النظام السوري: محاربة المواطنين في خبزهم وحريتهم
طارق حمو
محكمة أمن الدولة الإستثنائية (المولود المسخ لحالة الطوارئ النافذة منذ إنقلاب حزب البعث على الدولة عام 1963) أصدرت حكماً قراقوشياً جديداً طال السياسي الكردي مشعل التمو، المختطف منذ 15/08/20008، قضى باعتقاله لمدة 3 سنوات، إضافة إلى تجريده من حقوقه المدنية مدة 10 سنوات قادمة. المحكمة إياها بررّت الحكم بسعي التمو إلى “إيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية” و”نشر أخبار من شأنها أن توهن نفسية الأمة”!.
الحكم هذا جاء بعد ـ وبموازاة ـ حملة إعتقالات ومحاكمات شرسة وموتورة شنتها أجهزة الشرطة والإستخبارات السورية ضد المعارضين الديمقراطيين والنشطاء الحقوقيين في البلاد. سلطات النظام السوري وزعت القمع بالعدل على جناحي المعارضة السورية الفاعلة: نشطاء حقوق الإنسان والمثقفين العرب والنشطاء السياسيين الكرد!. وكانت حصيلة حملة القمع والإعتقالات هذه خلط عجيب من السياسيين والحقوقيين والمثقفين والصحفيين والطلبة والأحداث ومن كل مناطق البلاد( وإن كانت المناطق الكردية قد نالت حصة الأسد كالعادة). ويستطيع المرء هنا، أن يشير إلى محاكمة الأحداث الكرد في الحسكة، من الذين شاركوا في الاحتفال بعيد النوروز القومي الكردي آذار 2009 وتم القبض عليهم واحالتهم إلى قاضي الفرد العسكري بتاريخ 29/3/2009 والذي احالهم بدوره الى محكمة احداث الجنايات بالحسكة ليحاكموا بتهم “إثارة النعرات الطائفية” بحسب المادة ( 307) و”التجمع من أجل الشغب” بحسب المادة (336) وفق قانون العقوبات السوري. كما تضم هذه “الخلطة الوطنية” نساءً قالت محكمة أمن الدولة ب”أنهن حاولن إقتطاع جزء من الأراضي السورية وضمها إلى دولة أجنبية”. وهن كل من زينب هورو ولطيفة مراد الناشطتان في تنظيم إتحاد ستار النسائي( التابع لحزب الإتحاد الديمقراطي) حيث حوكمتا ب5 سنوات سجن، إضافة إلى أحكام أخرى من نفس العيار الثقيل طالت كل من صلاح مستو ورشاد إبراهيم ونوري، ومصطفى حسين ( 6سنوات) ومحمد حبش رشو (7 سنوات). ولعل السبب الكامن وراء هذه الأحكام الجائرة بالسجن على هؤلاء النشطاء هو عضويتهم في حزب الإتحاد الديمقراطي( المقرب من حزب العمال الكردستاني)، وهي إشارة ترضية وولاء واضحة يرسلها النظام السوري للدولة التركية، المنهكمة في محاربة الشعب الكردي، على الجانب الآخر من الحدود!.
كما تضم الخلطة طلاباً جامعيين تم فصلهم من جامعات القطر لأسباب قيلت انها “أمنية”، حيث كان آخر 3 طلاب من ضحايا تقارير اجهزة الإستخبارات كل من الطلبة الكرد: آلان حسيني الذي تم فصله من كلية الإقتصاد بجامعة حلب، وكاور ديكو الذي تم فصله من المعهد الزراعي بحلب، وعبدي رمي الذي تم فصله من كلية التربية بجامعة حلب. وتضم لائحة الضحايا أيضاً كتاباً ومثقفين وطنيين معروفين، سواء من معتقلي إعلان دمشق، أو من المعتقلين السابقين، كان آخرهم الصحفي الكردي فاروق حجي مصطفى، الذي إستضافه فرع الأمن السياسي في حلب، فدخل إليه ل”يشرب فنجان القهوة” ولم يعد حتى الآن!. هذا إضافة إلى محاربة السلطات للمعارضين في خبزهم، والنقل التعسفي، وبالجملة، للمئات من المدرسين والموظفين المعارضين والناشطين في مجال الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان، حيث لجأت السلطات إلى نقل هؤلاء إلى “وظائف جديدة”، وجاهدت لتكون الأمكان “الجديدة” هذه بعيدة عشرات، وفي بعض الحالات، مئات الكيلومترات عن اماكن سكن المنقولين. وهذا ضرب جديد من ضروب قطع الأعناق التي تلجأ اليها الأجهزة الإستخباراتية التابعة للنظام السوري. هي فن جديد من فنون ترهيب المواطن والإنتقام منه وتجويعه ليرفع “الراية البيضاء” ويتوقف عن الحديث حول “الديمقراطية” و”الرأي الآخر” و”النقد” و”حقوق الإنسان” و”القضية الكردية” وغيرها من المصطلحات الرجيمة في الفكر الحجري للطغمة الناهبة الحاكمة على رقاب الشعب السوري.
الواقع المعاشي المتردي جداً يتزامن وحملة القمع والإعتقالات والمداهمات والتضييق غير المسبوقة التي تمارسها أجهزة استخبارات النظام السوري. وكأن معركة المواطن من أجل توفير لقمة الخبز لعياله لاتكفي حتى تنبري السلطة لترفع بعصاها الغليظة في وجه كل من يزفر بكلمة نقد. في سوريا ثمة تحقيق صارخ لطرفي المعادلة القمعية تلك: لاخبز ولاحرية. الخبز سرقته الحاشية، والحرية سٌحقت تحت كعاب أحذية رجال المخابرات. هذه حال سوريا اليوم…
تقرير مذهل نشره احد مواقع الإنترنت القريبة من السلطة (وإعاد نشره موقع Gemiya Kurd) الكردي الإخباري، كشفّ، وبالأرقام، عن حجم الدمار الذي طال حياة ومستقبل السوريين في محافظة كانت توصف بأنها “سلة غذاء سوريا”. محافظة الحسكة او الجزيرة، والتي يمكن اطلاق صفة ” المنطقة المكنوبة” عليها جراء الفقر والقمع الذي بات يعشعش بين جنباتها الآن. فبحسب التقرير فإن 200 الف شخص( من أصل حوالي مليون شخص إجمالي سكان المحافظة) تركوا قراهم باتجاه العاصمة دمشق وريفها ودرعا وحمص واللاذقية وطرطوس وغيرها من المحافظات بحثاً عن العمل، فضلا عن الهجرة الخارجية إلى بعض الدول المجاورة وهي أفضل المتاح، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن منطقة القامشلي وحدها قد هاجرت منها 30 ألف عائلة، ومن منطقة الشدادي حوالي 50 ألف شخص، فيما لم يعرف الرقم الحقيقي لعدد المهاجرين من منطقة جنوب الرد التي تحولت قراها إلى اطلال بعد أن تركها أهلها وأغلقت مدارسها، وعينوا حارساً على ما تبقى من ممتلكاتهم بين جدران طينية لا تذكر إلا ببقايا الحضارات الغابرة(…) مصادر في مديرية تربية الحسكة اكدت أن حوالي 16% من طلاب مرحلة التعليم الأساسي البالغ عددهم حوالي 320 ألف طالب قد هاجروا مع ذويهم، آخذين معهم أضابيرهم الدراسية بغية إكمال تعليمهم في المناطق التي هاجروا إليها، إلا أن هذه المصادر تؤكد أن نسبة هؤلاء لا تتجاوز 25% في حين تسرب75% منهم من التعليم!!.( خليل الهملو- فواز المطلق: الحسكة تحتاج إلى صحوة ضمير!. نفلاً عن موقع Gemiya Kurd).
من الذي أوصل الحسكة، وسوريا كلها، إلى هذا الدرك من العوز والذل؟.
يهيم بين جنبات السجون والمعتقلات والأقبية في دمشق وغيرها من مدن الوطن السوري، الآلاف من المناضلين والنشطاء والطلبة والمثقفين من خيرة نخبة الشعب السوري. هؤلاء لم يرتكبوا جرماً. لم ينهبوا ثروات البلاد ولم يهربوها للخارج لتٌسجل ملكاً خالصاً للذرية المباركة. لم يٌبيحوا أرض سوريا للغير لقاء سلامة كراسيهم وضمان ديمومتهم على رقاب الناس. لم يظلموا العباد ولم يقتلوا ولم يقمعوا ولم يهٌجرّوا أحداً. لكنهم قالوا كلمة حق في وجه سلطان جائر غشوم فكان مصيرهم الحجز والقمع والتخوين.
في بلاد يعتقد الحاكم فيها بان الشعب هو الخصم تكون الحياة بحد ذاتها عقوبة وسجناً لايطاق. في بلاد يوزع فيها الحاكم المناطق والأمصار رزقاً حلالاً على الحاشية وإتباعهم ليعثيوا فيها دماراً وخراباً، من الطبيعي أن يعيش ” المواطن”موتاً أكيداً، فيترك الفلاح المنتج أرضه ويهجر كوخه إلى حيث اللقمة ليس إلا. هكذا يريد الحاكم لأبن هذه البلاد أن يعيش. وأي “عيش” هذا ذاك الذي يٌجبل بالمذلة والجوع والقمع ونهب البقية الباقية من الحرية والطعام!.
النظام السوري ماض في حربه على الوطن والمواطن، ومن كان يراهن على الخارج فقد خاب فأله. فإن هذا “الخارج” آخر ما يهمه هو حالة وكرامة المواطن. ومع التلويح ب”الجزرة” ومحاولة إستمالة هذا النظام لإخراجه من محور الممانعة( محور الإرهاب والتخريب بقيادة إيران وتوابعها من المنظمات الخارجة عن القانون) فإن النظام يحس بأقدامه وهي تتوطد في الأرض. يحس بالسعادة والنشوة فيزفر مزمجراً فرحاً. تزداد الثفة بالنفس ويشيد الجميع ب”النهج الذي أثبتت الأيام صحته”، وتلوح تباشير النصر، فتقرر “القيادة” المضي قدماً في نفي المواطن والولوغ في كرامته. فالنصر يكون أولاً في الداخل، كما تقول الحكمة الميكيافيلية العتيدة، وكما دوّن الآباء الأولون ذلك منذ الزمن الأول، زمن الولادة والبعث…
طارق حمو