سؤال لهذا الصباح
حسام عيتاني
أهم من نتائج الانتخابات اللبنانية هي الدروس التي يتعين ان يستخلصها اللبنانيون عن بلدهم وقدراته.
وُضعت الانتخابات في سياق المواجهة بين معسكري الاعتدال والممانعة في المنطقة وبين مشروعين دوليين استنادا الى الدور الذي أدمن لبنان على ادائه متبرعا ومرغما، منذ الاستقلال، متجاوزا طاقاته الذاتية. فهو ساحة صراع وصندوق بريد اقليمي وبيدق في لعبة شطرنج كونية وميدان لتنافس اجهزة الاستخبارات واشياء اخرى كثيرة. انقسم اللبنانيون حيال الصفات هذه وتقاتلوا بشراسة قل نظيرها، فاقم منها خلافهم حول تفسير معنى بلدهم بالنسبة إليهم قبل الآخرين.
لكن ما أُهمل طوال العقود السابقة هو ذلك السؤال البسيط عن رأي المواطنين في ما يجري على أرضهم. لقد فوجئ مواطنو هذا البلد بأنهم مشاركون في حروب وتصفيات لحسابات يتبارى أبطالها في استغلال التباين بين اللبنانيين على رؤاهم لبلدهم وتدافع رؤساء الجماعات اللبنانية على خطب ودّ القوى صاحبة التأثير في وطنهم.
لا فائدة من إنكار الفوات العظيم الذي يعاني منه النظام السياسي في لبنان وما يعود به من تجديد لنوازع الاحتراب الاهلي ودوافعه. بيد ان ذلك لا يلغي ان النظام المشكو منه ما يزال يقدم فرصة كل اربعة اعوام ليقول الناخبون كلمة في شأن مستقبلهم. وصحيحة تلك الملاحظة التي اشارت الى ان الانتخابات التشريعية تختلف عن الاستفتاء حول الخيارات الوطنية الكبرى، وان وظيفة مجلس النواب تتلخص في صوغ السياسات المتفق عليها وطنيا ووضع القوانين ومراقبة تطبيقها، الا ان “حال الاستثناء” اللبنانية (بالمعنى الذي صاغه انطونيو اغامبن) تفرض تعليق الوظائف التقليدية للحياة السياسية العامة في لبنان والانصراف الى معالجة قضايا يجعل اجتماعها من تقرير المصير وارتباطها بالحياة والموت، مسألة من مسائل الادارة اليومية.
وليس غريبا، والحال على ما تقدم، ان تصبح الاسئلة المطروحة على اللبنانيين من العسر بمكان. فأن يُطالب مجتمع منقسم بإعادة تعريف يومية لموقفه من الحرب والسلام في المنطقة وأن تتضمن المشاريع المعروضة عليه من المرشحين خيارات بين هويتين سياسيتين متعارضتين بل متناقضتين، لأمر منهك بذاته، من دون الأخذ في الاعتبار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي انكفأت الى الهوامش والى التفاصيل الجانبية لبرامج المرشحين.
في العودة الى السؤال بشأن حق اللبنانيين في ابداء الرأي (على الاقل) في مصائرهم، لا مفر من الإقرار بأنهم في الانتخابات الحالية تعرضوا الى ما لا يقل عن الابتزاز الصريح بشأن الانتماء العربي وبشأن الصراع مع اسرائيل. ولعل البطريرك الماروني في تشديده على اهمية الرد على التحديات التي تواجه “هويتنا العربية” (وهو موقف منسجم، في نهاية المطاف، مع ما خرج به السينودس الذي عقدته الكنيسة المارونية قبل اعوام قليلة، حول هوية لبنان والكنيسة) اراد رفع الابتزاز الذي يتعرض له قسم كبير من اللبنانيين ليسوا جميعا من المسيحيين بالضرورة.
المهم ان الاجابة عن السؤال المطروح تفترض التمسك بأن صوغ السياسات يجري ضمن مؤسسات الدولة التي تمثل اللبنانيين، سواء أيدوا المقاومة او عارضوها، وسواء التزموا بمقتضيات دستور ما بعد الحرب الاهلية او تحفظوا عنها. لعل السؤال هذا من بين ما يصلح للتأمل ابتداء من صباح اليوم.
أما اسئلة تتناول تجديد النخب والتقدم صوب مجتمع حديث، فموقعها، على الغالب الأعم، وراء الأفق.
الحياة