صفحات مختارةهوشنك أوسي

الاستبداد في شرقنا الأوسط الكئيب

هوشنك أوسي
حين نفتخر بأن الشرق الأوسط مهد الحضارات والرسالات السمويَّة، غالباً ما ننسى أنه مهد ومرتع الحروب والكوارث والفقر والأميَّة والاستبداد والفساد أيضاً. وكثيراً ما نحيل مآلات الغرب وتقدُّمه، إلينا، وإلى أصولها ومنبتها الشرق أوسطي. يعني، نحن الأسباب، وهم النتائج، نحن الأصول، وهم الفروع، نحن الصوت، وهم الصدى!. وبعض العرب، كي يثبتوا عمقهم الحضاري، ينسبون أحد أباطرة روما إليهم، وينعتونه بـ»فيليب العربي». وكذا الأكراد، حين يودُّون أن يجاروا العرب في هذه الصنعة – الألعوبة، ويثبتوا أنهم ليسوا طارئين على المنطقة – كما يزعم البعض. هكذا يقومون بـ»تكريد» النَّبي إبراهيم، او النَّبي نوح.
شعوب من هذه الطينة، غالباً، ما تغرف من ماضيها، وترتدُّ إليه، أثناء حديثها عن العصر!. وهي ضحايا عجزها، في مواجهة الفساد والاستبداد الذي تمقته، وتهتف بـ»الرُّوح بالدَّم» لمستبدِّيها وفاسديها!. وعليه، لا غرابة في أن يكون مستبدّو وفاسدو هذه الشعوب الشرق أوسطيَّة، أحبّ لديها من عادلي ومصلحي الغرب!.
يبدأ الزعيم و»القائد الضرورة» و«القائد الصيرورة» في الشرق الأوسط، مشواره، ثوريّاً، ورجل قيم ومبادئ، وأقرب إلى الأخلاق منه إلى السياسة، منحازاً لحريَّة الشعوب الأخرى، قبل حريَّة شعبه، وينادي بالخلاص من الظلم والجور والاستغلال والاضطهاد، وهكذا دواليك. وكي يُقنع الزعيم الشعبَ بأنه كذا، لا نقيضه، يسرفُ ويترفُ في الحديث عن سلطة وحقوق الشعب، مستثمراً النزوع والكمون الخلاصي لهذا الشعب، وانتظاره للمخلِّصين، والقادة التاريخيين، كي ينتشلوه من كبوته. بذا يغدو الشعب، حطب الزعيم، ومداميك عرشه. وشيئاً فشيئاً، يبدأ الشعب بتوثين زعيمه، وتصنيمه، وتأليهه، وتخليده. وفي حياته، يصفه الشعب بـ«الأب القائد». وبعد وفاته، يصفه بـ«القائد الخالد». وحين نحذف كلمة «القائد» من الوصفين، نحصل على عبارة «الأب الخالد». وهل تخفى على أحد، دلالة هذه العبارة؟!. وحين يجد الزعيم هذه الطاعة العمياء، البكماء، الصمَّاء، من شعبه تجاهه، أوليس من حقُّه أن يتفرعن ويتنمرد، ويتوَّهم «أن ليس كمثله شيء»!؟.
ونحن الأكراد، كثيراً ما ننتقد الأخوة العرب، في ما يتعلَّق بإنتاج القادة المستبدِّين والطغاة والديكتاتوريَّات، وننسى أننا أسوأ من العرب في هذه الصنعة. ففي كردستان العراق، لم يكن يتوانى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، «العلماني»، العتيد، عن انتقاد خصمه في نفس الإقليم، وخصمه في كردستان تركيا، ف يما يتعلَّق بآفة تأليه الزعيم، وعبادة القائد…الخ. لكن، حين يعلن زعيم الحزب الكردي المذكور، «نيَّته» في الاستقالة او اعتزال الحياة السياسيَّة، تثور ثائرة الحزب، وتزلزل الأرض السياسيَّة لهذا الحزب زلزالها، ويقول أقطابه كلاماً من طينة: «حاشا وكلاَّ أن يستقيل الزعيم. لمن سيترك الحزب والشعب والوطن والأمَّة الكرديَّة؟!. استقالته، تعني نعي الحزب والشعب والوطن!».
نعم، حين ينوي الزعيم الكردي، الذي بلغ من العمر عتيَّا، وهو يرأس حزبه منذ 34 سنة، اعتزال الحياة السياسيَّة، تهيج الساحة السياسيَّة الكرديَّة بالرفض، وما يشبه الخوف من التبعات، فتكثر التخمينات والتكهُّنات!. حينئذ، هل من المبالغة القول: ما أكثر هشاشة الأرضيَّة السياسيَّة التي يقف عليها حزبنا الكردي العتيد ذاك؟!.
منذ سنين وهذا الزعيم الكردي يقول ويعيد ويزيد، في تصريحاته الصحافيَّة أنه ينوي اعتزال الحياة السياسيَّة، كي يتفرَّغ لكتابة مذكّراته. وحين تكون الصحيفة التي تطرح عليه السؤال: «ماذا ستفعل بعد الاعتزال»، تركيَّة، يكون الجواب أنه ينوي كتابة مذكراته في اسطنبول!. وحين تكون الصحيفة سورية، تكون دمشق المستقرّ والمآل لكتابة مذكراته!. وهكذا دواليك.! ولا يخجل بعض أكرادنا، من تصنيف رغبات الزعيم تلك، تحت بند «الدَّهاء والحنكة والحكمة…»، وكـ»إحدى فنون الدماثة والبراعة في الديبلوماسيَّة والمجاملات والمعاملات السياسيَّة» التي يشتهر بها هذا الزعيم!.
وبالنتيجة، بعد سلسلة الأزمات والانشقاقات التي طالت حزب الزعيم، وبعد مضي 34 سنة على ترؤسه للحزب، وبعد أن بلغ من العمر 75 سنة، بدأ الزعيم يفكِّر في نيَّة اعتزال السياسة. لكن الحزب متشبِّث بالزعيم، ولا يترك له حتَّى مجرَّد أن ينوي الاعتزال!. وعملاً بالتقاليد والطقوس العربيَّة، في هذه المسألة، يعدل الزعيم عن نيَّته، ويواصل مسيرته التاريخيَّة الخالدة، نزولاً وتلبية لـ»رغبة وقرار وإصرار…» الحزب والشعب والوطن، حتّى يقضي الله أمراً كان مفعولا.
وكي يزيد الزعيم طمأنينة الحزب والشعب والوطن الى راهنهم ومستقبلهم، بعد انتقاله إلى جوار ربِّه، وأيضاً عملاً بالتقاليد العربيَّة في الزعامة والرئاسة، يبدأ بتجديد شبابه في نجله، ومنحه مسؤوليَّات حزبيَّة وحكوميَّة كبرى.
وما على الحزب والشعب والوطن إلاَّ أن يضعوا أيديهم وأرجلهم في مياه باردة. ثمَّ يقولون لك: من أين يأتي الاستبداد والفساد إلى شرقنا الأوسط الكئيب والمنكوب، في ظل زعاماته ونظمه؟!.
كاتب كردي مقيم في بيروت
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى