صفحات العالم

حظائر الحيوان

بقلم أمين قمورية
أنفلونزا الخنازير ليس مرضا جديدا، فقد سبق له ان ظهر في الولايات المتحدة عام 1967 وكانت الحصيلة ان شخصا واحدا فقط مات جراء المرض بينما توفي 25 شخصا متأثرين بمضاعفات اللقاحات المضادة للفيروس التي قرر الكونغرس توزيعها آنذاك على الاميركيين!
ومنذ أسبوعين تقريبا والبشرية تتلقف بأعصاب مشدودة انباء طيران فيروس أنفلونزا الخنازير عبر الحدود والقارات وتعيش حالة هستيريا غير مسبوقة، طغت اخبارها على انباء المجازر في العراق والغارات الاميركية على باكستان وافغانستان وزلزال ايطاليا. والنتيجة حتى الآن ان بضع عشرات فقط “يشتبه” في أنهم قضوا في الموجة الجديدة لهذا الوباء وخصوصا في المكسيك، اي ان عدد المصابين بهذا الوباء او الذين قضوا بسببه، لايتجاوز عددهم ضحايا هزة ارضية صغيرة في اي جزيرة نائية، او اعصار من الدرجة الخفيفة او حتى حادث سير على طريق سريع في أي مدينة من مدن العالم. في حين ان الأنفلونزا العادية التي تصيب ملايين البشر موسميا تتسبب بموت مابين 250 الفا وخمسمئة الف شخص سنويا، ومع ذلك فان أحدا لم يضع كمامة على أنفه قبل الاختلاط بالآخرين ولم تتوقف الاشغال في المدن كما ولم تقفل المدارس أبوابها علما ان الأنفلونزا العادية تنتقل ايضا بالهواء مثلها مثل أنفلونزا الخنازير!
الملاريا تقتل عشرات آلاف الافارقة سنويا، لكن أحدا لايسمع بها وغابت عن قاموس منظمة الصحة العالمية، وتجاهلتها وسائل الاعلام وتناساها الزعماء، فيما مرض فقدان المناعة المكتسبة “السيدا” يواصل نخر أجساد آلاف الاطفال والنساء والرجال ويدفن المئات منهم يوميا في ظل تراجع الاهتمام الاعلامي به وقصر وصول المضادات لهذا الفيروس الفتاك على الاثرياء دون الفقراء العاجزين عن شرائها. فلماذا يفضل فيروس على اخر؟
ألقيت لائمة الفيروس على الخنازير المسكينة فتبين لاحقا ان الخنازير هي الضحية وتلقت العدوى من البشر. فمن يعوض الضرر على هذه الحيوانات الاليفة؟ ومن يحمي سمعتها السيئة أصلا؟
هستيريا “أنفلونزا الطيور” انتشرت قبل سنوات كالنار في الهشيم، قبل ان يطويها النسيان من دون علم او خبر، وكلفت البشرية نحو ثلاثة آلاف مليار دولار، اي ما يوازي تكلفة الحرب على العراق او اكثر بكثير من فاتورة اطعام الجائعين حول العالم او محو الامية، فيما فواتير تكلفة الفيروس الجديد لم تحتسب بعد، وتكاد حتى الان تقوض كل الجهود العالمية المبذولة لانقاذ الاقتصاد العالمي من الانهيار. فاسواق المال بسببه واصلت التراجع. واسهم شركات الطيران هبطت الى الحضيض، والقطاع السياحي دخل في غيبوبة. والقطاع الفندقي رفع صراخه عاليا، والاقتصاد المكسيكي الكبير والمنكمش اصلا مهدد بالافلاس. والدول الصغيرة تدفع أبهظ الاثمان. ومربو الخنازير وتجار لحمه يُنهش لحمهم… والآتي أعظم!
الكثيرمن القطاعات الاقتصادية عانت او ستعاني جراء هذا المرض، وحدها شركات الدواء تصنيعا وتجارة ازدهرت وارتفعت اسهمها صعودا كبيرا، وتتجه الى تحقيق أرباح خيالية .هكذا حصل مع انتشار الاوبئة السابقة. وهكذا يحصل في الحروب… فلماذا في الملمات الانسانية، وحدهم تجار الادوية والسلاح والمواد الغذائية يعومون ويجنون المكاسب فيما الاخرون يدفعون الفواتير؟ هل هي نظرية “المؤامرة” ام نظرية: مصائب قوم عند قوم فوائد؟ كل شي وارد في عالم الشركات الكبرى الجشعة والمتفلتة من اي قيد اخلاقي .. أفليست الازمة المالية العالمية احد وجوه هذا الجشع؟ ولماذا لا تواصل هذه الشركات جشعها بعدما تدخلت الحكومات لانقاذها من الانهيار على رغم انها ساهمت في الوصول اليه بفعل الفساد المعلن والواضح لمديريها ومجالس ادارتها ؟
من يتحكم بالعالم؟ من يشعل الحروب؟ من ينشر هذه الفيروسات والأوبئة التي تصيب بعض الدول في مقتل، بينما تنجو دول أخرى، بل تكون خالية من أي إصابة؟ هل هناك دول محصنة من الفيروسات والحروب؟ وما الذي يحصنها؟
لا يكاد العالم يتأقلم مع أزمة إلا تظهر أختها، من “جنون البقر” الى “أنفلونزا الطيور” الى “أنفلونزا الخنازير” أخيرا وليس آخرا… لا أحد يعلم في أي حظيرة حيوان يٌحشر العالم !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى