صفحات العالمما يحدث في لبنان

اللبنانيون وعيش الأحلام المجهضة

بلال خبيز
يطغى الشأن اللبناني على غيره من الشؤون في المنطقة، فالحدث اللبناني في المنطقة العربية مقروء ومسموع ويكاد المرء أن يغامر بالقول هو حدث معاش، فكل عربي أكان مواطناً عادياً أم مسؤولاً له رأي في ما يجري في لبنان. لكن هذا البلد ليس مهماً إلى الحد الذي يخشى العالم كله ما يجري فيه ويتخوف من آثاره، ومع ذلك يحسب اللبنانيون، وبعضهم يقبع في سدة المسؤولية السياسية، أنهم يقررون للعالم ما الذي يجب أن يحصل وكيف يحصل؟
ولأن ما يجري في لبنان هو مادة للسجال بين الناس والعامة في عموم العالم العربي، وبين أهل السياسة أيضاً، فقد أخذ الخيلاء زعيماً لبنانياً ويظن أنه قد يهزم أميركا، وأن مقاومته مثلاً كانت السبب المباشر في الانهيار الاقتصادي الذي يضرب أميركا منذ شهور. ولا يندر أن يظن البعض من القادة والزعماء المحليين، أن مصير بلده حاضر بقوة على أجندات الدول الكبرى. وكثيراً ما يترقب اللبنانيون ما يقوله العالم عنهم، والحق أن بعض الكلام الطيب الذي قد يقوله مسؤول كبير في دولة كبرى في حق لبنان واللبنانيين، قد لا يكون أفضل حالاً من قول رجل صحيح الجسم لمريض يحتضر: الله يشفيك، حيث يعرف الرجلان، صحيح الجسم ومن يحضره الموت أن العبارة لن تقدم أو تؤخر في المقدور، لكن قولها أفضل من الصمت في هذه الحال.
في بلد هذه حاله، مفهوم أن يطلق مسؤول سياسي كبير في دولة كبرى عبارات مجاملة سياسية في حق لبنان، إنما الذي لا يبدو مفهوماً أن يعتقد اللبنانيون أنفسهم أن العالم لا يغمض له جفن قبل أن يتماثل لبنان إلى الشفاء، أو أن العالم كله يرتعد خشية من جبروت اللبنانيين الذين يمدون أذرعهم الأخطبوطية في مصر وفلسطين وأوروبا وصولاً إلى الأميركتين.
قد نتذكر تشيكوسلوفاكيا في العام 1968، أو المجر في العام 1956، بل إن تذكر ربيع براغ والثورة المجرية أصبح جزءاً من الأدبيات السياسية في العالم أجمع، لكن وقائع الأحداث أثبتت أن القوات السوفييتية أجهزت على الثورة المجرية وأجهضت ربيع براغ، ولم يبق من دم الضحايا والأفكار التي أهدرت غير هذا التذكر وبعض الحجج التي تدخل في أي مناقشة متثاقفة. واللافت في هذا المجال أن لبنان واللبنانيين عموماً مفتونون بالتشبه بأحوال براغ في ربيعها، وأحوال المجر في ثورتها، كما لو أن النتيجة التي آلت إليها أحوال هذين البلدين لا تدخل في الحساب السياسي اللبناني، ومع أن تلك الثورات أجهضت فعلاً وغاب أبطالها في غياهب النسيان والسجون والموت، إلا أن اللبنانيين يظنون أو يحسبون أن ربيع براغ المجهض لن يتكرر، ولن يسمح العالم بتكرار ذلك مرة أخرى، وتالياً لم تذهب دروس براغ عبثاً.
والحق أن الدرس الأجدى الذي يجب على المرء أن يتعمله من براغ وربيعها، قد يكون على وجه التحديد، التيقن من أن التاريخ لا يحسن غير إجهاض الأحلام. وأن الوقائع العنيدة تقول إن لبنان بلد صغير جداً. وإنه في الملمات الكبرى، كتلك التي تعصف بالمنطقة اليوم وتحف بها من كل جانب، لا يعود الحدث الذي يحصل فيه أكثر أهمية من أن يفترس نمر غزالاً في غابة، والحال، فإنه في حمأة التحضر الإسرائيلي لعمل ما، ينهي على وجه من الوجوه التهديد الإيراني، بحرب أو تسوية أو إخضاع عبر حصار دولي، لن يكون لبنان الفزاعة التي تقعد نتنياهو عن تنفيذ ما يعزم على القيام به، بل ربما يكون لبنان مرة أخرى الدرس الذي يتوجب على الجميع أن يتعلموه، الدرس الذي يفيد أن البلاد الصغيرة، في لحظات العواصف الكبرى، قد تدخل برمتها في شدق الوحش، ولا يتبقى منها ما يذكّر العالم بها غير أحلام جميلة راودت بعض الناس في وقت من الأوقات.
المقاومة اللبنانية، تريد هزيمة إسرائيل انتقاماً لإيران إذا ما تعرضت إيران لأي هجوم إسرائيلي.
أما إسرائيل فقد تقرر، وهي عملياً باشرت التخطيط العملاني، ضرب إيران التي بنت هذه المقاومات من عظمها إلى لحمها وشرايينها وصولاً إلى رصاصات الابتهاج التي تطلق احتفالاً بالنصر الإلهي، وحين تخطط لمثل هذا الفعل أو تقرره، فإنها تحسب أنها قادرة على ربح الحرب، إذا كانت إسرائيل تشكل تهديداً جدياً لإيران، نظاماً وقوة عسكرية، فكيف في وسع «حزب الله» أو حركة «حماس» أن يشكلا تهديداً جدياً لإسرائيل، وهما أعجز عن التقاط نسمة الهواء من غير النافذة الإيرانية؟

* كاتب لبناني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى