أوباما… ماذا يفعل؟
حازم صاغية
تتردّد في أوساط عربيّة «محافظة» و «معتدلة»، انتقادات لباراك أوباما وإدارته متفاوتة الجهر والتعبير. فهما يسعيان، حسب تلك الأوساط، الى الحوار مع قوى «راديكاليّة» وشبه «راديكاليّة» والانفتاح عليها، علماً أن هذه القوى لم تكن، قبل عام واحد، إلاّ أضلاعاً معلنة أو مخفيّة في «محور الشرّ».
والسعي الأوباميّ ذاك يثير عند «المعتدلين» هاجس «الصفقات» التي قد تُعقد على حسابهم، فتمتدّ الأيدي، من فوق رؤوسهم، جسراً بين واشنطن وطهران.
وهذا إذا كان لا يخلو من مبالغات يؤلّفها الذعر ويستبدّ بها، إلاّ أن شيئاً من الصحّة يخالطه بالتأكيد. لكنْ ما لا بدّ من ذكره أوّلاً، في هذا المعرض، وهو ما لا يعدو كونه بديهة في العمل السياسيّ المؤسّس على واقع الدول ومصالحها، ان الولايات المتّحدة ليست طرفاً عربيّاً وإن وجدت نفسها تلتقي وتتقاطع في غير محطّة مع طرف عربيّ.
وهي، في عهد أوباما، مشغولة، بل مستغرقة، في هموم ضخمة ثلاثة على الأقلّ: الأزمة الاقتصاديّة، وكسب الحرب في أفغانستان وباكستان، وتأمين الانسحاب من العراق. وفي التعامل مع هذه الهموم جميعاً، ترخي الحقبة البوشيّة ظلالها الثقيلة، بما في ذلك ظلّها الايديولوجيّ الذي لا يحفز الإدارة الجديدة إلاّ على تعميق توجّه براغماتيّ، قليل الايديولوجيّة أو عديمها.
مع ذلك، لا بأس بتعداد أسباب أخرى لم تصنعها أميركا، الا أنّها تؤثّر في توجّهاتها الحاليّة: فالكتلة «الراديكاليّة» صمدت بشتى الطرق يساعدها أنّها غير معنيّة، تعريفاً، بناسها ومصالحهم ولا سيّما حريّاتهم. فالأنظمة بالقمع صمدت، وكمثل الأجسام الميّتة، لم يؤثّر فيها حصار أو مقاطعة، ولم يُتح لشعوبها أن تحاسبها، أو ان الشعوب لم ترغب في ذلك تبعاً لتجزّئها الأهليّ والخوف من مستقبل عراقيّ، من دون أن تغيب الحكمة الشعبيّة السقيمة عن أولويّة التصدّي للأجنبيّ ومؤامراته الكثيرة. والحركات «الراديكاليّة» صمدت هي الأخرى، فساقت شعوبها الى حروب مدمّرة اختبأت فيها وراء تلك الشعوب. وفي موازاة ذلك ظهرت آثار للتحوّلات الديموغرافيّة، وتردّي المدن، وصعود الهويّات المحليّة والدينيّة، جعلت المجموعات «الراديكاليّة» تقف على أرض تمثيليّة وجماهيريّة صلبة.
في المقابل، لئن أفادت إيران من سقوط نظامي صدّام حسين و «طالبان»، ومن ارتفاع أسعار النفط في السنوات القليلة الماضية، التفّت سوريّة على هزيمة انسحابها من لبنان مستعينة بتعثّر السياسة والاجتماع اللبنانيّين على نحو يقارب التعفّن. وتعثّر كهذا لم يكن غير عيّنة مصغّرة عن مأساة أكبر راح يتخبّط فيها العراق «الأميركيّ»، فيما انتهى الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس، بين ضغطي إسرائيل و «حماس»، لا يملك إلاّ عجزه. وهو جزء من عجز أكبر عاناه ويعانيه «الاعتدال» العربيّ الذي جعل بلداً كمصر ينتقل من مواجهة مع قطر الى أخرى مع «حزب الله»، بينما بات «الشرق الأوسط» يُحتَسب ثلاث دوائر للنفوذ، إسرائيليّة وإيرانيّة وتركيّة، لا غير.
فماذا يراد إذاًً من باراك أوباما أن يفعل؟
الحياة