ما هو مكان الجنس من أدب اليوم؟
محمد الحمامصي
الجنس لغة إنسانية والمهم أن لا يكون شعاراً أو تجارة أو مراهقة روائية
على الرغم من كون الجنس في السرد العربي القديم والحديث شكل جزءا حيويا في سياق المعالجة الأدبية وتزخر كتب التراث بحكايات وتفسيرات وتحليلات ووقائع وأحداث جنسية، كما تحفل الرواية العربية منذ ظهورها أواخر القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين بأعمال تعالج الموضوع الجنسي، إلا أنه في الفترة الأخيرة شكل عنصرا أساسيا وباتت الرواية بشكل خاص والشعر أيضا، لكن بدرجة أقل، تحتفي به احتفاء جوهريا حتى لا تكاد تخلو رواية أو قصة قصيرة من التعامل معه، وفي هذا التحقيق سألنا عددا من الكتاب والنقاد: مع زيادة مساحة الجنس في الأدب العربي الحديث وخاصة الرواية كيف تقيم أسباب اتساع هذه المساحة، وبشكل عام كيف ترى العلاقة بين الأدب والجنس؟ وجاءت الرؤى متفاوتة، تكشف عن تعدد النظرة للجنس ومعالجته في الأدب الحديث.
علاء الأسواني:
الجنــس لغــة
الكاتب الروائي علاء الاسواني: في رأيي… الجنس لا يستعمل الا كوسيلة للكشف الإنساني… فلا يمكن أن تتفاعل مع الشخصيات الروائية دون أن تتطرق إلى مشاكلها الجنسية والنفسية وهذا واضح مثلاً في علاقة أحمد دنانة عميل المباحث ومروة في روايتي شيكاجو، فالأدب فيه كشف إنساني وليس فيه تورية… أما طارق وشيماء في شيكاجو أيضا فهما يحملان كل عقد المصريين الجنسية، ماذا نريد من شاب وصل عمره إلى 36 سنه ولم يلمس امرأة وأول مرة لمس امرأة بكى… هذه حالة إنسانية تلفت نظري فالجنس عندي شيء انساني وليس هدفاً في حد ذاته ولم يكن المحرك الرئيسي للأحداث، كما كتب آخرون رغم احترامي لرأيهم.. ولكن البحث عن الشرف كانت هي الفكرة الرئيسية، فالجنس جزء من حياة الناس وهو جزء ليس بقليل وخصوصاً في العالم العربي.
لقد حاولت في كتابتي لبعض التفاصيل الجنسية في شيكاجو وقبلها يعقوبيان مثل العلاقة التي ربطت بين الحاج عزام وزوجته أن أكتبه بطريقة غير جارحة للذوق الأدبي والحياء وأمامنا الله سبحانه وتعالى في وصفه لعملية جنسية في سورة يوسف عندما يقول (وغلقت الأبواب، وقالت هيت لك… قال معاذ الله، صدق الله العظيم) ففهمنا انهما يقفان في قاعة كبيرة ومن شدة التوهج الجنسي والشبق أخذت امرأة العزيز تجري ناحية الأبواب وتغلقها واحداً تلو الآخر.. أنا لست ضد الجنس ولكن لا بد من كتابته بطريقة راقية وان يكون موظفاً، والضجة التي أثيرت قبل سنوات بشأن عدة روايات جنسية كان الناس فيها على حق لأن كتابها كانوا يقصدون التهييج فقط وكان الجنس مقززاً للغاية.
إن الجنس بالنسبة إلي لغة، فاللغات الإنسانية كثيرة ومتعددة ولا نعرف منها إلا لغة الكلام، فالنظرة لغة إنسانية والصمت لغة إنسانية وأحيانا نرى اثنين متزوجين منذ سنوات طويلة وبعد فترة صمت لا تتفاجأ إن قالت الزوجة لزوجها وما الذي يغضبك الآن؟ لأنه وبعد هذه السنوات تعلم كل منهما إدراك شعور الآخر حتى في لحظة الصمت وأيضاً، الجنس لا يمارس من اجل الشهوة فقط وإنما من الممكن أن يمارس من اجل إظهار أحاسيس جميلة وأحيانا يمارس من اجل السيطرة أو كنوع من العقاب أو تفريغ التوتر، وبالتالي انظر إليه كلغة إنسانية والفن لا يجعلك تسقط في الابتذال ولك أن تكتب ما تشاء بفن وبالتالي لا تسقط في الابتذال…
عزت القمحاوي:
خيـار مـن خيـارات
الكاتب الروائي عزت القمحاوي: لا أعرف إذا كانت فرضية ازدياد الجنس في الرواية الآن صحيحة أم لا؟ الجنس موجود في الروايات كلما دعت الضرورة، أو حسب المنظور الذي يرى الكاتب منه العالم، وليس في هذا أي عيب أو ميزة، هو فقط اختيار من بين اختيارات، الجنس موجود في الحياة، كما السياسة، والرواية محاكاة للعالم، فلا بد أن تكون عناصر العالم موجودة، ولذلك فإن وجود الجنس في الأدب وجود أصيل. وفي هذه الحالة بوسعنا أن نتساءل عن الكيفية التي يوجد بها أي شيء في الرواية، وليس في مجرد وجوده.
بعض الروايات التي تتضمن الجنس بين وقائعها يبدو فيها الجنس شعاراً، مثلما تبدو السياسة في بعض الروايات المناضلة. وشخصياً لا أتعاطى مع رواية الشعار في القراءة.
أما لماذا تكتب رواية الشعار عموماً، والشعار الجنسي خصوصاً، فهي برأيي ترجع إما إلى رؤية الكاتب نفسه لوظيفة الأدب وتكوينه الثقافي، وإما بوعي لمحاولة جلب الأنظار. وقد حدثت في الفترة الأخيرة متغيرات تسعى إلى تسليع الكتابة، لأسباب لا مجال للخوض فيها الآن، لكن الواقع أن ظاهرة «الأكثر مبيعاً» دخلت إلى العالم العربي أخيراً، وأصبح طموح عديد من الكتاب الوصول إلى الرواج التجاري، عبر توابل الجنس.
سحر الموجي:
خارج المراهقة الروائية
الكاتبة الروائية سحر الموجي: أنا مؤمنة إلى أقصى حد بضرورة تعبير الرواية تحديدا (كأكبر مساحة للتعبير الفنى) عن كافة مناحى الحياة ومن بينها الجنس. أتفق أن الرواية فى الفترة الأخيرة بدأت تكسب مساحات فى منطقة الجنس، تتناوله وتعبر عنه وتحلل تأثيره على مسار الشخوص. أعتقد أن وراء هذه الحقيقة موقف واع من جانب الروائيين لإثبات حقهم فى حرية التعبير فى ظل تنامي الاتجاهات الأصولية فى المجتمعات العربية. لكن الأمر لا يمكن اختزاله في مجرد «رد الفعل». أنا أرى التعبير عن تأثير الجنس على البشر ضرورة خاصة في بعض الأعمال الروائية التي تحاول بشكل جاد الغوص في أعماق الشخصيات, وبما أننا مجتمعات تتعامل (على المستوى الاجتماعي) مع الجنس كـ«تابو» فإن هذا الأمر يزيد من تعقيد الشخصيات التي يعبر عنها العمل الروائي العربي.
الجنس جزء حيوي من حياة البشر وفي مجتمعاتنا يتم طمر هذا الجزء وإخفاؤه مما يولد عقدا ومشاكل على مستوى حيوات البشر. وهذه منطقة مغرية للتحليل الروائي. كيف يمكن لروائي أن يفلت هذا الجزء أو يتجاهله!
يتداخل في هذه الأمر منطقة شائكة بالنسبة لأي مبدع: الرقابة الذاتية. ولكل منا حربه التي تتفاوت في حدتها مع هذا النوع من الرقابة. كلما ازداد وعي الروائي بهذه المعركة كلما اكتسب مساحات أرحب للتعبير. وتبقى «فنية» النص كفيصل نهائي فى هذا الموضوع. هناك روائي يتعامل مع منطقة الجنس بمنطق المراهقة الروائية، أي أنه يريد أن يثبت للقارئ أنه متمرد وحر وربما يؤثر هذا الموقف سلباً على فنية النص لو اتخذ منحى الفجاجة. وهناك روائي آخر يعبر بفنية عالية وبنبرة خافتة ذكية عن منطقة الجنس ليس كفعل فقط ولكن كتعبير فلسفي عن معنى الشخصيات وشكل صراعاتها… أعتقد أن الروائيين العرب سيستمرون فى كسب مساحات جديدة فى منطقة الجنس.
كرمة سامي:
تجــاوز الجنــس
القاصة كرمة سامي أستاذة الأدب ورئيسة قسم اللغة الإنجليزية ـ كلية الألسن ـ جامعة عين شمس: نلمس فى زيادة مساحة الجنس فى الأدب مأزقا للأدباء فهو يقربهم من القراء ويرفع من معدل توزيع أعمالهم ويمنحهم قاعدة شعبية يحسدون عليها ولكن هذا النوع من الأدب الغرائزي أقرب إلى التجارة الرائجة التي تحول الأنظار عن المستوى الفني للعمل علوا وهبوطا. لذلك يتحول الجنس في الأدب إلى سلاح ذي حدين يحقق ربحا ماديا ولكنه يبتعد بالنص عن الرسالة السامية الخاصة بالأدب والتي تحدد حجم تأثيره على حياة أفراد كل مجتمع.
مع تراجع الحدود وسقوط الحواجز بين الأمم والثقافات بدأنا فى الاستمتاع بـ«مباهج» و«ملذات» العولمة والكوكبة وسيطر على الأفراد في المجتمع الاستهلاكي الهوس بالجسد، وتحول الانسان لدينا إلى ما أطلق عليه المفكر عبد الوهاب المسيرى «مادة استعمالية» و«سلعة استهلاكية» وليس نفسا وروحا وضميرا. ومع انتشار مفاهيم الوقاحة والقبح والفحش تحول التعبير عن الحب والمودة والسكن إلى تعبير عن المتعة والشذوذ والفسق.
الأدب خطاب موجه إلى الأمة بأسرها وليس حكرا على سادتها ومثقفيها أو راغبي المتعة الأدبية إذا جاز لنا التعبير!! ليس الجنس هو التابو المقدس، أو الفاكهة المحرمة التى نشتهيها، فالغرض من وجوده فى النص الأدبي هو وظيفته وليس قدر المتعة التي يقدمها للقارئ. فطرة الانسان هي التعفف والعفة وليس الفحش والبذاءة. لدى الكاتب كل الحق فى تناول كافة الموضوعات فى نصوصه كما يراها ولكن لنا فى رسول الله أسوة حسنة في كل شيء وأولها التعبير، ففي التعبير الفني نطلق العنان للكاتب لاختيار موضوعاته وبؤر اهتماماته ولكننا نتوقف عند كيفية تعبيره عن الدقيق والحساس من الموضوعات. هل يندفع وراء غريزة مشبوبة ليس وراءها هدف سوى إثارة غرائز القارئ أم تهذيب وجدانه؟ هل يغلظ في التعبير أم يتلطف ويهذب من صوره وألفاظه ليكون جديرا بصفة أديب؟ هل للجنس ضرورة فنية وأخلاقية فى سياق النص أم أنه يرد فى النص لأسباب ترفيهية محضة؟
شرف الكاتب هو كلمته، والقول السليم يشفع للناس عند الله تعالى، من هنا نرى ضرورة الاقتراب من الخطاب الإلهي والنبوي في تناولهما لتلك الموضوعات الشائكة من حيث التلطف في التعبير والمعنى وتجنب خدش حياء الفرد، وبذا يشارك الأدب فى التأسيس لمجتمع متعفف مهذب مصقول السلوك والأخلاق.
الأدب جميل، والكون جميل، والله جميل يجب الجمال. أما الفحش في الأدب فهو عمل تخريبي بل وإرهابي، هو تقبيح للجمال. إن القبيح في تناول الجنس في الأدب هو ضرب من ضروب الفحش واللغو من الكلام . ويقال رفث في كلامه إذا تكلم بالقبيح، ثم جعل كناية عن الجماع وعن كل ما يتعلق به، فالرفث باللسان: ذكر المجامعة وما يتعلق بها. فهل يرضى الكاتب أن يتدنى بالأدب إلى أدنى المراتب فى التعبير الانساني الذى نهانا الله عنه؟
يمكن لتناول الجنس أن يكون من ناحية مثلما قدمه الكاتب اسماعيل ولي الدين في أعماله، ومنها على سبيل المثال حمص أخضر ومنزل العائلة المسمومة، أو من الأعمال المعاصرة رواية علاء الأسواني عمارة يعقوبيان وهي الرواية الأثيرة لقراء اليوم. ومن ناحية أخرى يمكن للكاتب أن يوظف الجنس مثلما وظفه أديبنا الكبير يحيى حقي الذي أرسى دعائم رائعته البوسطجي على حادث جنسي، فلم يتوقف عند سقوط بطلته جميلة وإنما تجاوزه ليكشف أنماط العلاقات الاجتماعية فى صعيد مصر، وتناول في لوحاته القصصية الجنس والشذوذ والعهر دون تنازل عن قيم الذوق واللياقة والتعفف فى الخطاب الأدبي. لذلك بعض الأعمال الأدبية تذوي وتنسى وبعضها يحفر فى الذاكرة.
الكاتب الفطن يخترق الجنس ويتجاوزه إلى فضاء أرحب ومن هنا أدعوكم لدراسة الجنس في أعمال رضوى عاشور (ثلاثية غرناطة) وبهاء طاهر (واحة الغروب) لنرى كيف يودع الكاتب مرحلة المراهقة والانفجار الهرموني ليسمو وينضج ويبرع فى تناول موضوعاته واستخدام أدواته. الكاتب هو رقيب نفسه وهو وحده دون سائر الناس الذي يقرر مصير أدبه: هل كالزبد يذهب جفاء أم ينفع الناس ويمكث فى الأرض؟
مجدي توفيق:
التمييز بين البورنو والجنس
الناقد مجدي توفيق: لستُ أعرف لماذا يذهب كثيرٌ من الناس إلى القولِ إن مساحةَ الجنس قد زادت في النصوص الروائية خلال العقود الأخيرة. أتصوَّر أن هذه الفكرةَ ليست إلا نوعاً من الإدانة الأخلاقية غير الصريحة الموجهة لما يسميه الناس بأدب الحداثة، وهي، كذلك، نوعٌ من خدمة الأخلاق المحافظة التي تطغى على مجتمعاتنا. والمؤكد أننا لا نمتلك مقياساً كمياً مقبولاً نحدد به مساحة الجنس كثرةً وقلةً، أوزيادةً ونقصاً. وأحسب أن الرجوعَ إلى كثيرٍ من النصوص القديمة، أو على الأقل نصوص منتصف القرن الماضي في بلادنا، قد تكشف أن الاهتمام بتصوير الجنس أمرٌ ليس جديداً بحال، عرفه القدماء، كما عرفه المحدثون، وكما يعرفه المعاصرون. الجنس واحدٌ من الجوانب المهمة في الحياة، وتصوير الحياة بوجوهها المتنوعة، وجوانبها المعقدة، لا بد أن يؤديَ إلى الالتفات إلى الجنس قصداً أو عرضاً. لهذا لم يغب الجنس عن الكتب السماوية، وما كان له أن يغيب عن أي كتابٍ يريد أن يقدِّمَ تصوُّراً ما للحياة.المهم، في هذا الشأن أن نلتفت إلى التمييز بين كتابة البورنو الخالصة للإثارةالجنسية، والكتابة الأدبية التي تتناول الجنس بين ما تتناوله من جوانب الحياة. وقد أصبح تمييز رولان بارت نفسه بين نص اللذة ولذة النص تمييزاً كلاسيكياً متداولاًمعروفاً. على النحو نفسه ينبغي أن نميِّزَ بين الكتابة الإثارية المحضة التي تخلومن الاهتمام الأدبي، والكتابة الأدبية التي ينبغي أن تتاح لها الفرصة واسعةً للتعبير عن الحياة من كل جانب، دون أن نحيطها بتابوهات ضيقة نفرضها فرضاً ولايفرضها عقلٌ أو منطقٌ، أو حاجة أدبية أصيلة.
مصطفي الضبع:
مشــكلة التلــقي
ويقول الناقد مصطفى الضبع : يمثل الجنس عنصرا حياتيا شأنه شأن العناصر الأخرى الداخلة في تشكيل عناصر الإبداع ، ويمكن النظر للجنس فى هذا السياق وفق منظورين أساسيين: منظور الشعر، ومنظور السرد. في المنظور الأول يأخذ الشعر طريقتين أساسيتين للتعبير عن الجنس: الأولى: لغة الإيحاء. وهي الطريقة الأكثر رواجا وتخرجها طبيعتها من دائرة الصدام. والثانية: لغة التصريح وهو ما يحدث فى عدد من القصائد المتداولة سرا والتي لا تدخل دائرة الصدام لكونها ليست منتشرة على مستوى ما يتداوله القراء علانية. وتظل علاقة الشعر بالجنس أضيق بكثير من علاقتها بالسرد.
وفى المنظور الثاني تتوطد العلاقة بين السرد بوصفه أداة للتعبير والجنس بوصفه طريقة لرصد جوانب من العلاقات بين البشر، وقد اعتمد السرد هذه الطريقة منذ اعتماد الإنسان عليه في التعبير عن نوازعه وتصويره البشر وما يحيط بحياتهم من ظروف وملابسات.
والعلاقة هنا متطورة بالقدر الذي يتطور فيه السرد ذاته ففي كثير من الأشكال السردية القديمة كان الجنس مقصودا لذاته، وخاصة تلك السرديات التراثية التي اهتمت بالجنس وحكاياته مما ولد نوعا خاصا من السرد هو سرد الجنس، وقد بث السارد فيه قدرا من القيم التعليمية التي كانت مقصودة لذاتها وهو ما يرسخ وعي الثقافة العربية القديمة بما أنتجته من وعي عقلي بما يجب تقديمه من معرفة بالنفس ونوازعها وقدراتها على تجاوز أزماتها، وتشكيلاتها أيضا وعلاقاتها مع الآخرين. وقد تطورت هذه العلاقة بين الجنس والسرد خالقة نوعا من الوعي المغاير الذي كان من المتوقع أن يكون متطورا بقدر يسمح بالتوسع في الطرح لصالح الجماعة الإنسانية، ولكن المجتمع لم يتقبل الوظيفة المعرفية للجنس في السرد، وعمد المجتمع إلى تغيير مفهومه للجنس بالقدر الذي بات يراه نوعا من العيب وشكلا من أشكال الخطيئة لمجرد الكتابة أو لمجرد وروده في النص السردي. ومع اختلاف المساحة وتغير المفهوم توارت الصورة القديمة لصالح إنتاج صورة جديدة تكشف عن وعي جديد، حيث ظهر جنس السرد الذي لا يلتقي مع مفهوم الجنس المقصود لذاته حيث بات الجنس مقصودا لغيره بعد اتجاه السرد إلى محاولة توظيف الجنس لرسم صورة أكثر قربا من الواقع (أليس الجنس مطلبا اجتماعيا وواقعيا وحياتيا بدرجة ما؟). وعلى الرغم من تغير الصورة التي كان من المفترض أن تتطور لصالح الوعي الإنساني فإن المجتمع العربي أغلق وعيه لاستقبال ما يمكن إنتاجه من دلالة وظيفية للجنس في النص مما نتج عنه مفارقة مدهشة، حيث راح المجتمع العربي يرفض في النص علنا ما يقبله في النص سرا أو يسعى خارج النص لما يرفضه داخله. وقد أدى هذا إلى نوع من الانقسام الإنساني حيث انقسم المتلقون والنقاد إزاء توظيف الجنس فريقين أكثرهما لا يبرر أحدهما ما يطرحه أو لا ينشغل معظم أفراده بتقديم ما يبرر به طرحه وما يجعل من أفكاره مادة قابلة للإقناع، وهو ما جعل الرؤية غائمة لدى القراء. ومن ثم دخل الجنس في السرد فى إطار مشكلة التلقي ذاتها، أعني مشكلة التلقي للنص الإبداعي في حد ذاته مما وسع دائرة ما يمثل معوقات للتلقي، تلقي النص الإبداعي العربي.
(القاهرة)