الفساد السياسي
اعلان دمشق
من الطرافة بمكان أن نقول في بلد مثل سوريا، أن الفساد يؤدي إلى تقويض شرعية الحكومة، وبالتالي تقويض القيم الديمقراطية للمجتمع، وانهيار القيم الأخلاقية ، كالثقة والتسامح، فالقيم الديمقراطية، ومفهوم التسامح والثقة بين الحاكم والمحكومين في ظل نظام مراوغ ليست سوى قشور سطحية لا يعنيه العمل بها ، بل ويجهد حثيثا لإظهار المطالب الديمقراطية، والقيم الإنسانية كما لو كانت مرضاً خبيثاً ينتقل بالعدوى من وراء البحار، يجب محاربته والابتعاد عنه .
الحكومات تنال شرعيتها من الشعب أو ممن يمثله، وتفقد تلك المكانة عندما لا تحافظ على مصالح الناس ومصالح الوطن، وتقال الحكومات عندما تفشل في تحقيق التنمية المطلوبة، وعندما ترتفع مؤشرات البطالة والفقر وتطاول أقوات الناس وتتهدد حياتهم ، فالمفروض محاسبتها ومحاكمتها. في بلدنا الشعب آخر من يعلم، ومن يمثلونه افتراضيا، لا قرار لهم ولا يتدخلون في محاسبة أو مساءلة، ولو تجرأ أحدهم وانتقد السلطة بصفته الفردية أو الرسمية فمصيره الاضطهاد أوالاعتقال عاجلا أم آجلا. ولنا في الأستاذ رياض سيف أنموذجا مثاليا لمن سأل أو طالب بالشفافية أو المحاسبة.
الفساد السياسي المتغلغل داخل مفاصل البنية الإدارية والتنظيمية للدولة لم يعد أمراً قابلا ً السيطرة، ولم يعد مسألة قابلة للعلاج بتغييرات شكلية للوزراء أو قرارات تطاول بعض المسؤولين هنا أو هناك، لأن الفساد في بلدنا اتخذ مساراً عميقا تحيط به وترعاه الطبقة السياسية العليا، بحيث بات قادرا على التأثير والتحكم بمجمل النشاط المجتمعي ضمن آلية تضمن ولاء الأتباع و ينتهي من خلالها مآل المسارات الاقتصادية والسياسية في حاوية الحسابات الشخصية البنكية الداخلية منها أو الخارجية.
في ظل نظام مراوغ لا يثبت على وجهة ولا يحدد مساراً ، وهو في جميع الظروف مع السلام وضد السلام، ومع إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، ومع استمراره ، وهو في ذات الوقت ضد الإرهاب ويتعاون مع أعدائه المفترضين أمنيا، ولا يجد حرجا في تسهيل توالد المتطرفين ودعاة التغيير بالعنف ، عبر نشر ثقافة أصولية متطرفة من خلال المنابر الإعلامية مباشرة أو بشكل غير مباشر.
يمكننا تعريف الفساد السياسي بأنه إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومية) لأهداف غير مشروعة، ولتحقيق مكاسب شخصية، وعندما يكون الفساد منظما ومؤ طرا بمجموعات أو طبقة ما، فانه يتحول ليصبح خطراً كارثيا ً يهدد الوطن ومصالحه، ويهدد بتبديد الثروات الوطنية وتدمير البيئة، ولا يدع صغيرة أو كبيرة إلا ويدخلها.
أليس تأخير إطلاق سراح الأستاذ ميشيل كيلو بعد ثلاثة أوامر قضائية بالإفراج عنه وبعد إنهائه مدة الحكم الظالمة ثلاث سنوات بالتمام والكمال، استخفافا بالسلطة القضائية وتعاليا على القانون، وخضوع الدولة بكامل مفاصلها لقرارٍ أمني يأخذ أحيانا أشكالاً شخصية أو انتقامية. أليس معيبا ومهينا أن تختزل دولة بكاملها مؤسساتها إلى قرار أمني يعلو ولا يعلى عليه !
الفساد السياسي يعيق التنمية، وهو من يقوض القضاء ويهين القانون ويحتقر إرادة السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، التي من المفترض أنها فوق الجميع ولمصلحة الجميع ، ولا أمل في أي تقدم أو تطور أو إصلاح، ما لم تعد للقضاء هيبته ومكانته بعيدا ً عن الإرادة الأمنية.
موقع اعلان دمشق