الصحفيون السوريون بين نارين ” الطرد التعسفي” أو “التوقيع على بياض”
لور ديب
بعد ما يقارب نصف قرن من “اللون الواحد” التي طبعت الإعلام السوري رسميا، وجد الإعلام الخاص ذاته في مواجهة شغف كبير من السوريين للإطلاع على نمط جديد من الإعلام يحترم عقله على الأقل.
لكن الباب فتح أمام الإعلام الخاص فوجدت عشرات المطبوعات كان الاقتصاد والمنوعات عنوانها الأبرز، وأغلبها تعمل على مبدأ “البرستيج” إذ يقف خلف أغلبها رجال أعمال كبار، أما التي قامت على جهود فردية أقل فتجد صعوبات مالية كبيرة في التمويل وكثير منها أغلق.
لكن الكارثة التي يخشى منها المراقبين هي ما يهدد مستقبل الإعلام التلفزيوني السوري الخاص، الذي بدأ منذ سنوات لم تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة بتشوهات جنينية خطيرة.فبعد تجربة قناة شام الفاشلة من داخل الأراضي السوري ومغادرة صاحبها إلى مصر وبثه منها، جاء تلفزيون الدنيا الذي يبث من داخل الأراضي السورية لكنه لم يسلم هو الآخر من فشل إداري يهدد مستقبل القناة التي تعمل اليوم بدون جهاز فني، وتلفزيون المشرق الذي يبث من دبي ولديه مكتب إقليمي في دمشق يعاني إداريا ما يعانيه. لكن إن اختلفت كل تلك القنوات الجنينية بمشكلاتها الإدارية المتجسدة بتحكم الكادر الإداري من مالكي المحطة بعمل الصحفيين فيها، إلا أنها تتفق على علاقتها بالصحفي على أنه “موظف” لديها، تفرض عليه أنماطاً من العمل والعلاقة المهنية بعيدة عن القانون والاحتراف.
ومن أمثلة مدى الأزمة التي يعيشها الصحفيين في تلك القنوات السورية الخاصة هو نظام التعاقد التي حاولت إدارة قناة الدنيا فرضه على الصحفيين والفنيين لديها، إذ كان العقد فارغا وقدم لهم على بياض ليوقعوا عليه، وكانت النتيجة أن قليل منهم وقعوا وكثيرون رفضوا، بل إن الجهاز الفني أضرب عن العمل وترك الجميع مكاتبهم فاضطرت إدارة المحطة لاستئجار مونتير لمنتجة نشرة الأخبار.
وانتقد الصحفي أيمن الشوفي – الذي يكتب لعدة وسائل إعلام سورية – في تقرير صحفي له نشره موقع داماس بوست بشدة الآلية التي تحكم نظام التعاقد بين الصحفيين في سورية والقنوات الإعلامية ابتداء من التلفزيون السوري وانتهاء بما هو موجود من إعلام تلفزيوني خاص في سورية، فـ”نظام البونات الذي يحكم عمل الموظفين في التلفزيون السوري، هو باب للقلق ” لأن الصحفي “الموظف” يقع أسيرا لهاجس “الطرد التعسفي”.
والبونات التي تعني عموماً في سورية مخصصات مقننة من مادة معينة (سكر، رز، شاي، مازوت، إلخ)، تستخدم كمصطلح خاص بالتلفزيون السوري، يتلقى فيه بعض العاملين في التلفزيون السوري الحكومي مبالغ مالية تصرف كل عدة شهور، بالإضافة إلى رواتبهم، مقابل عملهم كمعدين أو مقدمين لبرامج معينة في قنوات أخرى تابعة للتلفزيون ذاته، أو في برامج معينة من للقناة ذاتها. وغني عن القول أن بعض العاملين في التلفزيون السوري يقبضون تلك “البونات” كنوع من “التنفيعة” بدون أن يؤدوا أي عمل مقابلها.
ويستطلع الشوفي رأي بعض الصحفيين لنكتشف أن القلق هو قلق وجودي إذا أن أحدهم يقول: “قد أخرج من باب التلفزيون إلى العمل ، وحين أعود ربما قد أجد اسمي معلّقاً على الباب بأني صرت ممنوعاً من دخول التلفزيون ” . وحدث هذا الأمر غير مرّة.
أما في العمل التلفزيوني الخاص فالمصيبة أعظم، فالتعاطي مع موظف الإعلام المرئي السوري يتم، حسب الشوفي، ضمن نظام بدائي وهو ابتداع سوري محض لا يكون ملحوظا سوى في المكان الذي أنتجه، فنظام العمل في تلفزيون الدنيا مثلاً، يحتكم إلى اعتبارات أخرى إذ أن لكل موظف “موازنته الخاصة ” وبالتالي “اتفاقه الخاص مع الإدارة ” ويقول أحد موظفيها: نحن نتبع لنظام العمل في المناطق الحرة وبالتالي لسنا مسجلين لدى التأمينات الاجتماعية وليس لدينا طبابة مجانية، أما في قناة شام فكان ثمة طبيب مقيم كبديل لتقديم الضمان الصحي ، ولم يكن ثمة تسجيل في التأمينات الاجتماعية.
والطريف ما يختم به الصحفي تقريره بأن الفرز الموجود في الإعلام السوري الخاص هو فرز “يؤسس في نهاية مطافه إلى قبول أن الخطوة هي قفزة نوعية . أن يكون الطبيب المقيم بديلاً للتأمين الصحي …وأن يكون العقد بديلاً للبونات…أو أن تكون الدفعة على الحساب بديلاً لضياع الحساب كلياً… هذه حكاية سورية بامتياز”.
الطريف ما علق عليه أحد القراء واسمه الدكتور فراس علي يقول” في كل يوم نسمع عن فضائح الإعلام الخاص : مدير برامج الشام معن صالح أخذ السيارة بدلا عن رواتبه . مدير برامج الدنيا عماد نداف استقال لأن مجلس إدارة الدنيا لايعامل الصحفيين لديه باحترام ولم يقدم الوسائل الكفيلة ببناء محطة، ومدير برامج المشرق عدنان عبد الرزاق استقال لأسباب كثيرة .. يعني يا أخي ألا يوجد قانون للإعلام الخاص ، والسيد الوزير اللي يحكي ليل نهار عن سلاح الإعلام ألم يفضى بعد لدراسة مشاكل الإعلام الخاص .. ”
اربيان بزنس