النظام في سورية بحاجة إلى القليل من الإرادة والعزيمة والتصميم!!
فيصل الشيخ محمد
روت بعض كتب التاريخ أن الخليفة العباسي المعتصم بالله، الذي أحرق مدينة عمورية ثأراً لحرة مسلمة تطاول عليها أحد علوج الروم، فصاحت مستغيثة بالمعتصم (وا معتصماه).. روت هذه الكتب أن المعتصم كان مدمن على أكل التراب، وكان يُختار له نوعاً من التراب الأحمر النقي والطري، ويوضع له في صندوق ذهبي يتناول منه بين الفينة والفينة، وشعر هذا الخليفة العظيم، الذي كان يقصم ظهر الرجل القوي بين أصبعيه، بأن الشحوب والوهن بدأ يدب في جسده، وكان يعرف في قرارة نفسه أن سبب ذلك هو تناوله التراب، وكان ضعيفاً أمام هذه العادة الذميمة، مع كل جبروته ورجاحة عقله. فطلب من وزيره إحضار عقلاء وحكماء الأمة في دولته المترامية الأطراف، لإبداء المشورة حول أنجع السبل التي تعين المعتصم في التوقف عن أكل التراب.
وتقاطر حكماء الأمة وعقلاؤها من الهند شرقاً حتى سواحل الأطلسي غرباً، واجتمع هؤلاء في حضرة المعتصم، وراح كل واحد منهم يدلي برأيه ومشورته، وكان أحد هؤلاء الحكماء منزوياً بعيداً في ركن من أركان القاعة، يستمع إلى كل ما يدور دون أن ينبس ببنت شفه، ولفت صمته الخليفة المعتصم، فطلب من حاجبه أن يجيء به، فجاء الحكيم الذي هدَّ جسمه النحيل تراكم السنين، فسأله المعتصم: لمَ لم تبد رأيك في هذا الأمر؟ فقال الحكيم: ولمن أبدي رأي؟ قال المعتصم: لي، قال: ومن أنت؟ قال: أنا المعتصم أمير المؤمنين. فتبسم الحكيم وقال: أبداً… إن المعتصم الذي أعرفه قد مات منذ زمن بعيد، فتعجب المعتصم من كلام الحكيم وقال: كيف.. ألست أنا المعتصم؟ قال الحكيم: المعتصم الذي اعرف هو الذي كان يملك الإرادة والعزيمة والتصميم، وأنت لا تملك شيئاً من هذا.
صعق المعتصم لكلام الحكيم وقال: بماذا تشير علي كي أقلع عن هذا البلاء الذي أنا فيه؟ قال الحكيم: أن تعود كما كنت (المعتصم) الذي يملك الإرادة والتصميم والعزيمة، وتلقي بصندوق التراب بعيداً عنك، وستجد نفسك قد توقفت عن هذه العادة الذمية. فنفذ المعتصم من وقته مشورة هذا الحكيم، وألقى صندوق التراب بعيداً، وقرر بإرادة وعزيمة وتصميم أن لا يعود إليه ثانية، وبدأت مع الأيام تدب في جسد المعتصم الحياة والنضارة والعافية، حتى عاد كما كان في بداية فتوته قوة وشكيمة وشجاعة.
ما دفعني إلى رواية هذه الحادثة هو دعوة السيد عصام العريان الرئيس بشار الأسد – في تصريحات أدلى بها للقدس برس – على الإقدام على خطوة شجاعة من شأنها إجراء مصالحة وطنية شاملة لا تستثني أحداً بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين في سورية، مؤكداً أن كل الظروف السياسية مهيأة للرئيس بشار الأسد للإقدام على خطوة – وصفها بالتاريخية – لإجراء مصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين وباقي مكونات العائلة السياسية السورية، مؤكداً أنه قد جرت وساطات عربية وإسلامية كثيرة لرأب الصدع بين النظام الحاكم في سورية وجماعة الإخوان المسلمين، وقال: (نتمنى من الرئيس الأسد أن يستمع للوساطات العديدة سواء من داخل سورية أو من خارجها، ونحن نعول على هذه الأطراف للتوصل إلى نتيجة مثمرة في هذا الصدد، مشيراً إلى أن سورية تحتاج إلى خطوة من هذا النوع لمواجهة تحديات الاحتلال الإسرائيلي وتحرير الأرض).
وجاء تصريح السيد عصام العريان رئيس المكتب السياسي في جماعة الإخوان المسلمين بمصر، في سياق تعليق جماعة الإخوان المسلمين السورية لأنشطتها المعارضة للنظام، وقد لاقت تلك الخطوة الشجاعة والحكيمة ترحيب وارتياح كبيرين في العالم العربي والإسلامي، وقد وصف العديد من عقلاء الأمة ومفكريها ومثقفيها خطوة الإخوان بالشجاعة والحكيمة، وبأنها تحولاً تاريخياً في رؤية الجماعة السياسية، داعين النظام في سورية أن يقابل تلك الخطوة بخطوة مماثلة في اتجاه المصالحة.
لم تكن دعوة العريان في إجراء مصالحة شاملة مع مكونات الساحة السياسية السورية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، هي الأولى من نوعها فقد سبقتها العديد من الدعوات، من تنظيمات إسلامية وقومية وعلمانية وليبرالية رسمية وغير رسمية، تطالب النظام الحاكم في سورية بإجراء هذه المصالحة، لتمتين الجبهة الداخلية السورية حتى تتناغم الشعارات التي يرفعها النظام السوري والمتمثلة في الممانعة والتصدي لمخططات وأجندة أعداء الأمة والوطن مع الواقع على الأرض، فلا قيمة للشعارات ما لم يقترن ذلك بوحدة وطنية تشمل الجميع ولا تستثني أو تقصي أحد، من ألوان وأطياف فسيفساء المجتمع السوري العرقي والديني والمذهبي والطائفي والعقدي والفكري والإيديولوجي، طالما أن الجميع يحملون هوية هذا الوطن وهمومه.. وهذا يحتاج إلى إرادة وعزيمة وتصميم كما قيل للمعتصم، لتعود إلى سورية عافيتها وحيويتها وشبابها لتقف منصوبة القامة في وجه التحديات، والصمود أمام العاصفة التي تريد الوطن شعباً ونظاماً وأرضاً.
خاص – صفحات سورية –