صفحات ثقافية

في اليوم العالمي لحرية الصحافة

null

عمر كوش

الثالث من مايو (أيار) من كل عام، هو اليوم الذي اعتبرته الجمعية العامة للأمم المتحـدة «اليوم العالمي لحرية الصحافة»، واعتمدته في العام 1993 بموجب القرار 48/432. وصار هذا اليوم من كل عام مناسبة لتسليط الأضواء على أهمية دور الصحافة في عالم اليوم،
ومناسبة للتحدث عن معاناة الصحافيين الذين يضحون من أجل الحقيقة والبحث عن المعلومـة الصحيحة في مناطق الخطر، إلا أن ذلك لم يغيّر من وضع العمل الصحفي كثيراً. فقد تعقدت مهمات الصحافة في عالم اليوم الذي يمكن وصفه بعالم الأزمات والمخاطر، حيث لاتزال الحروب سمة مميزة لحل النزاعات بين الدول، ويتزايد القلق من تهديد حرية الإعلام بسبب الحملة الأميركية ضد ما تعتبره واشنطن إرهاباً، حيث تخوض الولايات المتحدة حرباً في أفغانستان والعراق اللذين يشهدان أكثر الانتهاكات خطورة للحريات الصحفية، فقد قتل في العراق وحده عشرات الصحافيين خلال العام 2007، واعتقل عدد كبير منهم. كما لا تتوانى قوات الاحتلال الإسرائيلي في قتل الصحافيين المتعمد، الذين يغطون الاجتياحات لمدن وقرى قطاع غزة والضفحة الغربية، أمام مرأى العالم كله.

ومازالت الحكومات– وبينها حكومات دول ديموقراطية– تسعى لوضع ضوابط تعتبر خطرة على حرية وسائل الإعلام، إضافة إلى المضايقات التي تمارس في مختلف أنحاء العالم قصد التضييق على حرية التعبير لدى الصحافي. وبالرغم من التغيّرات الواسعة التي عرفها العالم، لكن التغطية الإعلامية في عصر عولمة المعلومات لاتزال مختلة وغير متوازنة، حيث تظهر المقارنة الموضوعية حجم الاختلاف بين تغطية الأحداث في البوسنة والهرسك وكوسوفو وتغطية مآسي موزامبيق وسيراليون والمجازر المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفيما يعتبر الإعلام المعاصر القائم على الإنترنت ووسائل الاتصالات الرقمية ميزة هامة، إلا أن هذه الميزة الهامة مازالت مقتصرة على القلة في العالم، رغم انتشار استخدامها. مع أن الارتكاز عليها كوسائل اتصالات بديلة قد يزيد من تهميش الفئات المحرومة والفقيرة في مختلف مناطق العالم.

وإذا كانت وسائل الإعلام لا تصنع السياسة، لكنها قد تجبر حكومات الدول على القيام برد فعل على الأحداث الجارية، وبالتالي قد تساهم بذلك في صنع القرار. وترفع أصابع الاتهام لتوجه في كل عام إلى بلدان معينة من دول آسيا– خصوصاً الدول العربية- وأفريقيا، ومصدر الاتهامات هو العديد من المنظمات غير الحكومية، وفي مقدمتها منظمة «مراسلون بلا حدود»، والتي تنطلق من اعتبار حرية الكلمة جزءا لا يمكن الاستغناء عنه في إطار أي نظام ديموقراطي، فمن لا يوفر حرية الكلمة لا يوفر الديموقراطية.

إن انتهاك حرية الصحافة في العالم لم يتغير كثيراً، حيث تزايدت حوادث قتل الصحافيين وعمليات المضايقة التي يتعرضون لها وحظر العديد من وسائل الإعلام. إضافة إلى أن السلطات الحاكمة في عدد من الدول تلجأ عادة الى مراقبة المعلومات وإصدار قوانين تعاقب العمل الصحافي. ومن أجل تفادي هذه الحدود والقوانين يحاول الصحافيون اللجوء الى الإنترنت كبديل للوسائل التقليدية، حيث يمكنهم مواصلة نشاطهم الصحفي بنوع من الحرية. ويمكن القول بأن الإنترنت، بالرغم من إمكانياته العظيمة في تبادل المعلومات ونشر الأفكار، إلا أن هذه المعلومات والأفكار لا تصل إلى كل شخص، نظراً للقيود المادية والسياسية.

غير أن التركيز على الشبكة العالمية، ودورها في نقل المعلومات، وإمكانات تحسينها لأوضاع حرية الإعلام، يبدو كل ذلك في ضوء هذه المعطيات وكأنه البديل الذي يلفت الأنظار، دون قصد، عن استمرار تقييد حرية الكلمة الإعلامية، فمن جهة لا يمكن بسبب التخلف التقني التعويض عن وسائل الإعلام الأخرى بالشبكة العالمية، نظراً لعدم إمكانية الوصول بها إلى القطاع الأكبر من عامة الناس، ومن جهة أخرى تركز الجهود عليها على حساب تركيز الجهود على وسائل الإعلام الأخرى. ومع ذلك توفر الشبكة العالمية للإنترنت إمكانية نقل الرأي والموقف وأنباء انتهاك الحريات، بما فيها حرية الكلمة إلى مختلف أنحاء العالم خلال فترة وجيزة، وهذا ما يمثل سيفاً ذا حدّين بالنسبة للأنظمة الاستبدادية والشمولية، فهي من جهة أولى بحاجة إلى الشبكة العالمية إذا أرادت مواكبة التطور الاقتصادي، ومن جهة ثانية تواجه بذلك خطراً جديداً يسمح بتوفر حرية الرأي بمقدار لم يتوفر من قبل.

وفي البلدان العربية لم تكن الشبكة العالمية هي التي أوجدت ما يوصف في الوقت الحاضر بالثورة الإعلامية، بل كانت الوسيلة الرئيسية هي القنوات الفضائية، وهو ما بدأ يؤثر على المحطات الإذاعية والصحف والمجلات، على أنّ منتقدي الوضع الإعلامي في البلدان العربية يركزون بشكل خاص على أنّ فتح قنوات تتحدث علناً عن الأوضاع السياسية، بعد أن كان هذا محظوراً، يعدّ إجراء اضطرارياً لبعض الحكومات العربية، إذ لم يعد بالإمكان منع الأخبار والصور والمعلومات عن اختراق الحدود والموانع التقليدية، بينما بقيت الأوضاع السياسية نفسها دون تغيير يذكر، كما بقيت جملة الخطوط الحمراء التي يمكن عند تجاوزها أن يسبب سلسلة من الضغوط على العاملين في حقل الإعلام، هذا علاوة على أن معظم المؤسسات الإعلامية الرئيسية تملكها الدولة ومؤسساتها، وأن القليل المسموح به من وسائل الإعلام الخاصة يخضع لقيود كثيرة غير مرئية، مثل الطباعة في مطابع تابعة للدولة، والحصول على الورق عن طريق مؤسسات رسمية، وهو ما يفرغ الحرية الإعلامية من محتواها ويمنعها من تحقيق غايتها.

ومن الوسائل المتبعة بعد ثورة الاتصالات الإلكترونية ما تشهد عليه الأوضاع في عدد من البلدان الديموقراطية، إذ يكفي التضييق على الإعلاميين بإمكانية عزلهم من مناصبهم، أو تبديل الإدارات المسؤولة عنهم، مما يجعلهم يضعون نصب أعينهم الخطر الذي يهدّدهم في معيشتهم اليومية، فيقوم كل منهم بممارسة رقابة ذاتية، أي مراقبة نفسه بنفسه، وقد يكفي، في بعض الأحيان، لتحقيق هذا الغرض مجرّد تأخير صرف الرواتب الشهرية، ثم تعليل ذلك بالظروف المالية للمؤسسة أو الدولة.

إن حرية الصحافة في عالم اليوم مازالت تواجه تحديات كبيرة، سواء على الصعيد العالمي أو على الصعد المحلية، وقد تكون بعض التحديات على المستوى السياسي مرتبطة بدخول العالم إلى الألفية الثالثة وجملة التطورات التي رافقت عبور العالم إلى نوع جديد من الإمبراطورية، هو إمبراطورية العولمة، التي تتسيد فيها قوى العولمة العسكرية والمالية مجمل العمليات الجارية، وتتكشف البنية المعلوماتية فيها، بوصفها عملية من المزاوجة بين آلية ديمقراطية من جهة أولى، وآلية طغموية من جهة ثانية.

كاتب من سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى