«انقراض العرب» بين استشراق واستغراب و«غُراب»
حازم العظمة
اندفعتُ للرد على أدونيس وتصريحاته الأخيرة عن «انقراض» العرب في مقالي «ما قاله حفيد المتنبّي في محميّة أربيل الأميركيّة» («الأخبار» ــــ الخميس 30 نيسان/ أبريل). لكنّني أجد أنّ الظاهرة أبعد من أدونيس. الأمر يتعلق بحالة «الاستغراب» هو مقابل «الاستشراق» وسمّاها فواز طرابلسي «الغُراب». ثمة ملوك وأباطرة ودول «ديموقرطية» وغير ديموقرطية أرادوا دائماً توسيع ثرواتهم. وفي العالم الحالي، الحروب التي تخاض للسيطرة على الثروات فاقت بهمجيتها نزاعات الإمبراطوريات القديمة. لكنّ إحدى أدواتها ــــ وربما أهمها ــــ إقناع «الخصم» بأنّ حضارته «انقرضت».
مفهوم أدونيس عن «انقراض الحضارات» لا يبتعد عن مفهوم «صدام الحضارات» في نسخته القديمة الكولونيالية أو تلك الـ«المجدَّدَة» الإمبراطورية الخاصة بهنتنغتون. لهذه وتلك، التاريخ صراع لا ينتهي بين «حضارات». وعليّ أن أترجم عبارة «حضارات» الخادعة إلى معناها الحقيقي: الممالك والدول. هذا الخلط هو الفخ الحقيقيّ في نظرية هنتنغتون «صدام الحضارات».
وكلتا الطبعتين من «النظرية» لا تترك فضاءً لحضارة إنسانية مشتركة أو متجددة تهتم بالإنسان ويحلّ محلها تنوع ثقافات الشعوب الذي تتألف منه الحضارة الإنسانية بعيداً عن الحروب، وهي كما أرى الحضارة الحقيقية. أدونيس في ما يقوله غالباً عن «الشرق» أو العرب، يقارن «جودته» أو «صلاحيته» بمثل ثابت «قياسي» هو الغرب الأوروبي ـــــ الأميركي. هكذا كما أرى، فالأنظمة العربية، أي ما هو «سائد» في النظام العربي، هو ما ينبغي الإشارة إليه بأنّه متخلف واستبدادي ورجعي وبطريركي ينبغي إسقاطه، لا الثقافة العربية. الثقافة العربية فيها تيارات، وثمة ولادة عسيرة لثقافة تقدمية وديموقراطية، لكن فيها أيضاً ما هو صالح للاستهلاك الجاهز من المستبدين وحرّاس التخلف. وأدونيس رسول الحداثة وناعيها، من حقّنا أن نسأله اليوم أين هو من معارك التغيير والتنوير التي تدور على أرض الواقع في العالم العربي؟ فواز طرابلسي أشار إلى أنّ «الثقافة العربية تقاوم». وأضيف أن هذه الثقافة تنهض أيضاً، وإلا فلا معنى لما يفعله كل هؤلاء المتنوّرين من كتّاب ومفكرين، بمن فيهم أدونيس. هذه النزعة النهضويّة تفسّر أيضاً أن السجون العربية لا تََفرغ من سجناء الرأي ومقاومي الاستبداد…
ليس لنا أن نمضي في إعادة إنتاج إعجاب الغرب بحضارتنا «الميتافيزيقية»، ثم نقدّم ذلك على أنّه «حداثة». وليس لنا أن نمضي أكثر في تغييب الوعي، و«استلاب» العقول بالتهويمات الماورائية والأحاجي الصوفية التي تشبه ما يتوقعه الغرب الاستشراقي من أية كتابة آتية من «الشرق»… بذلك، لن نكون «أسهمنا في الحضارة الإنسانية» على حد تعبير أدونيس.