صفحات العالمما يحدث في لبنان

أي لبنان بعد الانتخابات؟

عبدالله تركماني
يوم 7 يونيو/حزيران الجاري هو اختبار واقعي للجمهورية اللبنانية بكل عناصرها، الشعب والدولة والأمن والسياسة والاجتماع والثقافة. وقد ترتسم في الأفق اللبناني صباح 8 يونيو/حزيران مؤشرات نهاية حقبة سوداء في تاريخ لبنان، لتفسح في المجال لحقبة جديدة يبدأ معها مشروع استعادة ميثاق العيش المشترك في دولة كل مواطنيها. ولكن ما تشهده ساحة الانتخابات من احتقان في الشارع، نتيجة الخطاب السياسي والانتخابي الملتهب لكل من فريقي الموالاة والمعارضة، لا يبشر بهذا الأفق. إذ يبدو أنّ اللبنانيين ليسوا بصدد المنافسة على اختيار من يدير بلادهم في مصلحة تقدمهم الاجتماعي وأمنهم وتوسيع آفاق المستقبل لطموحاتهم وآمالهم وعيشهم المشترك، بل هم بصدد الاحتفاظ بتوازن القوة بين الجماعات الطائفية وممثليها السياسيين.
وإزاء ذلك يكون مشروعاً طرح الكثير من الأسئلة: أي لبنان سيكون؟ هل من أمل بجمهورية ثالثة؟ أم يذهب لبنان، بشرِّ أعمال زعاماته، إلى خيار المراوحة المديدة في سياق توازن قلق، يستظهر العجز الكامن في الطبقة السياسية للقوتين المتنافستين، وفي طبيعتهما؟ أم يذهب إلى حيث تريده القوى الإقليمية والدولية؟
يبدو أنّ الجديد في هذه الانتخابات هو شعور قوى دولية وإقليمية أنها ستؤسس لتوازن قوى جديد داخل لبنان في مقدوره أن يقلب معادلة توازن القوى الإقليمية: المبادرة الأولى كانت أميركية من في الزيارة التي قام بها نائب الرئيس الأميركي لبيروت جون بايدن وإعلانه عقب لقائه مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان أنّ الإدارة الأميركية «ستقيّم برنامج مساعداتها للبنان بالاستناد إلى تشكيلة الحكومة المقبلة وسياستها». ثم دخول الرئيس الإيراني أحمدي نجاد على الخط، متوقعاً انتصار المعارضة في الانتخابات، ومستنتجاً أنّ مثل هذا الانتصار سيؤدي إلى تعزيز خيار المقاومة وتغيير الوضع في المنطقة.
وفي هذا السياق يمكن فهم كلام الأمين العام لـ ”حزب الله” التصعيدي واعتباره يوم 7 مايو/أيار 2008 ”يوماً مجيداً للمقاومة”، حين ضرب الخصوم الداخليين بقوة السلاح من أجل تغليب وجهة نظر سياسية، وانطوى أيضاً على ضرب أي دور للدولة، ليصبح المسلحون هم الأسياد، سياسياً وأمنياً. وأيضاً تأكيده، نيابة عن إيران، استعدادها لتسليح الجيش اللبناني بالطائرات والصواريخ. في حين كان يُفترَض أن تصوغ المعارضة برنامجاً وطنياً ديمقراطياً جاذباً وجامعاً، يخترق الجمهور المتمترس خلف ولاءات طائفية.
لقد صار واضحاً، من خلال الخطاب الانتخابي، أنّ هناك هواجس حول مستقبل السلطة السياسية وكيف ستكون مراكز القوى فيها. ولعل أخطر ما يثار الآن هو الحديث عن ”جمهورية ثالثة”، وبالتالي تعديلات دستورية تؤدي إلى تعديل الصلاحيات. وفي الواقع أنّ شعار ”الجمهورية الثالثة ثابتة”، الذي يرفعه التيار العوني يتطابق مع تصريحات قيادات ”حزب الله”، وهو دعوة إلى قلب النظام وتغييره، ويتقاطع مع هذه التصريحات والشعارات كلام السيد نصر الله بأنّ ”حزب الله” قادر على ”إدارة بلد أكبر بمائة مرة من لبنان”. ولا بد من الإشارة في هذا المجال إلى أنّ الحزب والتيار كانا – منذ البداية – من معارضي ”اتفاق الطائف” الذي أنهى الحرب الأهلية، واعتمد المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المراكز الرسمية الرئيسة ووزع مهمات الرئاسات الثلاث بطريقة عادلة نسبيا، وأصبح جزءاً رئيسيا من الدستور اللبناني. وربما تأتي النتائج عكس ما يتمناه عون، إن وافق الجميع على بحث هذا الموضوع بصورة جدية، بحيث يكون للوضع الديموغرافي الجديد في لبنان تأثيره، بما يؤدي إلى المثالثة بين السنة والشيعة والمسيحيين بدلا من المناصفة المعمول بها حالياً.
وفي المقابل، تحاول الموالاة تصويب مسار الدولة بالعودة إلى ”اتفاق الطائف”، بحيث تحكم الغالبية النيابية وتتولى الأقلية مراقبة أعمال الحكومة ومحاسبتها في المجلس النيابي، بينما تنادي المعارضة بالديموقراطية التوافقية التي تكرس حكم الطوائف وتدفع البلاد نحو الفيدرالية، وتتمسك بالمشاركة في الحكومة المقبلة والحصول على الثلث المعطل فيها في ما لو بقيت في موقع الأقلية، الأمر الذي قد يؤدي إلى أزمة سياسية حادة.
ويبدو أنّ صورة المجلس النيابي القادم قد تكونت، وارتسمت ملامح الكتل النيابية بعناصرها وشعاراتها، فلا مكان لأي تيار سياسي خارج الشرعية الطائفية، حتى لو فاز بعض المستقلين مثل العروبي – الديمقراطي الوزير والنائب السابق بشارة مرهج. وبالتالي ليس هناك إمكانات فعلية لتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية جدية، وليس مهما ما تدعيه القوى عن نفسها فهي لم تنجح باختراق كل التشكيلة الطائفية، بل سعت عمداً إلى الاستثمار على جغرافيتها وديموغرافيتها الطائفية، فذاك يرمي إلى احتواء الدولة في مشروعه الإقليمي وضمن علاقاته الدولية، وذلك يرغب في إبقاء الدولة عند حدود إقطاعه وإمارته ودائرة نفوذه.
وإذا كان الرئيس سليمان يشكو من الوضع الشاذ الذي لا تزال تعيش فيه البلاد، فإنه يأمل في أن يتخلص من هذا الوضع بعد الانتخابات، بحيث تأخذ اللعبة الديموقراطية مجراها الطبيعي ويعود الاحتكام إلى الدستور وإلى المؤسسات لحسم الخلافات. وما يقال من أنّ الرئيس ”منسق التوازنات في البلد”، هو افتراء على الجمهورية اللبنانية واعتداء على الدستور واحتقار معلن لمبدأ التوازن نفسه. فهو لا يدير التوازنات في بلد شديد الاختلال، ودولة مقهورة، وإنما هو يمثل التوازن الوطني، كما يرى مصلحة وطن العيش المشترك لكل اللبنانيين، وسط هذه التجاذبات العاصفة.
لقد كانت السنة الأولى من العهد كافية ليستخلص الرئيس اللبناني، من التمرين الذي خاضه فيها، على الدور السياسي الذي يمكنه استعادته للرئاسة في إدارة التوازنات السياسية وصوغ التسويات بين فريقي الصراع، لذلك لم يكن صدفة قوله ”المطلوب من رئيس الجمهورية التوافقي، ليس إدارة التوازنات إنما بلورة الحلول المتوازنة و”فرض” هذه التوازنات وضمان قيامها، و”الحسم” دائما وأبدا لمصلحة الوطن..”.
وفي كل الأحوال سيكون المشهد الانتخابي مثيراً لأسباب تتعلق بالخصوصية اللبنانية، التي تبدأ بطريقة لانتخابات القائمة على محاصصة طائفية متجذرة، وتنتهي بأنها تسمح لقوة مدججة بالسلاح تتجاوز على فكرة الدولة بخوض الانتخابات. وهكذا، لن يكون في نتائج الانتخابات سوى تنازل آخر عن فكرة الدولة لصالح الميليشيا فيها.
الوقت البحرينية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى