورية ليصبح الأمر معقولا.
في تصريحات علنية، قال كل من الرئيس الأسد ورئيس الوزراء أولمرت إنهما يريدان السلام. قال الأسد لرئيس الولايات المتحدة الأسبق جيمي كارتر في زيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط إن 85 في المئة من المسائل بين إسرائيل وسورية قد حُلت في التسعينيات، وأنه تواق ليحقق السلام في أقرب وقت ممكن. تريد سورية السلام كي تستعيد هضبة الجولان، التي خسرتها في الحرب ضد إسرائيل عام 1967، وكي تلحق مجتمعها بركب التحديث والإصلاح.
في الواقع، يشكك كل من الأسد وأولمرت شكاً عميقاً بصدق الجانب الآخر. يعتبر السوريون أولمرت زعيماً ضعيفاً، يفتقر إلى الرؤيا والسلطة الأخلاقية، وهو غير قادر أو لا ينوي أن يرسي السلام. ولا يظنون أنه الرجل الذي سيقنع الرأي العام الإسرائيلي بفوائد السلام. كما يتخوف السوريون من أن اولمرت يدّعي التقدم في المسار السوري بهدف إخافة السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس كي يقدم تنازلات، خوفا من أن يبقى وحيدا في وجه إسرائيل. وكانت إسرائيل قد سعت دوماً إلى السير في أحد المسارات العربية ضد الآخر. وبدورها، تعتبر إسرائيل أن سورية أكثر أعدائها اللدودين، والوحيدة من بين الدول المجاورة التي تشكل تهديدا عسكريا، وبشكل خاص من حيث تحالف سورية مع إيران ومع «حزب الله» في لبنان.
لا تخفي إسرائيل دافعها الأساسي في سعيها إلى إحلال السلام مع سورية. فالهدف منه هو قطع العلاقات السورية مع إيران و «حزب الله» لإضعاف محور طهران – دمشق – جنوب لبنان، الذي ترى إسرائيل والولايات المتحدة أنه العائق الأساسي لسيطرتهما على المنطقة.
لكن مطالبة سورية بقطع روابطها بإيران هي غير واقعية، تماما كالطلب من إسرائيل أن تقطع علاقاتها بالولايات المتحدة. فسورية وإيران حليفتان استراتيجيتان منذ عقود ثلاثة تقريبا، منذ اندلاع الحرب الإيرانية – العراقية عام 1980. وبالنسبة إلى سورية – وفي الواقع بالنسبة إلى العديد من الدول العربية، خصوصاً في الخليج – ستبقى إيران دائما قوة إقليمية مهمة لا يمكن تجاهل ثقلها وتأثيرها. ويسلّم المسؤولون السوريون بأنه ضمن إطار السلام، سيقل بالتأكيد اعتمادهم على إيران.
أما بالنسبة إلى «حزب الله»، فتعتبر وجهة النظر السورية أنه حالما تعيد إسرائيل مزارع شبعا إلى لبنان، وحالما تفرج عن المعتقلين اللبنانيين الذين طال احتجازهم، وحالما تضمن الطائفة الشيعية موقعها المناسب في النظام السياسي اللبناني، عندها سيكف «حزب الله» عن كونه حركة مقاومة مسلحة وسيصبح حزبا سياسيا مسالما.
هنا يبقى السؤال الحساس حول العلاقة بين المسارين السوري والفلسطيني. لا يمكن لسورية أن تفكر في إبرام سلام منفصل مع إسرائيل إلا إذا كان الفلسطينيون أيضا في طريقهم إلى الحصول على حقوقهم الوطنية. من غير الضروري ان يتقدم المساران معاً، لكنهما بالتأكيد متممان لبعضهما البعض. ويأمل السوريون أن يضطلعوا بدور في توحيد الصفوف الفلسطينية وبالمساعدة على تحقيق تسوية فلسطينية – إسرائيلية.
في الوقت الحاضر، تبقى هذه الطموحات في اطار ما هو مأمول تحقيقه. ففي نظر دمشق، تبقى إسرائيل دولة مجاورة معادية ولا يؤمن لها. فغارتها الجوية التي لم يسبقها استفزاز ضد منشأة عسكرية في شرق سورية في أيلول (سبتمبر) الماضي، فضلاً عن المذابح المتلاحقة التي ترتكبها بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة – والتي يجب أن تعتبر إرهاب دولة بأبشع صوره – لا تبعث رسالة إلى السوريين والرأي العربي أن الدولة اليهودية جاهزة للانخراط بسلام في المنطقة.
* كاتب بريطاني متخصّص في قضايا الشرق الأوسط
الحياة – 02/05/08