صفحات ثقافية

وداعا للفرنكفونية

null
عباس بيضون
عشر انطولوجيات لشعراء أميركيين من ترجمة وإعداد سامر أبو هواش، منذ البداية آثر سامر أبو هواش أن يسلك إلى الشعر طريقاً مجرباً، بل إن طريقاً تقليدياً إذا جاز القول، ان يتعهد نفسه بالقراءة، وأن يعرف من الشعر شطراً كبيراً وينسى شطراً كبيراً حتى يركز هذا وذاك في نصه، كما سبق ان نصح أبو نواس، قرأ سامر كل ما تناهى إليه من شعر معاصريه العرب وتمثل ذلك وامتصه وكتب شعراً له بهذا المعنى أصول وأسس. أسوق هذا لأن سامراً بين مجايليه من أكثرهم عكوفاً على ذلك واستغراقاً فيه. ففي جيل سامر بدا ان للشعر طرقاً كثيرة خافية وظاهرة، وبدا أن القراءة ليست أوحدها وقد لا تكون أولها وأجلها. بل ان شعراء كثراً لا يبدو أن للقراءة يداً كبيرة في صنيعهم. سامر كان سباقاً أيضاً إلى معاصرة مدروسة، لم تكن الحياة المدينية او العيش المديني مصدرها الوحيد، بل كان الدرس أيضاً والتحصيل سبيلاً إلى المعاصرة من سبل عدة. المشرب والرصيف والسهر مصادر ثمينة من دون شك، وأن يعيش المرء شاباً او كشاب ليس شيئاً بلا أثر، لكن السينما والمسرح والموسيقى والقراءات غير الشعرية هي ايضاً موارد لا يستغنى عنها لتجديد التجربة ولامتلاك اللحظة وللكتابة بنَفَس راهن. في كل ذلك اجتهد سامر وجدّ وفي كل ذلك منح لفنه شطراً من حياته وشطراً من درسه وشطراً من عمله. مع ذلك كان مفاجئاً لي ان يعكف سامر على ترجمة الشعر الاميركي وأن يأخذ على عاتقه همّ ان يترجم وينشر ويوزع في آن معاً. كان في ذلك اخلاص للشعر وقيام به هما الآخران، عفواً، من تقاليد لم تعد دارجة كثيرا، في ما أحسب لا أعرف شخصياً أبواب الشعر ومفاتيحه. أحسب أنها كثيرة وعديدة ولا يقاس عليها وليست لها، في ما أعلم، رسوم جاهزة ودليل أو مرشد. واذا كنت أشير إلى تأسيس سامر فليس ذلك لآخذ على أحد خلاف ذلك او لأستعين به على أحد، لكني لا أخفي ان في مسلك سامر ألفة لي وفي جهده وعمله ما يرضيني. هكذا لا يؤخذ الشعر مأخذاً سهلاً ولا يأتي بلا ثمن هو الإخلاص والجهد والاستغراق، هذا مرض، اخلاقياً على الأقل. ذلك ان الفن والأدب لا يزالان ثمرة إعداد واستعداد وتأسيس وبناء. لكن عمل سامر ابو هواش لا يقاس بذلك وحده. انه اشارة إلى منعطف ان لم يكن بحد ذاته انعطافة. منذ وقت يتواصل هذا الانشغال بالشعر الاميركي الراهن والمعاصر. كان لويتمان اثره في حينه، لكن هذا الأثر كان مفردا ولم يؤسس لوجهة وبقيت السيادة لمفهوم فرنكفوني للشعر، حتى في مناطق لا تعرف الفرنسية، لم يكن العراق فرنكفونياً، لكننا لا نعرف، عدا ويتمان، ان الشعر الاميركي أثر في شعر الأجيال الأولى من الشعراء العراقيين. لا شك في ان سركون بولص كان الاول من جيله الذي يستحضر التجربة الاميركية في شعره. يمكننا ان نذكر شارل شهوان بين اوائل الذين انتبهوا الى هذه الوجهة الجديدة وقدموا مثالاً عليها، اليوم مع ترجمة سامر نعرف ان هذه الوجهة قد ترسخت. وأن الشعر العربي دخل في منعطف آخر. وداعاً للفرنكفونية.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى