“التطييف” وسيف “الحسبة” أهم معالم مشروع قانون الأحوال الشخصية
عبدالله سليمان علي
لا يخلو مشروع قانون الأحوال الشخصية المقترح من قبل اللجنة المشكلة بقرار السيد رئيس مجلس الوزراء من إيجابيات ينبغي الإشارة إليها وأهمها أنه جعل المحكمة الشرعية تتشكل من ثلاثة قضاة برئاسة مستشار (م165) ووضع بعض الضوابط لتسريع النظر في الدعاوى الشرعية وخاصة دعاوى التفريق والطلاق حيث اعتبر أن الأحكام الصادرة عن المحكمة الشرعية بالإجماع هي أحكام نهائية لا تقبل الطعن، أما الأحكام الصادرة بالأكثرية فتقبل الطعن بالنقض ملزماً الديوان بإرسال الإضبارة خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدور الحكم الوجاهي وملزماً محكمة النقض بالبت في الطعن خلال شهرين تحت طائلة المسؤولية.
ومن إيجابيات القانون أنه اشترط تمثيل الخصوم في الدعوى الشرعية من قبل محام أستاذ وهذا في اعتقادنا وإن كان يمثل عبئاً مادياً إضافياً على المتخاصمين إلا أنه خطوة جيدة لإعادة الاعتبار لمهنة المحاماة باعتبارها مهنة أصلية وليست مهنة احتياطية يتم اللجوء إليها حسب المزاج فقط، فالمحكمة كالمشفى كما أنه لا يجوز للمريض أن يعالج نفسه كذلك ينبغي ألا يسمح للمتقاضي أن يدافع عن نفسه إلا بحضور محام معه.
ومن الإيجابيات التي تحتسب لمشروع القانون أنه نص على تشكيل صندوق التكافل الأسري لتأمين الإنفاق على من لا مال له من المطلقات والأرامل والأيتام والأولاد القاصرين والعاجزين عن الكسب والذين لا عائل لهم. (م24).
ولكن رغم هذه الايجابيات فإننا لا نستطيع أن نخفي خيبتنا وفجيعتنا بمشروع القانون المقترح لأنه يشكل بحق انتكاسة كبيرة للمجتمع السوري والعلاقات العائلية وقيمة الإنسان.
فقد استمر مشروع القانون بمصادرة إرادة المرأة وحقها في التعبير عنها دون وصاية أو ولاية من أحد، واستمر في تكبيل عقد الزواج بشروط شكلية كحضور شاهدين أو الاستحصال على ترخيص من شعبة التجنيد، واستمر في التحيز لمصلحة الرجل وإضفاء الكثير من الامتيازات والحقوق له على حساب المرأة التي هي شريكة في الوطن قبل أن تكون شريكة في المنزل وقضى لها الدستور بالمساواة الكاملة مع الرجل ….. وغير ذلك من الأحكام التي احتفظ بها مشروع القانون مقتبساً إياها حرفياً من القانون الحالي المعمول به.
إلا أن أخطر ما استحدثه المشروع ينحصر باعتقادنا في النقطتين التاليتين:
أولاً- إفساح المجال واسعاًَ أمام دعاوى الحسبة:
وهذا ما يدل عليه صراحة فحوى المادتين 21 و22 من مشروع القانون. فالمادة 21 نصت على استحداث ما أسمته النيابة العامة الشرعية وتكون من مهماتها أن ترفع الدعاوى أو تتدخل فيها إذا لم يتقدم أحد من ذوي الشأن وذلك في كل أمر يمس النظام العام وأهمها:
1-الزواج بالمحرمات حرمة مؤبدة أو مؤقتة.
2-إثبات الطلاق البائن.
3-فسخ الزواج.
4-الأوقاف والوصايا الخيرية.
5-دعاوى النسب وتصحيح الأسماء والمفقودين وتصرفات المريض مرض الموت بناء على طلب من ذوي الشأن فيما يتعلق بالمريض.
وإذا نبهنا إلى أن مشروع القانون في المادة 63 منه ينص على عدم انعقاد زواج المرتد عن الاسلام أو المرتدة، فإنه يغدو بالإمكان أن نتخيل الاحتمالات التي قد تستخدم بها النيابة العامة الشرعية صلاحياتها في طلب فسخ الزواج بسبب الردة عن الاسلام.
والأخطر من ذلك أن القانون في المادة 22 أتاح لكل أحد الادعاء بأي موضوع من المواضيع المحددة بالمادة السابقة ، ولو لم تكن له مصلحة بذلك. فإذا لم يكن المدعي محامياً، وجب على المحكمة بعد قيد الدعوى توجيه كتاب إلى فرع نقابة المحامين لندب محامٍ يتابع إجراءات الدعوى دون مقابل.
ويكون للمحامي المنتدب جميع الحقوق التي يمنحها القانون للمحامي الوكيل، وعليه ما عليه من الواجبات.
وتعفى هذه الدعوى من جميع الرسوم والتأمينات والطوابع والنفقات.
ويتمثل الخطر الذي نحذر منه أن هاتين المادتين تعملان على تخصيب التربة لإنبات دعاوى الحسبة التي ترتب عليها كوارث إنسانية مفجعة في بعض المجتمعات العربية ويكفي أن نذكر بمحنة الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي اتهم بالردة عن الاسلام وأقيمت عليه دعوى من قبل محتسب لتفريقه عن زوجته وما زال يعيش منفياً خارج مصر منذ أكثر من عشرة أعوام.
والغريب هذا الكرم الهائل الذي يغدقه واضع المشروع على المحتسب حيث يوجب على نقابة المحامين أن تعين له محامياً متطوعاً لتمثيله في دعواه بدون أتعاب ويعفيه كذلك من جميع الرسوم والتامينأت والطوابع والنفقات وكأن واضع المشروع يريد حث المواطنين على استخدام دعاوى الحسبة دون أن ينظر إلى النتائج الكارثية التي قد تترتب عليها خاصة في حالة التعسف في استعمالها أو استغلالها من قبل بعض الجهات لتكون سيفاً مسلطاً على كل من يخالف توجهاتها.
ثانياً – تطييف المجتمع: فالمشروع يوغل في الحديث عن الطائفية والتقسيمات الدينية ويوزع الأحكام بناء على الانتماء الديني والطائفي متناسياً الانتماء الوطني.
والخطير أن المشروع يستخدم مصطلح “الذمي” للتعبير عن أهل الكتاب وذلك في المادة 38 مع ما يثيره هذا المصطلح من حساسيات لدى الأخوة المسيحيين ويستدعي لذاكرتهم مراحل مؤلمة من التاريخ ويشعرهم وكأنهم مواطنون من درجة ثانية.
هذه بعض النقاط التي استرعت انتباهنا في مشروع القانون المقترح وهناك كثير غيرها سبقنا في الإشارة إليها كلا الصديقين ميشال شماس وبسام القاضي وسوف نحاول في مقالة أخرى الدخول أكثر في تفاصيل المشروع بعد دراسته بشكل متأن.
كلنا شركاء
للاطلاع على كامل مواد مشروع القانون الجديد يمكنك الذهاب الى الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/pdf/Syrian_safahat001.doc