هل تخلّت سوريا عن المطالبة بـالثلث المعطل لحلفائها؟: حزب الله معني بالاحتفاظ بسلاحه أكثر من المقاعد
اميل خوري
السؤال عن “الثلث المعطل” ينبغي أن يطرح على سوريا وليس على حلفائها في لبنان لأنها هي التي كانت تطالب بهذا “الثلث” بلسان أكثر من مسؤول فيها وفي أكثر من مناسبة.
فعندما كلف الرئيس السنيورة تشكيل حكومته الاولى اشترطت سوريا للتعاون مع حكومته ان تكون حكومة وحدة وطنية يكون فيها لقوى 8 آذار “الثلث المعطل” كي تطمئن الى ان القرارات التي تصدر عن هذه الحكومة لن تكون في غير مصلحة سوريا ولا سيما ما يتعلق منها بالمحكمة ذات الطابع الدولي، وقد تأكد ذلك بانسحاب الوزراء الشيعة من تلك الحكومة احتجاجا على مشروع القانون الاساسي للمحكمة، وهو المشروع الذي أدى ليس الى شل عمل الحكومة بعد اعتبارها غير شرعية وغير ميثاقية، بل شلت عمل مجلس النواب باقفال أبوابه.
وكان الرئيس بشار الاسد صريحا وواضحا في حديث له بعد اتفاق الدوحة عندما قال “اذا كانت هناك حكومة وحدة وطنية في لبنان، فان هذا يعني أن المحكمة ستعمل بطريقة مهنية وليس سياسية، وهذه ضمانة مهمة ان المحكمة لا يمكن أن تسيس”. وفي حديث آخر لوزير الخارجية السوري وليد المعلم بعد لقائه مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى بالوكالة جيفري فيلتمان قال: “ان سوريا تريد انتخابات نيابية في لبنان تجرى في موعدها المحدد وفي مناخ سليم وطبيعي وبلا تدخل خارجي فيها، وانه مهما تكن نتائج هذه الانتخابات فستنبثق منها حكومة وحدة وطنية” ورد فيلتمان بأن هذا شأن لبناني لا يخص السوريين ولا الاميركيين ولا يريد الخوض فيه..
وبعد ان جرت الانتخابات وفازت فيها قوى 14 آذار والمتحالفون معها بالاكثرية، وعاد الوضع السياسي في لبنان تقريبا الى ما كان عليه قبل الانتخابات، رحبت سوريا بنتائجها واتصل الرئيس الاسد بالرئيس سليمان مهنئا إياه على اجرائها في أجواء ديموقراطية هادئة وسليمة. لكن لم يبدر عن سوريا حتى الآن أي شيء في ما يتعلق بتشكيل الحكومة وما اذا كانت لا تزال تصر على ان يكون لحلفائها في لبنان “الثلث المعطل” وهل هي بموقفها هذا تبعث برسائل الى دول الغرب ولا سيما الولايات المتحدة الاميركية للحصول منها على شهادة حسن سلوك حيال لبنان كي تزيد مساحة الانفتاح عليها وتعبّد الطريق لعلاقات افضل معها ومع الدول العربية التي لم تكن على وفاق معها.
ولأن الظروف السياسية محليا وعربيا واقليميا ودوليا بعد نتائج الانتخابات في لبنان باتت مختلفة عما كانت عليها قبلها فان “حزب الله” موافق على إبدال “الثلث الضامن” كما يسميه بضمانات لسلاحه باعتبار ان الحزب لا تهمه مقاعد نيابية زادت او نقصت ولا مقاعد وزارية بقدر ما يهمه الابقاء على سلاحه تحت أي شكل من الاشكال، أن يبقى مع وجود هذا السلاح هو الاقوى سواء كان داخل السلطة أو خارجها، فاما تكون له قوة السلطة اذا كان فيها واما تكون له سلطة القوة اذا كان خارجها، وهو موقف يتعارض وموقف بعض قوى 8 آذار الذي لا يزال يصر على “الثلث المعطل” كي تتحكم كأقلية بالاكثرية وتعود هذه الاقلية الى عادتها القديمة.
الواقع ان وضع “حزب الله” وسلاحه بات أشبه بوضع الوجود العسكري السوري زمن الوصاية، إذ أن الحكم في سوريا لم يكن يهمه حينذاك سوى أن يأتي رئيس للجمهورية في لبنان لا يطالب بانهاء هذا الوجود ولا أن تأتي حكومة تطالب ايضا بذلك لأن الحكم السوري هو الذي يمسك بالقرار اللبناني ما دام هو الذي يمسك بالارض، أيا كان الحاكم في لبنان وأيا يكن شكل الحكومة. وعندما طالب الرئيس أمين الجميل وقبله الرئيس الياس سركيس بانسحاب القوات السورية من لبنان بموجب جدول زمني، ردت سوريا مطالبة باستفتاء الشعب اللبناني على ذلك.
وها أن “حزب الله” حرص على ان تكون نتائج الانتخابات النيابية استفتاء على وجود المقاومة، واعتبر أن هذه النتائج أكدت ان الاكثرية الشعبية وليست النيابية أيدت هذا الوجود.
لذلك فان ما يهم “حزب الله” الآن، هو التأكد من ان أي حكومة يتم تشكيلها سواء كان للمعارضة فيها “الثلث المعطل” أو لم يكن، لن تبحث في مصير سلاحه، وأن يصبح هذا الموضوع خارج التداول، وقد باتت أوساط رسمية وغير رسمية ومنها قيادات في قوى 14 آذار أكثر تفهما لوضع سلاح “حزب الله” وهو ان هذا السلاح لا يمكن نزعه بالقوة لئلا يشعل فتنة داخلية تكون عواقبها أكثر ضررا على البلاد من بقاء هذا السلاح، وأنه لا بد من معالجة المشكلة بالحوار الذي من المتوقع أن تبقى طاولته مفتوحة في قصر بعبدا مع حضور قيادات جديدة جاءت بها نتائج الانتخابات، وهو حوار يواكب تطور المساعي والجهود المبذولة لتحقيق سلام شامل في المنطقة إذ عندما يتحقق هذا السلام، لا يعود ثمة حاجة لوجود أي سلاح في لبنان وفي غير لبنان خارج الشرعية، ولا حتى الى أعمال عنف وارهاب بذريعة الدفاع عن حقوق الشعوب المقهورة.
وقد يكون “حزب الله” وحتى خصومه يرون الصورة في المنطقة على هذا النحو ويستعد لأن يتحول من حزب عسكري الى حزب سياسي له دوره بحسب حجمه الطبيعي كما تستعد حركة “حماس” للانضمام الى حكومة وحدة وطنية في فلسطين تمهيدا لانتخابات نيابية ورئاسية مقبلة تحسم الصراع على السلطة.
والسؤال الذي تختلف الاجوبة عليه هو: هل الخطابات السياسية الهادئة لقيادات في الاكثرية والاقلية تعكس أجواء المنطقة السائرة نحو الهدوء والاعتدال. فتسهل تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان وحكومة وحدة وطنية في فلسطين، أم أنها أجواء هدوء مصطنعة تسبق العاصفة لا سمح الله؟
النهار