نتنياهو يهرب الى المستوطنات العشوائية
سميح صعب
بات واضحاً ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو سيمارس اقسى درجات المناورة والابتزاز في التعامل مع مطلب ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما وقف الاستيطان في الضفة الغربية. فهو لا يريد وقف الاستيطان في القدس او الضفة بأي ثمن، لأن يعلم ان قراراً من هذا النوع يعرض حكومته للانهيار، لأن الاحزاب الدينية والقومية المتشددة المشاركة في الائتلاف الحكومي لن تقبل بمثل هذا القرار.
وما يحاول نتنياهو بيعه لادارة اوباما، كما بات واضحاً، هو الآتي: تقوم اسرائيل بازالة ما يسمى المستوطنات العشوائية التي لا تلقى معارضة قوية من شركائه في الائتلاف الحكومي، في حين يستمر فعلاً في توسيع الكتل الاستيطانية الموجودة فعلاً تحت غطاء ما يسميه الاسرائيليون “النمو الطبيعي للمستوطنات”. وترى الحكومة الاسرائيلية المتشددة ان الادارة الاميركية ستجد صعوبة في معارضة مثل هذه الخطوة.
في مقابل ازالة المستوطنات العشوائية التي يعتبرها نتنياهو تضحية كبرى من جانبه، يريد الأخير ثمناً باهظاً يتمثل في تسليم واشنطن بـ”النمو الطبيعي” للمستوطنات القائمة، وعدم معارضة توسيع الاستيطان، وهدم منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية. ليس هذا فحسب، بل يريد ايضاً من الدول العربية ان تبدأ عملية التطبيع مع الدولة العبرية فوراً باعتبار ان ازالة 29 مستوطنة عشوائية يكفي لاثبات حسن نية اسرائيل حيال عملية السلام.
اذن يريد رئيس الوزراء الاسرائيلي الحصول على التطبيع مع الدول العربية فقط في مقابل المستوطنات العشوائية. اما الانتظار حتى قيام الدولة الفلسطينية للتطبيع فلا يرى انها فكرة مقبولة لدى الحكومة الاسرائيلية التي لا تعتقد ان هناك جدوى من قيام مثل هذه الدولة. ربما من أجل ذلك بدأ نواب من الكنيست العودة الى احياء فكرة “الوطن البديل” في الأردن.
ويبدو ان التطبيع مع الدول العربية وحده لا يكفي ثمناً لازالة المستوطنات العشوائية. فنتنياهو يطالب ايضاً بان يكون تصعيد الضغط الاميركي على ايران شكلاً من اشكال رد الجميل لاسرائيل في مقابل قبولها بازالة هذا النوع من المستوطنات.
وفي ظل الجدل على المستوطنات العشوائية، يسعى اليمين الاسرائيلي المتشدد ممثلاً بأفيغدور ليبرمان الى امرار قوانين تثبت الهوية اليهودية لاسرائيل وتجرّم كل من لا يعترف بذلك. وكأن اليمين الاسرائيلي يستكمل، من خلال هذا القانون، حرب 1948 بايجاد ذرائع ومبررات لتهجير ما تبقى من الفلسطينيين داخل “الخط الأخضر”. وكيف تمكن قراءة قانون منع الفلسطينيين من احياء ذكرى النكبة الا من هذا القبيل؟ وقد تطالب اسرائيل مستقبلاً بمنع كل الفلسطينيين والعرب من لفظ كلمة نكبة لأنها قد تعتبر ذلك تشكيكاً بشرعية وجودها.
أثمان باهظة تطالب بها اسرائيل اليوم من أجل المستوطنات العشوائية. فهل يمكن المرء تخيّل نوعية المطالب الاسرائيلية للقبول بمناقشة وضع القدس، او الكتل الاستيطانية الكبرى، او وضع اللاجئين الفلسطينيين، وصولاً الى الدولة الفلسطينية المستقلة؟
لقد اعتادت الحكومات الاسرائيلية المتتالية ان ترفع “لاءاتها” في وجه الفلسطينيين والعرب. وهي اليوم ترفعها في وجه اوباما لأنه قرر المضي بـ”حل الدولتين” عبر احياء المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية مع ما يتطلب ذلك من خطوات تساعد مناخ التفاوض وفي مقدمها وقف الاستيطان.
نتنياهو يفاوض اوباما اليوم، فيرفع ثمن ازالة المستوطنات العشوائية الى اقصى حد. فاذا رفض العرب والاميركيون دفع الثمن، يسهل عليه ان يلقي بمسؤولية افشال التقدم بعملية التسوية على عاتق الجانب الآخر. وتالياً يمكّنه ذلك من المضي في فرض الأمر الواقع وتغيير معالم الضفة الغربية والقدس بحيث لا يعود من السهل مستقبلاً البحث في شروط قيام دولة فلسطينية بعد ان تنتفي أبسط مقومات قيام دولة قابلة للحياة.
النهار