جمعية “التنمية في الجولان”.. الاسترزاق وغياب المشروع
سميح الصفدي
خلعت جمعية التنمية اول أمس في ظهورها على فضائية الجزيرة.. خلعت طربوش الخدمات الذي طالما تمسكت به لتلبس طربوش السياسة والتي دأبت في الآونة الأخيرة على التبرؤ منها وعلى التأكيد بأن مؤسستهم ليست مؤسسة سياسية انما مؤسسة خدمات.
وقد ظهر ممثلوا الجمعية ومديرها السيد “تيسير مرعي” بصفته الرسمية ليتحدثوا بكل ارتياح عن السياسة والمقاومة ضد الاحتلال.
من المفيد هنا أن نتذكر الحوار الذي دار في موقع بانياس حول المؤسسات المحلية قبل أشهر حيث يحتار المرء من أين يبدأ في التعليق عليه. هذا الحوار الذي امتد لأشهر عديدة وتناول أداء المؤسسات المحلية في الجولان المحتل وآفاق التعاون والتكامل المثمر فيما بينها..
من المؤكد أن معالجة هذه الحوارات تحتاج للكثير من المقالات والتعليقات والوقفات ومن الصعوبة بمكان الوصول الى أية صيغة تلخيصية أو اختزالية للإشكالات الكبيرة التي تم النقاش حولها أحياناً وتم الهروب منها في أحيان أخرى.
وإذا كان نقد المؤسسات للأسف الشديد لا يخلو من مجازفة فردية، فإن هذا يجب ألا يمنعنا من المحاولة.. والتي تستوجب مقداراً لا بأس من الجرأة وإرادة التضحية.. فبقدر ما فشلت غالبية مؤسساتنا حتى الآن في تشكيل “لوبيات” من أجل الحق العام والقضايا العامة، فإنها نجحت نجاحاً باهراً في تشكيل لوبيات ضد “الأفراد” الذين يتجرأون على الإشارة الى قصوراتها ونجحت وتنجح في معاقبتهم بما استطاعوا اليه سبيلا.
ما أود التطرق اليه في هذا التعليق هو جانب واحد من جوانب ممارسة جمعية “الجولان للتنمية” والتي انعكست من خلال مشاركتهم الخجولة في الحوار الدائر آنذاك واستنكافهم عن المشاركة في الجزء الثاني والأهم من الحوار، ورغم فداحة المأساة التي تنبعث من تصريحات الجمعية عموماً، إلا أن أكثر ما يسترعي الانتباه في هذه التصريحات هو تأكيد الجمعية حول غياب أية شروط معيارية للتعامل مع الآخر لديها.. (ليس لنا شروط معيارية على احد، لكن لكل مؤسسة خصوصية ودور اختارته لنفسها. ونحن لا نرى أنفسنا مؤسسة سياسية بل خدماتية، ونحن نمارس السياسة بمؤسسات أخرى بعضنا أعضاء فيها، أو من خلال العمل الجماهيري).
وتركيزنا هنا على جمعية التنمية بالذات ينبع من كونها المؤسسة الأقدم والأكثر تنظيماً والأكثر قدرة على رفد كافة المؤسسات الأخرى بالدعم المادي على الأخص بصفتها تدعي التنمية والتطوير الثقافي والاجتماعي.. ومواجهة مؤسسات الاحتلال ببدائل وطنية.
ربما كانت هذه الجملة (ليس لنا شروط معيارية على احد) في أجوبة الجمعية على أسئلة بانياس هي الجملة الأكثر صدقاً والتي تعبر عن سياسة وممارسة حقيقة لدى “الجولان للتنمية”.
ماذا يعني غياب الشروط المعيارية؟؟
إنه يعني الفوضى أولاً.. وغياب الأفق الثقافي ثانياً.. كما أنه يعني المزاجية في التعاطي مع القضايا العامة والخاصة.. ويعني التهيؤ التام لانتهاز الفرص واقتناصها عند اللزوم.
وهو يعني غياب القوانين.. المسطرة التي تطبق على الجميع والتي ترادف المساواة، بكلمات علم الاجتماع وعلم السياسة فإن غياب الشروط المعيارية يعني غياب شروط العقلنة.
إلى ماذا سوف تستند الجمعية في تعاملها مع الآخر، سواءً الأفراد أو المؤسسات، إذا لم تستند إلى شروط معيارية محددة، واضحة ومعلومة؟؟؟
الجميع يعلم إلى ماذا سوف تستند: إلى مزاجية الدكتور تيسير… أو الدكتور يوسف.. أو ربما غيرهما من شخصيات الظل.. (على الأغلب إلى مزاجية د. تيسير كما يشير العديد من العاملين في الجمعية وكما يؤكد كل من تعامل معها من خارجها)..
وقد تكون مزاجية د. مرعي مدير الجمعية والدينمو المحرك لها منذ نشأتها قبل سبعة عشر عاماً قد تكون مزاجية “عاقلة” بما يعرف عنه من حسن التنظيم والإدارة والشطارة… وبما يشاع عن قدرته الفائقة على تحويل النشاطات والفعاليات إلى أموال ملموسة..
إلا أن المزاجية مهما استعقلت ومهما تشاطرت لا تصنع مشروعاً ولا تطور مجتمعات ولا تبني ثقافة. إنها تبني بدلاً من ذلك مصلحة خاصة.. ومزرعة خاصة… فلا عجب طالما أن المزاج هو الحاكم أن يعتاش من هذه المزرعة الأقرباء والأصدقاء والأحباب… وأن تصبح المؤسسة العامة اللاربحية البقرة الحلوب أو الكعكة التي يتقاسمها المتحلقون حولها.
على صعيد السياسة والمواقف السياسية تحاول الجمعية في حالة أشبه بالفصام إقناع الجمهور بأنها لا تمارس السياسية إنما الخدمات.. وأفراد الجمعية أين يجدون متنفسهم السياسي؟ في مؤسسات أخرى… يعني على الأغلب في رابطة الجامعيين..
لن يصدق أحد لعبة تبديل الطرابيش هذه والتي يحاول الأخ “فوزي أبو جبل” إقناع الجمهور بها.. من هي الرابطة؟ ومن هم أفرادها؟ أين مقرها؟ وأين نشاطاتها؟ ومن يكتب بياناتها؟.. وهل من خلاف أو اختلاف أو تناقض قد حصل ولو لمرة واحدة وقد يشير إلى وجود جسمين بالفعل؟!!
ثم إن مراجعة سريعة لأهداف الجمعية المنشورة في موقعها الالكتروني “جولان اورغ” تكذب هذا الإدعاء حول غياب الأهداف السياسية والاقتصار على الخدمات:
الأهداف:
1- التقليل قدر المستطاع من ارتباط سكان الجولان بمؤسسات الاحتلال وذلك من خلال إقامة مشاريع خدماتية بديلة مستديمة.
2- التصدي لسياسة التجهيل الاسرائيلية وتعزيز الانتماء الوطني والقومي.
3- كشف ممارسات وانتهاكات الاحتلال الاسرائيلي في الجولان.
4- إقامة علاقات مع قوى السلام التي تدعم الحق العربي وتعادي الاحتلال.
وقائمة طويلة لسنا بصددها الآن..
لنتجاوز هذا الإدعاء الذي يستهتر بعقل الجمهور ولنلقي نظرة على الممارسة السياسية للجمعية:
إن المبدأ المعمول به أعلاه والذي أكدته تصريحات الجمعية الأخيرة يطبق أيضاً على مجالات الممارسة السياسية للجمعية، لا شروط معيارية في التعامل مع الآخر.. فلا غرابة إذن أن نرى تخبطاً عشوائياً مزاجياً.. فتارة تكون المؤسسة سياسية ومقاومة وتارة تكون خدمية وطبية، تارة تكون في اليسار وطوراً في اليمين.. تارة ترفع أكثر شعارات الوطنية تطرفاً.. وطوراً تشارك في فعاليات ونشاطات تحمل وصمة الأسرلة بامتياز.. تارة تتزلف القيادة في دمشق وتخضع لتعليماتها وتارة أخرى تعلن معارضتها الصريحة لأساليب التعامل الأمني مع الجولان المحتل.. وتارة تحارب من أجل إثبات وجودها السياسي على الساحة الجولانية.. وتارة تنكمش إلى مؤسسة خدمية أسوة بصناديق المرضى الأخرى..
هذا التذبذب وهذه النطنطة على الأرجح لن تجد تفسيرها بمفردات السياسة.. ولا بمفردات الثقافة.. إنما بمفردات المصلحة الضيقة والجشع والاستئثار والحفاظ على الغنيمة..
أما الآخر فهو آخر ولا يمكن أن يكون شريكاً، ولا تحمّل جمعية التنمية نفسها أي التزام تجاهه إلا بصفته غنيمة أخرى..
وما الانكماش الطوعي (والمؤقت حسب المصلحة) نحو الرضا بتقديم الخدمات إلا تنصلاً للجمعية من مسؤولياتها الوطنية والاجتماعية تجاه الآخر.. الشريك الاجتماعي بالقضاء والقدر.. لا بالمزاج.
الجولان المحتل
7 / 6 / 2009