صفحات ثقافية

كيف يكتب الشاعر رسالة قصيرة تشبه اللحظة الراهنة؟

null

رائد وحش

تمتاز الرسائل القصيرة التي يتبادلها الناس بديباجات ثابتة، تصلح لاشخاص متعددين، كما تصيب جميع المناسبات، لما لها من طابع عمومي.

فمن يجد ضرورة في ابراق واحدة، لن يتكلف عناء ما دامت حافظة جهـــــازه ملأي بالكثير منها، لا خصوصية في تلك الرسائل، حيث يشعر مستقبلها انها مكتوبة بفعل إلهام منه، وانــــــها لا تصلح لأن ترسل لشــــــخص سواه، رسائل الشباب تحاكي شكل الأغنية، أو هي فعلا مقاطــــــع أغان، ورسائل الاكبر سنا (الأركز) تمثل حكما مأثورة عن قيم اجتماعية وانسانية، ورغم هـذا التصنيف غير الدقيق تماما، تبقي الرسائل المتدوالة بين جميع الشرائح العمرية، هي تلك التي تذهب باتجاه الطرافة وخفة الدم، والتي يصوغها حس ساخر: قلبي معاك.. عمري معاك.. روحي معاك، حتي محفظتي لما ضاعت، لقيتها معاك . يا أغلي انسان وين رسائل الماضي؟ يا تري زعلان ولا كرتك فاضي؟ . تف.. تف.. تف.. تفداك الروح ، الخلاصة ان هذه التقنية أثرت جذريا في طرق التخاطب، فأنهت الاطناب والاسترسال، وقوضت المقدمات، حين جعلت اهم المواضيع لا يتجاوز بضع كلمات وحسب.

لكن ماذا بخصوص رسائل الشعراء؟ الديهم نظرة معينة تجاه هذه التقنية التي تمس صميم عملهم في اللغة؟ وهل ثمة علاقة ما، بين الرسائل المبرقة والقصائد المشتهاة؟ كأن تكون جملة اشراقية علي شاشة الهاتف المحمول شرارة للنص؟

محمد فؤاد الذي وصل بقصيدته الي خفة معصرنة، تفتح الخارجي علي الذاتي والشخصي، كما في عمله الأخير قال بيدبا يمكن اعتبار الكثير من جمله الشعرية رسائل منه واليه، مثل: من بين الجميع /أنت/ من ترك الموسيقا ترنّ في الخزف الذي علي الطاولات. فؤاد متفاعل ايجابيا مع تقنية SMS، ويراها ضرورية لنقل كل ما يريده المرء، وكنوع من طقس كتابي بات يعطي نفسه فرصة للتفكير قبل الكتابة: أعتقد انها ستؤثر باللغة الادبية، بسبب طريقة كتابتها، حيث كانت الكلمة تكتب دفعة واحدة، وصارت الآن تكتب حرفا حرفا، لا بد من انعكاس ذلك علي اللغة املاء ونحوا وبلاغة، لاختصار اكبر عدد ممكن من الازرار، ولكني ألاحظ أن التنازل عن علامات الترقيم جعل الجمل ملتبسة دائما .

SMS الشاعر تضطره الي الشغل علي المضمون، حسب فؤاد، لأن غياب الورق ولون الحبر، وطبيعة الخط اليدوي، يوحد الشكل عند الجميع.

رسالة عابد اسماعيل تنتمي لخصوصية العلاقة مع الآخر، إنها تذهب الي الخفقة التي تجمعني بشخص ما، وتترجمها كلاما سريعا وقصيرا ثمة شيفرة وجدانية عالقة في الهواء يقول صاحب ساعة رمل تكشف عن نفسها مع الآخر المنتظر .

أحمد تيناوي لا يشك بخصوصية تدفع رسائل الشعراء، ويري ان اكثر ما يعبر عن ذلك هي الرسائل المبعوثة الي امرأة، وحسب طريقة تيناوي الخاصة في الخذلان، يعطي الاهمية للرسائل الأولي التي تمهد لعلاقة بين الشاعر الجاهز دوما للحب، وبين امرأة لم تحبه بعد يستطيع (الشاعر) ان يلعب لعبة الحاوي، وأقصد تلك اللعبة التي تجعل الأفعي ترقص في القفة، دون ان يكون لها علاقة بالحاوي ذاته، أي بالشاعر، ولكن ما قاله يخصني، فالمرأة اعجبت برسائلي، وبطريقة كتابتها، واعتبرتها مساحة جديدة لم تصل اليها سابقا، لكنها لم تحبني يا للعجب!!! ?

بالنسبة لرشا عمران فهي تستخدم هذه التقنية اكثر من الاتصال، وذلك لاسباب مادية بحتة الرسالة التي فرضت الاختصار قلصت الكلفة بحكم محدودية الاحرف المتاحة وهذا حل عملي .

وعلي صعيد علاقة الشعر المفترضة بـ SMS، يتجلي ذلك عند رشا بإرسال مقاطع من نصوصها الشعرية، بعد الانتهاء من كتابتها، لاطلاع الاصدقاء، وأخذ رأيهم، كالمقطع التالي: كيف لي أن الملم وجوها تحنطت علي الجدران؟/ ستقول، ربما، ان الجدار تحنط/ وأن الوجوه محض هلوسات تنتهي آخر الليل .

علي سفر يقول باستحالة العيش دونها لانك ستعيش خارج منجز حضاري، جاء بالتراصف مع جملة منجزات كبري .

ومع أن علي عنون آخر مجموعاته بـ اصطياد الجملة الضالة ، يستصعب فكرة انجاز نص علي ازرار الموبايل، رغم ان جوهر كتابة الشعر هو في الصيد الذي يعلنه عنوان المجموعة، وبدلا من ذلك يرسل النصوص التي يحب لمن يريد، كأن يرسل مقاطع معينة للمتصوف السّكندري، وهذا يشي بعلاقة مضمرة معلنة بين الحالة اللغوية في قصيدة سفر والنص الصوفي.

بشيء من اللفتة الذكية والتهكم في آن يقول علي الرسائل القصيرة مناسبة لشعراء الومضة أو الهايكو علي اعتبار ان الانجاز ياباني اصلا ويضيف إذا كان SMS علي علاقة ما بالشعر، فتقنية بلوتوث علي علاقة بالسينما .

يحدد طارق عبد الواحد الابهام كأداة كتابة كان الابهام تاريخيا صاحب البصمة الشهيرة المعبرة عن الامية، لكنه اصبح في بداية الألفية الثالثة اداة كتابية، لا ليعبر عن حالة ثقافية مختلفة، بل ليعبر عن حالة جديدة من الأمية، ان كتابة الرسائل القصيرة بوساطة الابهام، لن تشكل ثورة في الكتابة، توازي الثورة المعلوماتية، بل علي العكس، ستشكل حالة من وعي متراجع يعتمد في كل مرة علي الناجز المكتوب .

المشكلة الذوقية تكمن في الرسائل المعلبة، والشاعر كشغيل في مجال رفع مستوي الذوق معني بشكل مباشر بهذا، لذا من نافل القول ابداء السخط تجاه المتشابه والجاهز الذي يعبر عنه طارق عبد الواحد: تناقل الرسائل الجاهزة يعلن عن انحسار خصوصية العلاقات الشخصية، اضافة الي إدخالها في انماط بعيدة عن الحميمية والحرارة، بالنسبة لي لم اتعامل مطلقا مع رسالة جاهزة، ويضيرني ان استقبل واحدة منها، بما في ذلك رسالة دفع الفاتورة .

وإليك نصاً من حافظة رسائل عبد الواحد: مرة أخري أنت الفرس، اشتهي ان اكون قوائمك، لا لأعرف اسرارك، ولكن لتركضيني .

ستكون الرسالة القصيرة قصيدة حقيقية، فيما اذا اشتملت علي مزايا التكثيف والتوتر، مما يفعل عطالة الذائقة، ويوسع مساحة الجمال.

شاعر من سورية
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى