مشروع قانون “الأحوال الشخصية” الجديد: “الكهنوت الديني” يكشف وجهه الحقيقي..
بسام القاضي
لا لسورية.. لا للدستور، لا لكافة الاتفاقيات التي وقعت عليها سورية.. نعم للطوائف والطائفية!
لا للمواطنة! نعم لـ: مسلمون، دروز، مسيحيون، موسويون، مرتدون!
لا للمرأة- الإنسان! نعم لـ: منكوحة، موطوءة، ممتعة، مطلقة..
“اغتصاب الطفلات” مسموح! والمكافأة: زواج المغتصب من ضحيته!
حين اتهمنا الحكومة السورية بتواطئها مع بعض “رجال الدين” الذين لا يعشش في أذهانهم سوى سلطاتهم الدنيوية المربحة باسم “الله”، تماما كما هو الكهنوت الديني في العصور الوسطى الأوربية التي يحلو لهؤلاء انتقادها دائما مبرزين الإشعاع الحضاري للإمبراطورية العربية وقتئذ، اعترض البعض بأننا نبالغ.
ورغم أن دلائل ذلك أكثر بكثير من أن تعد وتحصى على مدى السنوات الماضية، ونقصد حصرا ما يقع ضمن نطاق اهتمامنا في “مرصد نساء سورية” (حيث أشرنا إلى بعضها في وقته)، أي مجالات المجتمع المختلفة، خاصة المرأة والطفولة، إلا أن هذا “اللوبي” أبرز اليوم حقيقته الظلامية، وحقيقة من يؤيده، بأبشع صورة بعد الصورة التي تمثلت في الاستمرار المعيب في الدفاع عن أحط ما في الإنسان، القتل، “جرائم الشرف”، عبر دفاعهم المستمر عن المواد 548 و192 من قانون العقوبات السوري، اللتان تمنحان القتلة بذريعة الشرف إعفاء تاما من العقوبة، أو تخفيفا إلى حد يصل إلى 6 أشهر، وذلك في مكافأة صريحة لكل “ذكر” تتفوق فيه غرائز الانحطاط على القيم السامية، فيستل خنجره ليقتل زوجته أو ابنته أو أخته أو أمه “غسلا للعار”!
الصورة اليوم هي انتهاء “اللجنة المكلفة من قبل رئيس مجلس الوزراء” (بالقرار رقم /2437، تاريخ 7/6/2007)، من إعداد “مشروع قانون أحوال شخصية” (جديد!!)، يشكل تراجعا وانحطاطا حتى عن القانون المعمول به اليوم، بعد عامين تقريبا من الإعداد في السر، في الغرف المغلقة، حيث يمكن لأولئك أن يحصنوا أنفسهم من أي انتقاد أو فضح لنواياهم وخططهم في تطبيق النظريات الظلامية لطالبان باسم “الإسلام”!
مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، المنشور في “نساء سورية” اليوم، يحتاج إلى آلاف الصفحات لفضح الظلامية التي تكمن في كل كلمة فيه، وكل حرف، وكل فكرة. وخاصة في الرؤية العامة له التي يشكل الانتماء الطائفي فيها “الانتماء الأسمى” والوحيد المعترف به. ضاربا عرض الحائط بالانتماء إلى دولة حديثة اسمها “سورية”، عدا عن أية مفاهيم تتعلق بالوطن والمواطنية وحقوق الإنسان، بل والإنسان نفسه.
فهنا لا يوجد “إنسان”، ولا يوجد “سورية”، هنا يوجد مسلم ودرزي ومسيحي وموسوي ومرتد! ولا شيء آخر!
هنا لا توجد امرأة، ولا نساء! هنا توجد منكوحات، موطوءات، ممتعات، مطلقات، أرامل.. ولا شيء آخر!
هنا توجد “ظلامية ذكورية” تعبر صراحة عن أن “الذكر” هو السيد شبه المطلق على الحياة! وما عداه هو في خدمته، بل في خدمة “متعته” حصرا!، و”شبه المطلق” لأنه أخضع هو أيضا، من خلال هذا القانون، لسلطة الكهنوت الديني الذي يريد أن يسيطر على كل شهيق في العلاقة الأسرية! فمن هؤلاء الذين يطبخون لنا في السر أن ننحط من انتماءنا الحالي إلى بلد حديث اسمه “سورية”، إلى إمارات دينية طائفية بتنا نعرف جيدا، بدلائل كثيرة عبر العالم، أي حياة سوداء تتضمنها؟
من هؤلاء سوى أولئك أنفسهم الذين برهنوا خلال السنوات الخمس الماضية (بشكل خاص) عن ظلاميتهم الذكورية المطلقة حين شرعوا يدافعون عن قتل النساء باسم “الأخلاق والفضيلة والدين”؟ وهم يرفعون ويقدسون “غريزة” الغضب ضاربين عرض الحائط ما يقولونه هم أنفسهم، في المحافل الأخرى، عن الدين “المتسامح الذي كرم المرأة أيما تكريم”؟!، وعن الأخلاق والتعاون والتشارك و…؟!
وها هو إنتاجهم الفذ اليوم، مشروع قانون “الطوائف” باسم “الأحوال الشخصية”، يشق طريقه في محاولة يائسة لإعادتنا إلى عصر الرق، لكن باسم “ديني” هذه المرة.
هذا المشروع، حافل بالانتهاكات للدستور السوري، وللاتفاقيات الدولية، وللأديان نفسها. إلا أنه، إضافة إلى ذلك، يعبر جيدا عن مدى قلق هؤلاء الظلاميين من العمل الجاري على أكثر من صعيد من أجل إقرار خطط وقوانين تواكب حياتنا الحديثة، وتجد حلا للمشاكل المتراكمة منذ قرون. هذا القلق من تراجع طغيانهم على حياة البشر. فكان هذا المشروع اعتراضا فظا على كل ذلك العمل، وقطعا للطريق على أي مشروع قانون آخر يحاول أن يساعدنا ولو خطوات قليلة بالتمتع أكثر بإنسانينا.
لكن هؤلاء قد نسوا، مثلما يفعلون عادة، أن هذا البلد ليس إمارتهم الخاصة، وأن الناس هنا ليسوا عبيدهم المطيعين الذين قبضوا “صكوك الجنة” منهم، بل هم أناس يدافعون، وسيدافعون دائما عن إنسانيتهم وعن بلدهم من أجل حياة أفضل ومستقبل أفضل لأبنائنا وبناتنا. من أجل حياة تستند أصلا إلى هذه الإنسانية، وليس إلى تصورات ظلامية ذكورية مريضة.
هذه مجرد مقدمة لسلسلة من المقالات اللاحقة التي ستتناول ما قلناه أعلاه بالتفصيل في “مشروع قانون الطوائف” الجديد، والتي ستكشف كل التصورات الحقيقية التي وضعت هذا المشروع، كما تكشف التناقض التام للمشروع، في كل فقرة منه تقريبا، مع الدستور السوري والتزامات الحكومة السورية تجاه الاتفاقيات التي وقعت عليها، بل وحتى تناقضه مع الدين نفسه الذي يدّعون استنادهم إليه.
وفي الوقت نفسه، فإننا ندعو كل المهتمين والمهتمات بأن لا تحكمنا ظلامية الطوائف وانحطاطها، أفرادا ومنظمات وقوى، إلى بذل كل جهودها في فضح هذا القانون الذي سيشكل، في حال إقراره، أساسا لحياة مطابقة لما رأيناه في العقد الأخير في مناطق مختلفة من العالم، حيث الإنسان أرخص من رصاصة تخترق رأسه، وأرخص من “حجر السن” الذي تشحذ عليه سكاكين الذبح “باسم الله”!.
ندعوكم/ن جميعا لرفع الصوت عاليا في فضح هذا المشروع، أيا كان موقعكم/ن ومكان عملكم/ن واختصاصكم/ن.
وبالطبع، كما هي العادة، صفحات “مرصد نساء سورية” مفتوحة لكم/ن دائما ضمن نطاق التزاماته المعروفة.
: افتتاحية “مرصد نساء سورية”
للاطلاع على كامل مواد مشروع القانون الجديد يمكنك الذهاب الى الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/pdf/Syrian_safahat001.doc