زيارة الى “مخبأ الرئيس الباكستاني: كيف يخوض آصف علي زرداري المواجهة مع “القاعدة”؟
ديفيد بيلينغ وفرحان بخاري
لا يجدر بزائر الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري أن يتعامل بخفّة مع هذه الزيارة. تحيط أربعة أطواق أمنية بإسلام أباد، العاصمة المورقة التي تشوّهها الآن أكياس الرمل وتمتلئ بالسواتر الإسمنتية من أجل ردع الانتحاريين. ثم هناك ستة حواجز إضافية يفتّش فيها الحرّاس المركبات الآلية وركّابها ويصادرون الأجهزة الإلكترونية
حتى داخل القصر الرئاسي الذي تحجبه الآن عشرة أطواق أمنية مركّزة عن العالم العنيف حوله، يجوب الجنود مع أسلحتهم الأوتوماتيكية. كان زرداري ليشبه جنرالاً في متاهته لو أنه لم يكن رئيساً مدنياً في دولة حيث كان الحكم العسكري هو المعيار.
الحجرة التي يستقبل فيها ضيوفه أقرب إلى الضريح منها إلى قاعة الاجتماعات. تتصدّرها صور لزوجته بنازير بوتو التي أدّى اغتيالها في كانون الأول 2007 إلى تعيينه رئيساً بعد ثمانية أشهر. والآن يخوض زرداري المعركة المناهضة للجهاد التي كانت تخوضها زوجته. خلال مقابلة مع “فايننشال تايمز”، رفع عينيه أكثر من مرة نحو السماء – وهو يرتدي بذلة باللون الرمادي الفضي أكثر بريقاً من نسب التأييد المنخفضة له ولو كانت تتحسّن – واستنجد بروح بنازير.
ينتقد بعض الباكستانيين الرئيس بأنه يختبئ في حصنه بينما يشنّ جيشه حرباً داخلية ضارية على المقاتلين الإسلاميين، وتتخبّط البلاد في خضم أكبر حركة نزوح تشهدها منذ التقسيم عام 1947. ينفي زرداري أن يكون خائفاً. يقول “لا يستطيع القادة أن يحبسوا أنفسهم خوفاً على حياتهم”. لكنه يلمّح إلى أنه لن يفيد كثيراً حزبه أو بلاده إذا لقي المصير نفسه مثل بوتو.
لقد تغيّرت باكستان خارج تحصينات قصره تغيراً دراماتيكياً – وربما حاسماً – في غضون أسابيع. في شباط، وقّعت حكومة زرداري اتفاق سلام مع قوات “طالبان” في وادي سوات الخلاّب على بعد مئة ميل فقط من إسلام أباد. وقبل أربعة أسابيع، مزّقت ذلك الاتفاق وبدأت هجوماً عسكرياً ضد المتطرفين الذين تدّعي أنها قتلت 1500 منهم. يصفها زرداري بأنها “معركة من أجل بقائنا” مضيفاً “لن تسامحنا أجيال المستقبل إذا فشلنا”.
أثار التغيير الكامل في الموقف آمالاً في واشنطن وأماكن أخرى بأن باكستان أصبحت جدية وأخيراً بشأن القضاء على التهديد الجهادي في الداخل. كما أنه ينفخ حياة في استراتيجيا أوباما المعروفة بـ”أفباك” التي تقضي بتوسيع الحرب ضد تنظيم “القاعدة” والمجموعات المرتبطة به في مسرح عمليات لا تفصل بين قسمَيه سوى الحدود الأفغانية-الباكستانية القابلة للاختراق. تعتبر استراتيجيا الرئيس الأميركي الجديدة أنه من أجل هزم الإرهابيين، يجب محاربتهم في أفغانستان حيث تتمركز القوات الأميركية، وفي باكستان حيث لا وجود لهذه القوات.
لماذا تحلّى الإستابلشمنت في باكستان فجأة بالتصميم لمواجهة تهديد إرهابي سمح له بأن ينمو لسنوات؟ يقول الباكستانيون، وبينهم زرداري، إن التبدل في الرأي العام هو الذي أتاح إلى حد كبير شن عمل عسكري حاسم. أحد العوامل المهمة وراء حشد التأييد من الباكستانيين الذين ساورت بعضهم مشاعر متفاوتة حيال “طالبان” والإسلامويين الأصوليين الآخرين، هو شريط فيديو يُظهر رجال دين في سوات يجلدون فتاة في السابعة عشرة من العمر. أثار الشريط سخطاً شديداً في أوساط الباكستانيين المعتدلين في شكل أساسي ورجال دينهم الذين ينادون بإسلام ليبرالي.
يضاف إلى ذلك الكلام الذي صدر عن صوفي محمد، رجل الدين الطالباني المتقدّم في السن في سوات والذي وقّعت معه الحكومة الاتفاق. فما إن وقّع هذا الوجه الطالباني الذي يُفترَض بأنه معتدل، الاتفاق حتى نكث بروحه واصفاً الديموقراطية بأنها تتعارض مع الإسلام ومطالباً بفرض الشريعة الإسلامية في مختلف أنحاء البلاد.
وقد انكشفت طموحات حركته الأوسع نطاقاً بتحدّي الدولة الباكستانية عندما انتقل المقاتلون من الوادي إلى منطقتَي دير وبونر المجاورتين على بعد 60 ميلاً فقط من إسلام أباد. أينما ذهبوا، كانوا يسبّبون الدمار، فيقطعون رؤوس أشخاص يتّهمونهم بأنهم جواسيس، ويضربون الحلاّقين الذين يحلقون لحى الزبائن، ويحرقون مدارس الفتيات. يقول زرداري “لم يلقِ المقاتلون سلاحهم ولا توقّفوا عن تحدي سلطة الدولة. لقد تحدّوا علناً الدولة والبرلمان والدستور والقضاء”. بعد تجربة الحوار والتنمية اللذين يشكّلان الركيزتين الأوليين في استراتيجيتها، “لم يبقَ أمام الحكومة من بديل سوى اللجوء إلى الردع”. فشنّت الحرب.
سارت الحملة جيداً، على الرغم من المعاناة البشرية الشديدة التي ترتّبت عنها. فقد تمكّن الجيش، ومع أنه أكثر تمرّساً في مواجهة الهند منه في محاربة المتمردين المحليين، من أن يستعيد بسرعة الجزء الأكبر من وادي سوات. والآن يتخلّص من جيوب المقاومة. وقد ساعده في مهمته هذه توافق سياسي يعود الفضل في جزء منه إلى الدعم من نواز شريف، القائد المعارض الشعبي. وساهمت في ذلك أيضاً السيطرة القوية على وسائل الإعلام.
لكن كما يقر زرداري، التوافق لمحاربة المقاتلين هش. من المبكر جداً إعلان النصر. يقول “علينا خوض حرب إيديولوجية. عندما أفوز بقلوب الناس وعقولهم في المنطقة، عندئذٍ يمكنني القول بأننا حقّقنا تقدماً”.
حتى لو سلّمنا جدلاً بما يبدو أنه نصر عسكري مرجَّح في سوات، ثمة أسباب للشك في قدرة الحكومة على القضاء على القتالية في مختلف أنحاء البلاد. تقول مليحة لودي، السفيرة الباكستانية السابقة في واشنطن ولندن، إنه سيكون من الصعب استنساخ الظروف السائدة في سوات. فهي تعلّق “أرغب في الاعتقاد بأن هذا سيستمر. لكن يجب ألا نساويه بالدعم المستدام لمكافحة التمرد”.
تحدّد هي وسواها ثلاثة مخاطر أساسية تهدّد التصميم الوطني الحالي. أولاً، يجب أن تجد باكستان حلاً سريعاً لمسألة المليونين وخمسمئة ألف نسمة الذين يقال إن القتال تسبّب بنزوحهم من منازلهم. يقيم تسعة من أصل كل عشرة نازحين لدى أصدقائهم وعائلاتهم خارج سوات. لكن يبقى هناك 200 ألف شخص على الأقل في مخيمات موقتة يواجهون الحر الشديد الذي يسود في فصل الصيف السابق للرياح الموسمية.
في الوقت الحالي، يبدو أن الناس تقبّلوا هذه المعاناة على اعتبار أنها ضرورية. غير أن زرداري يدرك أن الإرادة الطيبة قد تتبخر إذا بدأ النازحون يموتون بأعداد كبيرة أو إذا لم تتم إعادة توطينهم بسرعة وسلاسة. وتشير تقديرات الخبراء إلى أنه من شأن ذلك أن يؤدي إلى استنزاف مليارَي دولار إضافية من مالية الدولة الباكستانية التي تعاني أصلاً من وضع سيئ جداً. يقول زرداري “إذا شعر النازحون بالاستياء، فقد يقعون بسهولة فريسة البروباغندا التي يروّجها المقاتلون”، داعياً العالم إلى زيادة المساعدات. ويضيف “سيكتسب المقاتلون قوة إضافية إذا لم تتم معالجة المسألة بصورة ملحة وفاعلة”.
يتمثّل التهديد الثاني بما يُعرَف برد الفعل العكسي بينما يشن المقاتلون هجمات على المدن في مسعى لتقويض إرادة الحرب لدى الناس. يُعتقَد أن قادة المقاتلين، وبينهم بيت الله محسود الذي تبنّى الانفجار في لاهور الذي أودى بحياة ثلاثين شخصاً الأسبوع الماضي، أرسلوا انتحاريين إلى مختلف أنحاء باكستان. وقد حصلت عمليات قصف وإطلاق نار في بيشاور على الحدود الأفغانية. يخشى المحللون العسكريون أن تكون مسألة وقت فقط قبل أن يُشَن هجوم كبير آخر في كراتشي أو لاهور أو إسلام أباد حيث انفجرت قنبلة في أيلول الماضي في فندق “ماريوت” مما أسفر عن مقتل أكثر من خمسين شخصاً. تقول لودي “حتى الآن، أدّت هذه الهجمات إلى تعاظم الغضب الشعبي. غير أن أي حملة قصف مطوّلة في المدن سوف تطرح علامات استفهام حول إمكان بقاء الجمهور على موقفه”.
أخيراً والأهم، ليس واضحاً على الإطلاق إذا كان بإمكان الجيش أن يستنسخ تحركه الحاسم في سوات في أماكن أخرى في باكستان. إذا أخفق في القيام بذلك، فقد تكون الانتصارات الحالية عقيمة. من شأن المقاتلين أن يتوغّلوا في المدن أو يعيدوا التجمّع في الحزام القبلي الخارج عن القانون على الحدود مع أفغانستان. ومن هناك يمكنهم أن يخطّطوا لمزيد من الهجمات على باكستان والقوات الأجنبية في أفغانستان.
يقول الاستراتيجيون إن تطويق الوادي وقطع خطوط الإمدادات كان أمراً سهلاً في سوات. غير أن المناطق القبلية البرية في وزيرستان التي يُرجَّح أن تكون الجبهة المقبلة للمعركة، مختلفة. لم يسد القانون الباكستاني قط في المنطقة التي يسمّيها الفريق المتقاعد طلعت مسعود “أساس كل الشرور”. ويتّخذ محسود الذي هو على الأرجح الجهادي الأخطر في باكستان، من وزيرستان قاعدة له، وحتى في الوقت الحالي، في ذروة النجاح في مواجهة التمرد، يعترف الجيش بأنه لا يملك آمالاً كبيرة بزرع الهدوء في هذه المنطقة.
لقد تبيّن أنه من السهل توليد توافق بين الناس والجيش والحكومة لمحاربة حركة “طالبان” في سوات بعدما انقلبت علناً على الدولة. لكن قد لا يكون من السهل تحقيق مثل هذه التوافق في مواجهة المجموعات المقاتلة الأخرى التي شُجِّع بعضها سراً على دخول أفغانستان أو التسبّب بالمتاعب للهند في كشمير. يعتبر بعض الباكستانيين هذا الصنف من الجهاديين وطنيين وأبطالاً.
تقول لودي أيضاً إنه لا يمكن وضع كل المقاتلين “في خانة واحدة، حتى لو كنتم تعتبرون أنهم جميعاً ‘أشرار’، كما يقول الأميركيون”. وتضيف “يتوقع الغرب من الحكومة الباكستانية أن تقول ‘حسناً، نعلن الحرب على الجميع’. لكن إعلان الحرب على الجميع هو جنون مطبق. بهذه الطريقة يشكّل المقاتلون جبهة موحّدة”.
في الوقت الراهن، هناك اتفاق شبه تام في وجهات النظر بين إسلام أباد وواشنطن حول ما يجب القيام به. لكن يمكن أن يتداعى هذا التوافق. صرّح ريتشارد هولبروك، المبعوث الأميركي الخاص في أفغانستان وباكستان، في إسلام أباد: “في العديد من العمليات العسكرية، تعود الأمور إلى الاستاتيكو السابق بعد انتهائها. لقد أكّدت الحكومة للجميع إن هذا لن يحصل. هذا هو الاختبار الفعلي”.
يصر زرداري على أنه وحكومته مستعدان لخوض قتال طويل. ويقول إنه عندما يحين الوقت، سوف يجري توسيع ساحة المعركة. ويضيف “إنها معركة من أجل بقائنا. لا يمكننا السماح للمقاتلين بالسيطرة على سلطة الدولة عن طريق استخدام السلاح، وفرض أجندتهم الظلامية”.
وقد استحضر الرئيس بينما كان يقف قرب هولبروك في مؤتمر صحافي هذا الأسبوع، إرادة زوجته الراحلة. فقال إنها وعدت في خطابها الأخير قبل تعرّض سيارتها لهجوم قاتل، بمحاربة من يعملون على تحدّي السيادة الباكستانية. وأضاف زرداري أنه لن يُسمَح لأحد من جديد بأن يتحدّى الدستور الباكستاني على الأراضي الباكستانية. لكن خارج قصره المحصَّن، لا يزال الآلاف يأخذون على أنفسهم عهداً بالقيام بذلك.
جفاف وشغب وأوبئة
إذا كان المراقبون المتتبّعون للأوضاع الباكستانية قد فوجئوا بعزم الجيش على القضاء على المتطرفين في وادي سوات الشمالي، فقد ذُعِروا أيضاً من حجم الكارثة البشرية التي ترتّبت عن الهجوم.
فبينما كان جيش إسلام أباد يستعد لقصف البلدات والمدن في سوات، بدأ الناس يغادرون المكان بأعداد كبيرة قبل شهر، أحياناً بمعدّل مئة ألف شخص في اليوم، في ما وصفه مسؤول في الأمم المتحدة بأنه أكبر نزوح بشري منذ الإبادة في روندا قبل 15 عاماً. ومن أصل 2.5 مليوني نسمة غادروا هرباً من القتال، وجد 90 في المئة مسكناً موقتاً لدى أصدقائهم أو أنسبائهم في أماكن أخرى في باكستان. لكن مئتَي ألف على الأقل وجدوا أنفسهم في مخيمات فريسة الحر القاتل والمساعي المتنافسة لاكتساب ولائهم.
تشير التقارير إلى أن بعضهم يحصلون على الطعام والنقل من المقاتلين الإسلاميين المرتبطين بالأشخاص الذين تحاربهم الحكومة. في الأسبوعين الماضيين، أفادت تقارير عن حدوث أعمال شغب في إقليم سنو الجنوبي على بعد أكثر من 800 ميل من وادي سوات، حيث تشاجر السكان المحليون مع أشخاص ظنوا أنهم يفرون من النزاع في سوات. يقول مسؤول حكومي رفيع المستوى “لا شك في أن التشنجات ستزيد في بلادنا إذا لم يعد [النازحون داخلياً] من سوات إلى منازلهم قريباً. هل سيكون لدينا في نهاية المطاف عدد كبير من الأشخاص الذين يجوبون في مختلف أنحاء باكستان ويتسبّبون بمزيد من التشنّجات أم أنهم سيعودون إلى منازلهم؟”
يقول المسؤولون في الأمم المتحدة إن الأموال المخصّصة حتى الآن غير كافية، مع وعود بتأمين أقل من نصف مبلغ الـ280 مليون دولار المطلوب لإطعام النازحين. يحذر السير جون هولمز، مساعد أمين عام الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، من أن التأخير سيجعل النازحين من سوات عرضة للأمراض وجفاف المياه من الجسم. يقول “أنا متلهّف كي يرسل المانحون المال بسرعة. إذا لم نحصل عليه في غضون شهر، فسوف تبدأ إمدادات الطعام بالتوقّف”. ويضيف في حديث مع “فايننشال تايمز” في لندن “المشكلة الأكبر هي الحر. تصل الحرارة إلى 45 درجة مئوية… هؤلاء الأشخاص هم من الجبال وقد اعتادوا على حرارة تبلغ 25 درجة مئوية. لا مياه، والخدمات تقتصر على الأساسيات، وثمة خطر بتفشي الأوبئة”. ويشير إلى أنه من شأن ذلك أن يخلق “أرضاً خصبة للاستياء” من الحكومة.
إسلاميون ضد إسلام أباد
عسكر طيبة
جماعة محظورة أنشأها المقاتل الباكستاني حافظ محمد سعيد عام 1990، وتحارب الجنود في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية. رُبِطت بهجمات تشرين الثاني على مومباي. أطلقت محكمة لاهور سراح سعيد بعد وضعه في الإقامة الجبرية لأشهر عدّة.
تحريك “طالبان” باكستان
تشكّلت “طالبان” عقب العمليات الباكستانية في المناطق القبلية على الحدود الأفغانية بعد الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001. يقودها المقاتل المتعصّب بيت الله محسود، وتتّهمها الاستخبارات الباكستانية بارتكاب هجمات استهدفت شخصيات بارزة مثل المرشحة الرئاسية بنازير بوتو في كانون الأول 2007.
تحريك نفاذ شريعة محمدي
جماعة أصولية حاولت فرض الشريعة في سوات. يقودها رجل الدين المتشدد، مولانا فضل الله، وتحارب الجيش الباكستاني في سوات.
( “فايننشال تايمز” ترجمة نسرين ناضر)
النهار