محمود عيسى وشغف الحرية الدائم
عندما أفرجت السلطات السورية يوم الثلاثاء 16 / 6 / 2009 عن المناضل الديمقراطي محمود عيسى كانت الحرية تحتفي بأحد عشاقها ، وتحتفل بعودته إليها من جديد . فلطالما ركض الرجل وراءها دون حساب ، حالماً بتحرر البلاد من القمع والفقر والتخلف ، باذلاً من أجل ذلك بعضاً من أحلى سنوات العمر . فأي ولع يسكنك بالكلمة الحرة والموقف الشجاع يا محمود ؟ ! وأي هاجس بتقويم الحياة العامة وبناء وطن من طراز جديد ومختلف تسكن فيه ؟ !
يبدو أن سنوات السجن السابقة بين عامي 1992 – 2000 ، وما أورثته من هموم ومتاعب شخصية وعلى المستوى العام ، لم تكن كافية لردع أحلام الفتى الريفي الذي استعذب الجري وراء الحرية ، من أيام طيارة الورق إلى أيام مواجهة الاستبداد. ربما كان العكس هو الصحيح . فقد تصلب العود وقويت العريكة ، وحرقت نار المعاناة المتصاعدة الأوهام كلها ، ولم يبق إلا استمرار الحلم وشغف الحرية الدائم .
اعتقل محمود عيسى للمرة الثانية في 15 / 5 / 2006 بمدينة حمص ، لأنه كان في عداد المثقفين السوريين واللبنانيين الذين زاد عددهم عن الثلاثمائة ، ووقعوا وثيقة إعلان دمشق بيروت – بيروت دمشق ، للإسهام بشق طريق نحو تصحيح العلاقات بين الشعبين والدولتين ، وإرسائها على أسس جديدة من التكافؤ والمصالح المشتركة ، لتصبح علاقات أخوية ومميزة قولاً وفعلاً .
وكما فعلت السلطة مع زملائه الآخرين ، فبركت له تهماً سريالية وعجيبة في غرائبيتها ، من نوع ” وهن عزيمة الأمة ” و ” إضعاف الشعور القومي ” . أدت إلى صدور حكم بحبسه ثلاث سنوات في 13 / 5 / 2007 .
غير أن فانتازيا القمع التي رافقت محاكمات المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي ، من أمثال نشطاء ربيع دمشق ، وإعلان بيروت دمشق – دمشق بيروت ، وقادة إعلان دمشق لتغيير الوطني الديمقراطي ، أبت إلا أن ترافق المسيرة ” القضائية ” لمحمود ، وتطبعها بطابعها .
فبعد اعتقاله في 15 / 5 / 2006 ، أخلي سبيله لفترة وجيزة لا تتعدى الشهر ، ثم أعيد إلى السجن من جديد لنفس السبب وبالتهمة ذاتها . وكأن تمتع الرجل بالحرية ، وهو الحق الطبيعي الممنوح بفعل الوجود الإنساني نفسه ومواد الدستور الوطني إياه ، لا يروق لآخرين .
حسب قوانين السجن وإجراءاته المتبعة مع جميع السجناء ، منح العفو المعروف عن ربع مدة العقوبة ، وصدر قرار رسمي بذلك . إلا أن النائب العام تمكن من إلغاء هذا العفو بدعوى المخاصمة ، ونجح في حرمانه مع زملاء آخرين من هذا الحق .
والسؤال :
لماذا يحرم محمود عيسى من حقوق المواطنة في الوطن ، ومن حقوق السجين في السجن ؟ !
ألا يكون مطلوباً أن يحبس الحق ويضار أصحابه ، حتى ينطلق الباطل بيده ولسانه ؟ !
تحية لكل من ساءهم غيابه ، وسرتهم عودته من جديد .
تحية لمحمود عيسى .
هيئة تحرير موقع الرأي