في انتظار اوباما!
الياس خوري
الخلاف بين الادارة الامريكية الجديدة والحكومة الاسرائيلية، حول عملية السلام في المنطقة، صار سرا معلنا. اسرائيل تماطل، وتناور، وتحاول ان تشتري الوقت، والادارة الامريكية الجديدة تريد تقدما واضحا على جميع المسارات. نتنياهو ارسل رئيس اسرائيل العجوز شمعون بيريس كي يمهد لزيارته، وينكب الآن على دراسة تقديم الحجج، ويحاول ان يتجاوز كأس المفاوضات مع الفلسطينيين، التي سوف تهدد بانفجار حكومته اليمينية
اما العرب، فينتظرون!
المبادرة العربية على الطاولة منذ عام 2002، ويشاع انها قد تتعرض لتعديلات خفيفة من اجل طمأنة اسرائيل! لكن لا شيء سوى الانتظار.
اسرائيل تعد خططا جنونية لتوجيه ضربة عسكرية الى ايران، وتتعلل بالقنبلة الايرانية كي ترفض التسوية.
والعرب ينتظرون!
الفرق بين اوباما وبين بطل مسرحية بيكيت ‘في انتظار غودو’، هو ان الرئيس الامريكي حقيقي وموجود ويملأ الشاشات، بينما كان البطل المسرحي مجرد شخصية خيالية. غير ان ما يجمع بين الانتظارين، هو طبيعة المنتظرين، الذين لا يفعلون شيئا سوى الانتظار، وهذا قد يحول من هم في انتظاره الى مجرد وهم، او الى رجل ينتظر من منتظريه تحركا ما، كي لا يضطر الى عدم المجيء.
والمسألة واضحة على الرغم من تعقيدها، فالولايات المتحدة كانت وستبقى حليفا استراتيجيا لإسرائيل، واي افتراض آخر مجرد وهم وأمنيات مخادعة. تريد امريكا استقرارا في المنطقة، وانجازا ما، يسمح لها بتحسين شروط ورطتيها في العراق وافغانستان، وربما غدا في باكستان. كما يسمح لها بإدارة الملف الايراني من دون ضغط قضية فلسطين.
وبهذا المعنى، فإن الولايات المتحدة تسعى الى التوصل الى تسوية في الشرق الاوسط، تسوية سورية – اسرائيلية، وتسوية فلسطينية- اسرائيلية. وهي تضغط اليوم على الحكومة اليمينية في اسرائيل من اجل استئناف التفاوض على المسارين السوري والفلسطيني، واضعة نصب عينيها ان لا حل لمقاومة حزب الله سوى بالتفاهم مع سورية، ولا حل لحماس سوى بدولة فلسطينية.
غير ان الولايات المتحدة ليست معنية بالعدالة، ولا بمعاناة الفلسطينيين، همها الوحيد هو ايجاد مخرج في المنطقة، يؤمن حدا من الاستقرار، ويسمح لها بمعالجة الملفات الأخرى، ويخرجها من وحل المرحلة البوشية.
التباين بين الموقفين الاسرائيلي والامريكي مرحب به في كل حين. لكنه لن يجترح المعجزات، وذلك بسبب انهيار النفوذ ومصادر القوة الذي يعانيه العالم العربي. اي ان حدود الضغط الامريكي على اسرائيل، مرهون بالضغط العربي على امريكا واسرائيل.
والسؤال هو كيف يضغط النظام العربي من اجل التوصل الى تسوية؟
يبدو لي ان النظام العربي تخلّى عن جميع اسلحته، ولا يضع على طاولة المفاوضات سوى سلاح واحد، هو ضعفه. العرب يهددون بضعفهم، وباحتمال انهيار انظمتهم، وبعجزهم المطلق، كي يفرضوا على امريكا التدخل من اجل التوصل الى تسوية تحفظ لهم ماء وجوههم.
قد يرى البعض في هذا تكتيكا ذكيا، لأنه سيجبر الولايات المتحدة على التحرك، قبل انهيار المنطقة. لكن هذا الذكاء ليس سوى ذكاء الأغبياء، لأنه لا يذكرنا سوى بزمن انهيار الامبراطورية العثمانية، حيث كانت الدول الاوروبية التي تفترس اطراف الرجل المريض، تسارع الى حمايته من الانهيار، خوفا من ان يقود انهياره الى حرب عالمية لم تكن مستعدة لها. وحين حان الوقت، لم يعد الضعف حماية، بل كان المدخل الى التحطيم النهائي للامبراطورية المتهالكة.
السلطات العربية تلعب الورقة نفسها، تحول ضعفها سلاحا تهدد به الولايات المتحدة بخراب منابع النفط، وهي تنتظر حلا ينقذها من ورطتها مع الاحتلال الاسرائيلي الممتلئ غطرسة.
الى اين ستقود هذه السياسة المشرق العربي؟
لا ادري، لكن حتى لو نجحت في اقناع الولايات المتحدة بممارسة ضغط محدود على اسرائيل، والضغط لن يكون سوى محدود، والا سقطنا في الوهم، فإن مردود هذا الضغط لن يصل بنا الى تسوية حقيقية ومقبولة، اللهم الا اذا استدار الامريكيون واعتبروا الحل على المسار السوري اولوية، وقدموا للنظام السوري مغريات لا يمكن رفضها، كالعودة الى لبنان على سبيل المثال. ورغم تشكيكي في استعداد اسرائيل للإنسحاب الكامل من الجولان، مما يجعل الحل غير ممكن، فإن هذا الافتراض، سوف يخلق مناخا تسوويا، يشبه المناخات التي اعقبت توقيع معاهدة كامب- دايفيد المصرية – الاسرائيلية. لكن المسألة تقع في مكان آخر، اسمه فلسطين، وطالما بقيت فلسطين معلقة على صليب الاحتلال فإن اي تسوية، لن تكون سوى محطة في الصراع، ولن تجلب سوى المزيد من التعقيدات.
الفلسطينيون يملكون وحدهم، اذا ارادوا، القدرة على تشكيل عنصر ضغط حقيقي على الادارة الامريكية، وهذا يقتضي وحدة وطنية، وبرنامجا وطنيا يشكل ارضية هذه الوحدة، وعدم التخلي عن خيار المقاومة.
العرب ينتظرون اوباما، لكن الانتظار وحده لا يكفي، بل يحتم سياسة لا مكان لها في زمن الخمول هذا. وسيكتشف العرب، ان غودو حين اتى لم يجد احدا، لأن منتظريه لم يفعلوا شيئا سوى الانتظار، فتلاشوا وافترسهم الفراغ.
القدس العربي