بانتظار غودو
مرشد اليوسف
السياسة الكردية السورية في تجاذب وحل و ترحال من موقع إلى موقع و من حوار إلى حوار في لغو لا طائل منه , تملي على مواطنيها طائفة غير منتهية من الاجترار اليومي المتكرر, فما جرى البارحة سيجري اليوم وهنا يكون الانتظار عبارة عن ساعة زمنية رملية ما أن يفرغ جزؤها العلوي من الرمل حتى تقلب رأسها على العقب فينتقل الرمل مجددا بالوتيرة السابقة وهكذا دواليك ,وتنقلب الساعات الرملية تلك على حافة عالم كردي سوري بائس ينتظر الفرج أو ينتظر عودة غودو ليغزل له رؤية جديدة وفجر جديد مثل سكان مسرحية الايرلندي صموئيل بيكنت التي تحكي قصة قرية عاش أهلها خرافة انتظار شخص يدعى غودو ليخلصهم بعصاه السحرية من كل ما هم فيه.
وحتى يأتي غودو ولن يأتي حتما فان الأفكار التي يحفزها الإحساس بوحدة الجغرافية والمصير و الإنسانية المتجاوزة لاعتبارات الانقسامات القومية والعرقية والطائفية في الوطن الواحد تشكل علامة بارزة على تصور مجتمع المستقبل , والمجتمع السوري بشكل عام والأكراد السوريون بشكل خاص أحوج إلى مثل هذه الأفكار الخلاقة.
والحقيقة إن هذه الأفكار وحدها لا تكفي لجعل الاندماج والتعايش أمرا مقبولا, فالمجتمع السوري شأنه شأن معظم مجتمعات العالم الثالث ليس مجتمعا واعيا بما فيه الكفاية ففيه كثير من أوجه النقص, والمواطنون فيه لا يلقون جميعا المعاملة العادلة,ولا تتوفر لهم فرص متكافئة وهذا الأمر يقلق الناس و يمثل تحديا لإدارة شؤون الدولة فيما يتعلق بالحد من الإحساس بالغربة والغبن.
ولابد هنا أن نؤكد على حقيقة ثابتة وهي أن جغرافية المكان تفرض وجودها وحكمها وتجمع بين المواطنين من قوميتين مختلفتين أو أكثر ففي مدينة متآخية كالقامشلي(كمثال حي على الواقع) التي تضم أبناء القومية الكردية والقومية العربية والطائفة المسيحية فان القاسم المشترك بين هذه المكونات هو المكان (الجغرافية ) وليست القيم المشتركة ( العادات والتقاليد واللغة …….الخ)
وقد لا يميل الناس إلى جيرانهم وقد لا يثقون بهم أو قد يخشونهم بل قد يحاولون تجاهلهم أو تجنبهم,ولكنهم لا يستطيعون الهرب من الآثار المترتبة على مشاركتهم المكان ولا يستطيعون تغيير الجغرافيا وهذه الجيرة المفروضة بحكم المكان لابد أن تصوغ روابط جديدة للصداقة والتعايش والمصلحة المتبادلة والسلم الأهلي ولكنها أيضا قد تخلق توترات جديدة فلم يحدث من قبل على الإطلاق إن كان لمثل هذا العدد الكبير من الناس مثل هذا القدر من الأمور المشتركة فيما بينهم ولم يحدث من قبل أيضا أن كانت الأشياء التي تفرق بينهم بهذا الوضوح, فالتحولات الكبرى لا تؤثر في الناس جميعا بدرجة متساوية .
لاشك إن المجتمعات ذات الثقافات المتعددة تواجه توترات في أنحاء كثيرة من العالم الثالث. ,وكلما تقبل الناس منطق الاعتماد المتبادل المتعاظم أصبحوا أكثر استعدادا للبحث عن فرص التغلب على الأفكار المدمرة الطائفية والعرقية والقوموية والانفصالية وغيرها , ولإيجاد سبل التعايش لابد من التقارب والاندماج ونبذ المشاعر السلبية والكراهية وسياسة القطيعة , وعلى هذا الأساس فان المشكلة الكردية في سوريا تحمل أبعادا مجتمعية وتقتضي تطبيق مفهوم التاريخ الاجتماعي في حلها ومن هنا تأتي أهمية تقديم الكيان المجتمعي على أية ظاهرة سياسية انعزالية لا بل اعتبار هذا الكيان مرتكز الحركة التاريخية للمجتمع الكردي السوري بشكل خاص والمجتمع السوري بشكل عام , وحتى نكون مندمجين ومتعايشين في بقعة جغرافية واحدة مع الآخر المختلف عنا فإننا نحتاج إلى طرق جديدة لكي نفهم بعضنا بعضا ولكي يفهمنا الآخر والى طرق جديدة للحياة أيضا , دعونا نغير زاوية رؤيتنا وسوف يتغير كل شيء , دعونا نغير مفاهيمنا الخاطئة و أولوياتنا وأحكامنا ومطالبنا , وأنا أرى أن بوسع الجميع في سوريا أن يؤيد القيم الأساسية المتعلقة باحترام خصوصية الآخر وقيم الحرية والعدالة والإنصاف , هذه القيم وغيرها لابد أن تهيئ الأساس لتحويل حياتنا السورية المكانية والجغرافية إلى تعاون وتماسك وتشارك , يرتبط فيها المواطنون بما هو أكثر من روابط القومية و الطائفية والمذهبية على النحو الذي يحقق الانسجام وعلى أساس الحقوق المتساوية الغير المنقوصة , نحن نؤمن بأن جميع البشر متساوون وأن من حقهم التمتع بالحريات الأساسية كحرية المحافظة على خصوصيتهم الثقافية والتعبير عنها واختيار الدين وشكل العبادة والحصول على الرزق والتحرر من الاضطهاد والقهر وتلقي المعلومات وحرية الكلام وحرية الصحافة وحق التصويت واقتسام الموارد بشكل عادل , ودون هذه الحريات يصبح الوطن الواحد ساحة للمعارك بين الأفراد والجماعات تسعى كل فئة للتمسك بملاذات القومية والطائفية والمذهبية والعشائرية لحماية مصالحها أو لفرض سلطتها على الآخرين , والعنف مهما كان شكله يقوض ادعاءات الناس بالتمدن , وفي الحالات التي لا يتم التصدي فيها للظلم فلامناص من أن يتفجر السخط وربما الصراع .
والتسامح أمر لا غنى عنه للعلاقات السلمية والتطور في المجتمعات التعددية , وعندما يتحول التسامح إلى احترام الآخر و إلى الاحترام المتبادل فان نوعية العلاقات سوف ترتقي بشكل واضح نحو القيم الوطنية العليا , وهكذا فان الاحترام المتبادل يشكل الأساس لإقامة مجتمع مدني مندمج وهو نوع من المجتمعات التي تغنيه التنوع العرقي والثقافي تماما مثل الحديقة التي تضم أنواع مختلفة من الزهور الجميلة الملونة , وعلى المجتمع السوري أن يؤكد من جديد أهمية التسامح وينبغي أن يعقد العزم على دعم قيم المواطنة المتساوية وقطع الطريق على أولئك الذين يعملون على تقويضها .