صفحات العالمما يحدث في لبنان

حولات السياسية بعد إطلاق الضباط الأربعة

سليمان تقي الدين
إطلاق الضباط الأربعة يفتح صفحة جديدة في مناخ العلاقات السياسية اللبنانية. بعد أربع سنوات من الحملات السياسية غير المسبوقة حول جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتهديف على سوريا وحلفاء سوريا تحت عنوان “النظام الأمني المشترك” أَظهر التحقيق براءة الضباط الأربعة وعدم الاشتباه بهم وهم رؤساء الأجهزة الأمنية في مرحلة الوجود السوري.
عملياً صار على التحقيق في الجريمة أن يأخذ وجهة أخرى وقد انهار الركن الأساس الذي جرى البناء عليه لخلق أجواء انقسامية بين اللبنانيين حول المسؤولية السياسية والمادية والمعنوية وراء تلك الجريمة.
وبالفعل إن ما سمي “الاتهام السياسي” أخذ البلاد إلى أجواء من التشنج والتوتر الطائفي والمذهبي وأحدث شرخاً عميقاً بين مكونات المجتمع اللبناني كما أحدث صدعاً قوياً في العلاقات اللبنانية السورية انحفر عميقاً بين الشعبين.
لقد جرى استخدام موضوع التحقيق والمحكمة لتحقيق أغراض سياسية كان الهدف منها وضع اليد على السلطة وإحداث تحولات كبيرة فيها. من الواضح أن الجريمة الإرهابية التي وقعت كانت تستهدف في ما تستهدف خلق مثل هذه الأجواء لإحداث تحول سياسي، فإذا كان بلغة القانون لكل جريمة مستفيد. فإن جريمة الرئيس الحريري جاءت في ظروف المتغيرات الإقليمية والدولية في أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق والتهديدات بتوسيع رقعة الاحتلال والحرب وتغيير الأنظمة وفرض نظام إقليمي جديد أطلقت عليه الإدارة الأمريكية “الشرق الأوسط الجديد أو الكبير”.
إن مسلسل الأحداث الذي أعقب الجريمة، خاصة على صعيد التحقيق وإجراءات إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي، ثم الحرب الصهيونية على لبنان والتدخل الأمريكي اليومي في الأزمة الداخلية أكد على الترابط بين هذه المعطيات من أجل إضعاف مناعة لبنان الوطنية وخلق حالة العداء مع سوريا ونشر أجواء من عدم الثقة بين العرب، فقد كانت أوضاع لبنان عنواناً مباشراً ومهماً في العلاقات السورية مع المملكة العربية السعودية ومع غيرها من الدول العربية الأخرى.
نجحت الجريمة في إحداث كل هذا الكم من السلبيات محلياً وإقليمياً ومن الصعب إعادة تصحيح الذاكرة وتنقيتها مما لحق بها من تشويه ولا سيما على الصعيد الشعبي. إن الآثار السلبية لن تمحى في وقت قريب. بل إن ما يطرحه التحقيق الدولي في هذه المرحلة يترك شكوكاً واسعة في مساره طالما أن البدايات قد حفلت بهذه الأخطاء التي تبدو مقصودة ومتعمدة خاصة أن هناك من عمل علناً على تضليل التحقيق وأخذه في وجهة غير حرفية وغير مهنية أي غير قانونية ومحاولة استثماره في السياسة.
لكن المسألة لن تقف عند هذا الحد، بل فتحت المضاعفات السياسية مسألة القضاء اللبناني ودوره ودور بعض المراجع العليا فيه والضغوط التي تلقاها والتي ساهمت بحرفه عن مجراه الطبيعي وبامتناعه عن إطلاق الضباط الأربعة في مهلة معقولة من مراحل التحقيق بعد أن توافرت لديه شروط ذلك. إن المعنيين من القضاة بهذا الملف أساؤوا كثيراً لسمعة القضاء وصورته وأظهروا أن التدخل السياسي قد أفسد العدالة اللبنانية ومنع عليها أن تتصرف بحرية وفقاً للمعطيات والوقائع القانونية.
إن المتضررين من هذا الانحراف في عمل مرفق العدالة سيتابعون شكواهم من الحكام ومن القضاة الذين تسببوا لهم بهذا الأذى المعنوي والمادي. وقد طالب هؤلاء علناً بمحاكمة وملاحقة المسؤولين عن هذا الأمر، كما طالبوا باستقالتهم أو إقالتهم. ومن نافل القول إن هذا ملف خلافي جديد يفتح بين اللبنانيين. بل إن القوى السياسية التي شعرت أنها استهدفت في ملف التحقيق انطلقت من حملة سياسية معاكسة تطالب بتصحيح وضع القضاء وتطالب بالحذر الواسع من وظيفة المحكمة الدولية. وقد ذهب البعض في لبنان، وهذا هو الأدهى، للقول ان الاتهام كان سياسياً وإن البراءة سياسية وأوحى البعض بصفقة دولية أو بتبادل مصالح تم أو يتم على حساب لبنان، وفي مطلق الأحوال عدنا إلى الجدل الذي يقسم اللبنانيين، خاصة ونحن على أبواب معركة انتخابية تحتاج إلى الدعاية السياسية وتحشيد الجمهور وتشويه صورة الآخر.
ومن المؤكد أن انتصار فريق على آخر ستكون له مضاعفات في هذه الأجواء لأن الفريق المنتصر سيسعى إلى إعادة بناء السلطة والمفاصل الأساسية فيها وفقاً لمصالحه وتصوراته. بل إن فريق المعارضة يعلن الآن انحسار الموجة السياسية التي ساهمت في تكوين السلطة منذ أربع سنوات. ومن الواضح أن لديه أسبابه للقول إن لبنان كان خلال تلك الفترة مكشوفاً على المداخلات الخارجية وعلى التلاعب “الإسرائيلي” بأمنه، خاصة أن شبكات التجسس “الإسرائيلية” تنكشف الواحدة بعد الأخرى ويتبين أن الفوضى التي سادت في لبنان لم تكن غريبة عن هذا الدور للعدو الرئيسي للبنان.
إنها مرحلة جديدة من المصاعب التي ستقفز إلى مقدمة الاهتمامات والتي قد لا تجد لها حلولاً مع هذا التوتر في العقل السياسي اللبناني واللامسؤولية التي تظهرها الطبقة السياسية تجاه التحديات.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى