صفحات الناس

ميشال كيلو للمتضامنين معه: الحرية لا تقوم من دون الكلمة

null
ميشيل كيلو
وجه الكاتب السوري المعروف ميشال كيلو رسالة حميمة إلى كل من ناصر قضيته فاعترض على اعتقاله ومحاكمته وسجـنه بتـهم تقوم على الاشتــباه نتيجة الوشاية.
هنا نص الرسالة التي حرص ميشال كيلو على توجيهها إلى «السفير»:
صديقي العزيز
تحية ومودة وبعد
هذه الرسالة موجــهة إليك، مـثلما أرجو أن يعتبرها موجهة إليه ذلك العـدد الكبير من الأصدقاء والأشخاص، الذين تضامنوا معي ومع رفاقي ودافــعوا عن حقنا في الحرية والأمن خلال الأعــوام الـثلاثة الماضية.
صديقي العزيز، أعرف أنك تضامنت مع حريتي من منطلق الاقتناع، وليس لأنك تنتظر الشكر مني. لكنــني أود أن أشكرك: أولا لأنك جعلت من نفسك مدافــعا لا يلين عن حقوق وحريات أناس لا تعرف كثيرين منهم. وثانيا لأنك تمسكت بالحقيقة، ولم تؤخذ بالكذب، بغض النظر عن الجهة التي يصدر عنها. وثالثا لأنك ترى في حــرية سواك حريتك الشخصية، وأنك تسعى إليها وتتعامل معها بقلق وحسرة من فــقد شــيئا يريد استرداده، بما أن حياته تفقد معناها بدونه، فلا محل للاستكانة أو للصبر في طلبه، ولا تحتمل استعادته أي تسويف أو إرجاء.
لن أقول لصاحب رأي مثــلك إن رجل الكلمة يكــون كذلك إن هــو ألزم نــفسه بأن يكون رجل حــرية أيضا، وان الكلمة تفقد قيمتها، إذا لم تكن كلمة للحــرية قبل كل شيء، فالحرية لا تقوم أو تعيش دون الكلمة، التي في البدء كانت، ومنـها بــدأ ويبدأ وسيبدأ كـل شيء الى أبد الدهــر، لذلك يجب أن يكون لها الأولــية عــلى أي أمر عداها، ويجب أن تكــون الأصــل الذي به يتعين وجود الإنسان، الكائـن الوحيد الذي خلقه الله كي يعيش مــن قيم مــعنوية تتمحور جميعها حول الحــرية. ألم يعرّف أرسطـو الإنســان بالحــرية، حين اعتبره ذاتاً حرة وجـديرة بالحرية بغض النظر عن تعيينــاتها الموضــوعية؟ ألا يؤكد تاريخ البــشرية، بــدوره، أن تغييب الحرية أو قتلها نزل دوماً بالإنسان الى درك محض بهيمي، وأدى الى محن وكوارث حلت بتلك الشــعوب والأمم، التي فقد أبناؤها حــريتهم، إما لأن حــكامها كبتوا حريتها بالقسر، أو لأنــهم غلّبــوا عليها اعتبارات تتصل بقيم ومصــالح خاصة بهم، تجافي الحرية كقــيمة وكمصلحة هي الأساس بين قيم ومصالح الإنسان. دعني أصارحك، صديقي العزيز، أنني رأيت في دفاعك عن حرية غيرك هذا الوجه بالذات، الذي رأيت فيه شيئا يتخطى السياسة وحساباتها ومواقفها الى الدفاع عن إنسانية الإنسان، لأن هذا الدفاع بالذات يستطيع رد البهيمية عنه، وإنقاذ روحانيته، التي لا يكون أو يبقى إنسانا إن هو أضاعها بتقاعسه، أو إن هي سلبت منه بالقوة أو بالاستغفال.
لن أفوت هذه الفــرصة دون أعبر مرة أخرى عن امتناني القلــبي لــكل من دافع عن حريتي من كتّاب ومثقفين ومواطنين عاديين ومؤسســات، هــنا وفي الوطن العربي والعالم، وقد كان هؤلاء، لحسن الحظ، من الكثرة بحيث يصعب إيراد أسمائهم، لكنني سأذكر واحدا منهم أشعر نحوه بامتنان خاص هــو رجل السيف والقلم دولة الرئيس سليم الحص، وإني لأعاهد هؤلاء الأصدقاء جميــعا أن لا أنسى ما حييت أفضالهم، والأثر الطــيب الذي كانت كتاباتهم ومطالباتهم تتـركه في نفسي، والذي ساعدني على مواجــهة ما شاب قضيتي من ظلم وما عرفــته من أكاذيب، وإن لم يصدقها أحد على كل حال، حتى بعض من أطلقوها، جعلتني مرة مرتزقا يقبض المال ثمنا لمواقفه، وأخرى متآمرا يمد يده إلى الأجانب ضد النظام القائم في بلده.
أخيرا، أود التذكيــر بمن بــقوا وراء قضبان سجن عدره، وبضرورة استمرار المطالبة بحريتهم والتضامن معهم، ليس فقط لأنهم من محبي شعبهم ووطنهم المخلصين، بل كذلك لأن حرمانهم من حريتهم يبقي حريتنا منتهكة وناقصة، وينغص عيشنا.
أتمنى لك ولجمــيع الأصدقاء، الذين أعرفهم والذين لا أعرفــهم، الصحة والسعادة. ليهبنا الله جميعا القوة، كي نحتمل العيش في هذا الزمن العربي الرديء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى