قصائد للشاعر الإسباني خوان رامون خيمينيث
ترجمة: خالد الريسوني
أأنا من يمشي في هذا الليل
أأنا من يمشي في هذا الليل
عبر غرفتي أم المتسول
الذي يحوم حول حديقتي
عند حلول المساء…؟ أنظر
من حولي فأجد كل شيء
هو الشيء ذاته، وليس الشيء ذاته…
أكانت النافذة مفتوحة؟
أو لم أكن أنا قد نمت؟
ألم تكن الحديقة بيضاء
تحت ضوء القمر؟ و كانت السماء
صافية زرقاء… وثمة غيوم ورياح
والحديقة معتمة…
أظن أن لحيتي كانت سوداء…
وكنت أنا متسربلا
بالرمادي… ولحيتي بيضاء
وأنا في حداد… هل الممشى
ممشاي؟ هل لهذا الصوت
الذي يرن في دواخلي
إيقاعات صوت كان لي؟
أأنا…؟ أم أني المتسول
الذي يحوم حول حديقتي
عند حلول المساء…؟ أنظر
من حولي… ثمة غيوم ورياح…
والحديقة معتمة…
وأنا أمضي وأجيء…أو لم أكن
بعد أنا قد نمت؟
لحيتي بيضاء…وكل شيء
هو الشيء ذاته وليس الشيء ذاته…
حدائق نائية
جد صاف هو قلبي
جدُّ صافٍ هو قلبي الآن،
فليمت أو فليغنِّ
سيَّان.
يمكنه أن يملأ كتاب الحياة
أو كتاب الموت
الإثنان عنده أبيضان
حدَّ أنْ يفكرَ ويحلمَ.
في كليهما سيجد الخلود نفسه.
فيا قلب، سيان: مُتْ أو غنِّ.
أبديات
كيف لي أن أتهيبك أيها الموت
كيف لي أن أتهيبك، أيها الموت؟
ألست تشتغل معي هنا؟
ألست ألمسك في عينيَّ؛ لا تقل لي
أنك لا تعرف قط أنك متعجرفٌ
وفاقد للحس ومسالم؟ لا تستلذ معي
بكل شيء: المجد والعزلة
والحب حتى النخاع؟
ألست تتحمل مني واقفا
حياتي، أيها الموت؟
أو لم أحضرك ثم أخذتك أعمى
كما لو كنت دليل عميان؟ أفلا تُعِيدُ
بصوتك المستكين
ما أرغب في أن تقوله؟ ألا تتحمَّل منِّي،
أيها العبد، الطيبوبة التي أجبرك عليها؟
ماذا سترى، وماذا ستقول، وإلى أين ستمضي
بدوني؟ أفلن أكون أنا،
أيها الموتُ موتَكَ ومن يجب أيهذا الموت، أن تتهيَّبه
وأن تدلِّلَه وتعشقه؟
شعر
يد ضد النور
لسنا سوى أكياس واهنة
من دم وعظام،
بإمكان دبوس حقا أن يقتلنا،
لكن تجري فينا البذرة
التي تستطيع أن تطرد خارج ذواتنا
الفراشة المتفردة التي من نور فقط، ومن عتمة فقط، ولنا فقط.
بلا جلدٍ، ولا شِباكٍ ولا عُدَّةِ محاربٍ،
وبلا احتمال أن يتمَّ اصطيادُها
من طرف أي كائن إنسانيٍّ لا إلهيٍّ؛
الكائن المنيع
اللاماديّ، المديد جدّاَ مثل العالم،
والذي يغمر اللامتناهي حرا طليقا
ويغادرُه نحو المستحيل.
شعر
سَمْتٌ
أنا لن أكون أنا، أيها الموت
حتى تتحد أنت بحياتي
وتكمل لي هكذا كل شيء؛
حتى ينغلق نصفي الذي من نو
مع نصفي الذي من ظلمة،
– وأكون أنا توازنا أبديا
في ذهن العالم:
أحيانا، نصف أناي مشعا؛
وأخرى نصف أناي الآخر في نسيان-.
أنا لن أكون أنا، أيها الموت
حتى تلْبِسَ أنتَ في دوركَ
روحي بعظامي الشاحبة.
جمال
الحاضر
كيف تلاحقني
في طابور لا ينتهي
كل الأنوات التي كنتها؟
كيف ينفتح ما قبلي
في طابور لامحدود
لكل الأنوات التي سأصيرها؟
ويا لضآلة أناي، يا للعدم الذي هو أنا،
هذه الأنا، أنا اليوم
وتكاد تكون أنا الأمس،
والتي ستصير كل شيء في الغد!
الحقيقة اللامرئية
مختلف
يود الأشباه
لو يقتلوه
لأنه كان مختلفا.
إن رأيتم طائرا مختلفا
فاقصفوه؛
إن رأيتم جبلا مختلفا
فهُدُّوهُ؛
إن رأيتم طريقا مختلفا
فاقطعوه؛
إن رأيتم وردة مختلفة
فانزعوا أوراقها؛
إن رأيتم نهرا مختلفا
فسدُّوا مجراه…
إن رأيتم إنسانا مختلفا
فاقتلوه.
الشمس والقمر أيضيئان المختلف؟
ارتفاع، وعطر، وطول، وطراوة، وغناء، وحياة
مختلفة
عن المختلف؛
ما تكون، أن تكون
مختلفا
( جبل، وطريق، ووردة، ونهر، وطائر، وإنسان)
إن اكتشفك الأشباه،
فاهربْ نحوي،
تعال إلى كينونتي، جبهتي، وقلبي المختلف.
تل هاجري
صدى
قد كنت حزينا، وكنت أعوي
مجنونا لحقول الصيف.
ثم دوى صوتي في الصخرة الحمراء
الملتهبة التي بدت مثل قلب متدفق،
في متاهات متهيبة
لصدى لم يُسْمَعْ قطُّ، وكانت
الصخرة التي أحيتها صرختي
وجها كبيرا محتدما،
كان ينظر إلي فرحا، يستمع إلي
فرحا، ويجيبني
فرحا، فرحا وبشكل مرعبٍ.
قصائدُ لا شخصيَّة
المرأة العارية
نبع إنساني فاتن،
نافورة اللذة بين الأشياء،
ماء دائري عذب وناعم،
أيتها المرأة العارية: هل سأكفُّ
عن مرآك
هل سيُفْرَضُ عليك أن تبقي
دون عيني، تينك العنيين الذاهلتين
اللتين تتأملان جمالك المكتمل
عبر الامتلاء الشره لنظرتهما؟
( أصياف، وأغصان كثيفة خضراء،
ومياه بين الأزهار،
وأقمار فرحة فوق الجسد،
ودفءٌ وحبٌّ وامرأة عارية!)
حدٌّ دقيقٌ للحياةِ،
وقارَّة مكتملة،
تناغمٌ مشكـَّلٌ، نهايةٌ وحيدةٌ،
وتحديدٌ حقيقيٌّ للجمال،
امرأة عارية: سيتحطم يوما
خطِّي، خطُّ رجلٍ،
وسيفرض عليَّ أن أتمددَ
في الطبيعة المجردة؛
أنا بالنسبة لك لست شيئا،
شجرة كونية من ورقٍ ممتدٍ، وخلودٍ ملموسٍ!