خيارات “حزب الله” بعد 8 حزيران
تقرير قاسم قصير
حسبما جرت العادة في المحطات السياسية والاستراتيجية الاساسية التي يواجهها “حزب الله”، انجز الحزب منذ فترة قليلة وضع رؤيته المستقبلية للوضع اللبناني بعد الانتخابات النيابية المقبلة في السابع من حزيران، وتتضمن هذه الرؤية خيارات واحتمالات عدة في ضوء النتائج المتوقعة للانتخابات.
ورغم ان جميع المسؤولين في الحزب يؤكدون في مجالسهم الخاصة على ان احتمال فوز قوى المعارضة (8 آذار) هو المرجح ويعملون على هذا الاساس فإن ذلك لم يمنع هؤلاء من وضع خيارات بديلة اذا حصلت “مفاجأة ما” ادت الى فوز قوى “14 آذار” ولو بنسبة ضئيلة واتجهت لتشكيل “حكومة الاكثرية” دون اعطاء “الثلث الضامن” لقوى “8 آذار”.
الاحتمالات والخيارات المتوقعة
يضع مسؤولو الحزب الاحتمالات والخيارات التالية:
اولا – فوز قوى “8 آذار” بالاكثرية النيابية (ما بين 66 و70 نائبا) وهذا هو الاحتمال الاقوى لديهم، وازاء ذلك سيتم تقديم عرض مباشر لقوى “14 آذار” بتشكيل حكومة وحدة وطنية مع اعطائهم الثلث الضامن (رغم وجود بعض الاعتراضات لدى بعض القيادات في 8 آذار لهذا الخيارو الذين يفضلون ان يحكموا وحدهم) على ان يتم الاتفاق على رئيس الحكومة المقبلة (والارجحية للرئيس نجيب ميقاتي)، فاذا لم تقبل قوى 14 آذار ذلك، فانه سيتم الاتجاه نحو حكومة تأخذ في الاعتبار دورا اساسيا لرئيس الجمهورية ولرئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط مع اختيار رئيس حكومة قادر على التعاطي مع التطورات السياسية والاقتصادية (وهناك شخصيات عدة يتم التدوال باسمائها)، واذا لم ينجح هذا الخيار فسيتم الاتجاه نحو تشكيل حكومة يكون القرار فيها صافيا لـ8 آذار، مع وضع خطة متكاملة للاصلاح الاداري والاقتصادي، على ان يتم لاحقا دراسة كيفية تطوير الواقع السياسي والدستوري، وعلى ان يكون ذلك بالتعاون مع جميع القوى السياسية بمن فيهم رئيس الجمهورية.
ثانيا – فوز قوى “14 آذار” بالاكثرية النيابية ورفضها اعطاء الثلث الضامن لقوى “8 آذار” مما سيدفع هذه القوى لعدم الدخول في الحكومة والعمل لتكوين معارضة نيابية وشعبية فاعلة للوقوف امام اية قرارات تمس الثوابت الاساسية وخصوصا ما يتعلق بالمقاومة وبالعلاقات الخارجية، او لجهة تغيير التوازانات الداخلية، مما سيعني ان البلد سيكون امام صراع سياسي قوي مفتوح على كل الاحتمالات الشبيهة بالتطورات التي حصلت خلال السنوات الاخيرة.
ثالثا – تقاسم الفوز بين 8 و14 آذار وبروز”كتلة وسطية” مؤيدة لرئيس الجمهورية، ازاء ذلك سيتم الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع اعطاء الدور الاساسي للرئيس بشرط ان يتم التوافق على رؤية موحدة لمختلف القضايا.
موقع الحزب الجديد
اما على صعيد موقع “حزب الله” السياسي في ضوء النتائج المتوقعة، فتشير المصادر المطلعة على اجوائه الداخلية، الى ان “حزب الله” حسم خياره بأن لا يكون في واجهة العمل السياسي للمرحلة المقبلة خصوصا اذا نجحت قوى 8 آذار في الانتخابات، وستعطى الاولوية للرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون وبقية الحلفاء مع اقتصار دور الحزب على التنسيق بينهم والعمل لازالة العقبات والاشكالات التي قد تحصل حول توزيع المواقع الحكومية والادارية، مع سعي الحزب لان يكون فاعلا في المؤسسات الرسمية من خلال كوادره او عبر اختيار شخصيات كفيّة قادرة على تقديم صورة جديدة عن قوى المعارضة. وسيتركز دور الحزب على الاهتمام بالقضايا الاستراتيجية والأساسية وخصوصا دور المقاومة ومستقبلها والاستعداد لمواجهة الخطر الاسرائيلي المتجدد داخليا وعلى الحدود، اضافة الى تقديم مشاريع عمل تساعد في معالجة الازمة الاقتصادية والفساد الاداري.
ويعتبر احد مسؤولي الحزب “ان الاصلاح الاداري والاقتصادي سيتقدم على كل الملفات لانه لن يواجه عقبات كبيرة، اما الاصلاح السياسي والدستوري فهو يتطلب توافقا وطنيا وهذا ما يجب البحث عنه مع جميع القوى السياسية والحزبية سواء اذا شاركت في الحكومة الجديدة او تحولت الى المعارضة”.
ويبدي مسؤولو “حزب الله” اهتماما بالمتغيرات الدولية والاقليمية وامكان انعكاسها على الوضع اللبناني في ظل الحكومة الاسرائيلية المتطرفة، وبعد التغيرات التي تشهدها السياسة الاميركية في المنطقة ولاسيما على صعيد الحوار الاميركي مع ايران وسوريا، و”سعي بعض القوى العربية والاقليمية لفتح معارك جديدة على حساب الصراع الاساسي مع العدو الاسرائيلي”.
موقع الدولة في مشروع الحزب
لكن النقطة الابرز في رؤية “حزب الله” المستقبلية مهما كانت النتائج المتوقعة للانتخابات ستتركز على صعيد موقف الحزب من الدولة، او موقع الدولة في مشروع الحزب السياسي الجديد.
يقول مسؤولو الحزب “انه منذ سنوات عدة برز نقاش داخل الحزب حول مصلحة الحزب على صعيد العلاقة بالدولة وهل الافضل ان يبقى خارج الدولة والعمل على هامشها ام ان المطلوب الدخول في مؤسساتها والعمل لبناء دولة قوية وقادرة وعادلة يكون للحزب فيها الدور الافضل؟
ويقول هؤلاء المسؤولون “ان كل التطورات التي حصلت منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان وحرب تموز 2006 والتداعيات التي تلت ذلك، رجحت لدى قيادة “حزب الله” الخيار الثاني، اي ان مصلحة الحزب تقتضي العمل لقيام دولة فاعلة وقوية وقادرة يكون للحزب دور اساسي وفاعل فيها، وعلى ان يتم ايجاد الصيغة المناسبة التي تحفظ دور المقاومة بالتنسيق والتعاون مع الجيش اللبناني والاجهزة الرسمية”.
وفي ضوء هذه النتيجة جاءت شعارات الحملة الانتخابية للحزب والتي ركزت جميعها على قيام “لبنان الوطن القادر والذي يحظى فيه جميع ابنائه بالعدالة والمساواة”. ولاول مرة تحمل ادبيات “حزب الله” الانتخابية والسياسية هذا الاهتمام الكبير بـ”لبنان الدولة والوطن”بعيدا عن اي تشكيك بكيانه وجغرافيته ودوره.
ويؤكد احد قياديي الحزب “ان معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن ان تتم دون وجود الدولة القوية والحزب مستعد لتقديم كل التسهيلات التي تساهم في تعزيز دور الدولة ومؤسساتها وتطويرها في المرحلة المقبلة”.