ايام هادئة في كليشي
هنري ميللر
ترجمة خالد الجبيلي
كنت لا أزال أكتب عندما بدأ الظلام يخيم على المكان، وبدأ الناس يتوجهون لتناول العشاء. كان يوماً رمادياً، مثل الأيام التي يراها المرء غالباً في باريس. رحت أتمشى في الشارع لكي أنعش أفكاري، ولم أجد مناصاً من التفكير بالتناقض الهائل بين المدينتين (نيويورك وباريس). كان الوقت ذاته، واليوم يشبه هذا اليوم، لكن مع ذلك، لم تكن كلمة “رمادي” التي كانت السبب في توارد الأفكار هذا، تشبه كثيراً كلمة gris، التي يمكن أن تستدعي عالماً من الأفكار والمشاعر عندما يسمعها أي رجل فرنسي. ففي أحد الأيام، وبينما كنت أجوب شوارع باريس، أمعن النظر في اللوحات المرسومة بالألوان المائية المعروضة في واجهات المحلات، أدركت أن الشيء الوحيد الذي تفتقده هذه اللوحات هو اللون الذي يعرف باللون الرمادي الداكن. إني أذكر ذلك جيداً لأن باريس، كما يعرف الجميع، مدينة رمادية إلى حد بعيد. إني أذكر ذلك لأنه، في عالم الألوان المائية، يستخدم الرسامون الأمريكيون هذا اللون الرمادي بإفراط شديد. أما هنا في فرنسا، فمن الواضح أن تدرجات اللون الرمادي لا نهاية لها. إن تأثير اللون الرمادي بحد ذاته هنا معدوم..
كنت أفكّر بعالم اللون الرمادي الهائل الذي عرفته في باريس، لأنني عندما أتجول عادة في هذه الساعة باتجاه الجادات العريضة، سرعان ما أجد نفسي أتوق لأن أعود إلى البيت وأكتب: وهو أمر مناقض لعاداتي الطبيعية تماماً. عندما ينتهي يومي هناك، أنطلق بشكل غريزي لأختلط بجموع الناس. أما هنا، فإن جموع الناس تخلو من جميع الألوان، من جميع ظلال الألوان وطبقاتها، وتدفعني دفعاً لكي أنكفئ على نفسي، وترجعني إلى غرفتي لأبحث في مخيلتي عن عناصر الحياة المفقودة الآن، التي عندما تُمزج وتُستوعب جيداً، يمكنها أن تعطي الألوان الرمادية الناعمة الطبيعية اللازمة لخلق وجود منسجم وثابت. إن مجرد النظر إلى كنيسة القلب الأقدس من أيّ بقعة على امتداد شارع لافيت في يوم كهذا، وفي ساعة كهذه، يكفي لأن يجعلني أشعر بنشوة غامرة. وكانت تحدث فيّ التأثير ذاته حتى عندما أكون جائعاً ولا يوجد لدي مكان آوي إليه. هنا، حتى لو كان في جيبي ألف دولار، فإني لا أعرف مشهداً آخر يمكنه أن يثير فيّ شعوراً بالنشوة.:
في يوم رمادي في باريس، غالباً ما أجد نفسي أسير صوب ساحة كليشي في مونمارتر. ومن كليشي إلى أوبيرفيله، حيث يوجد صف طويل من المقاهي والمطاعم والمسارح ودور السينما وبائعي الخرداوت والفنادق والمواخير. إنه شارع برودواي الباريسي الذي يشبه ذلك الامتداد الصغير بين الشارع الثاني والأربعين والثالث والخمسين في نيويورك. إن برودواي شارع سريع، مفعم بالحيوية، متلألئ، مبهر، يجعلك تشعر بالدوار، ولا يمكنك أن تجد مكاناً تجلس فيه. أما مونمارتر، فهو حيّ باهت، كسول، مبتذل، رث بعض الشيء، ووسخ، لا يوجد فيه ما يفتن ولا ما يغري، وهو لا يتلألأ، بل يتوهّج بنار تبعث دخاناً بدون لهب. وتبدو برودواي مثيرة، بل سحرية أحياناً، لكن لا توجد فيها نار، ولا حرارة – إنها معرض من الأضواء المنيرة المتلألئة، جنة وكلاء الإعلانات. أما مونمارتر فهي مكان رث، باهت، متداع، رديء، مرتزق، سوقي. وإن كان ثمة شيء، فهو مكان طارد لا جاذب، لكنه طارد على نحو ماكر، مثل الرذيلة نفسها. ففيه حانات صغيرة تكاد لا تكتظ إلا بالعاهرات والقوادين والمجرمين والمقامرين الذين، حتى لو مررت من جانبهم أكثر من ألف مرة، يجرونك وتكون أحد ضحاياهم. وهناك فنادق في الشوارع الجانبية المفضية إلى الجادة الرئيسية. وهي شوارع شديدة البشاعة إلى حد أن الرعشة تنتابك عندما تدخلها، ومع ذلك، يتحتم عليك أن تمضي في أحد تلك الفنادق ليلة، بل وربما أسبوعاً أو شهراً. بل ولعلك ترتبط بالمكان إلى حد أن تجد أن حياتك كلها قد تحوّلت ذات يوم، وأن ما كنت تعتبره بائساً، قذراً، حقيراً، تعيساً، أصبح اليوم ساحراً، لطيفاً، جميلاً. وأشكّ أن هذا السحر الماكر الذي يغلف مونمارتر، سببه تجارة الجنس المكشوفة. إن الجنس لا يصبح رومانسياً، وخاصة عندما يكون موضع بيع وشراء، لكنه يخلق رائحة لاذعة، تدعوك إلى الحنين الذي هو أكثر سحراً وإغواء من درب المتع الأبيض المتلألئ بالأنوار. في الحقيقة، إن الحياة الجنسية تزدهر أكثر في الضوء المعتم الدامس: إنها تعيش وتترعرع تحت الأضواء الخافتة، لا تحت وهج أضواء النيون.
عند ناصية ساحة كليشي، هناك مقهى ويبلير، الذي ظل لفترة طويلة مكاني المفضل الذي أرتاده. كنت أجلس داخل المقهى وخارجه طوال اليوم، وفي جميع أنواع الطقس. كنت أعرفه مثل كتاب. إن وجوه الندل، وأصحابه، وأمينات الصندوق، والعاهرات، والزبائن، بل وحتى الخدم الذين يعملون في دورة المياه، محفورة في ذاكرتي وكأنها رسوم في كتاب أقرأه كلّ يوم. أتذكّر أول يوم دخلت فيه إلى مقهى ويبلير في عام 1928، مع زوجتي التي كنت أرعاها؛ لا أزال أتذكّر الصدمة التي اعترتني عندما رأيت عاهرة ثملة تقع فوق إحدى الطاولات الصغيرة على الرصيف، ولم يهرع أحد لمساعدتها. أحسست بالذهول والرعب من مشاعر اللامبالاة لدى الفرنسيين؛ ولا يزال ينتابني هذا الشعور، بالرغم من كلّ الصفات الجيدة التي يتميزون بها، والتي بدأت أتعرف عليها. “لاشيء، إنها مجرد قحبة …إنها سكرانة”. لا أزال أسمع هذه الكلمات، التي تجعلني أرتجف حتى اليوم. لكن هذا الموقف فرنسي بحت، وإذا لم تتعود عليه وتقبله، فإن إقامتك في فرنسا ستكون مزعجة للغاية.
في الأيام الرمادية الغائمة، عندما يتغلغل البرد القارس في كل مكان، إلا في المقاهي الكبيرة، كنت أتطلّع بسرور لقضاء ساعة أو ساعتين في مقهى ويبلير قبل أن أذهب لتناول العشاء. كان الوهج الوردي الذي يغمر المكان ينبعث من ثلة من العاهرات اللاتي كن يتجمّعن عادة قرب المدخل. وبعد أن كنّ يتوزعن وينتشرن شيئاً فشيئاً بين الزبائن، لا يعود المكان دافئاً ووردياً فحسب، بل تغمره رائحة العطر أيضاً. فقد كنّ يرفرفن تحت الضوء الخافت مثل فراشات معطّرات. أما اللاتي لا يحالفهن الحظ في العثور على زبون، فيتسللن ببطء ويخرجن إلى الشارع، ليعدن بعد قليل ويأخذن أماكنهن القديمة. وكان بعضهن الآخر يتبخترن ويبدين نضرات وجاهزات لعمل المساء. وكانت الناصية التي يتجمعن فيها عادة، أشبه بسوق البورصة، سوق الجنس، الذي يتقلّب مثل أسواق البورصة الأخرى. إذ يكون اليوم الماطر عادة يوماً جيداً، كما أظن. وهناك شيئان وحيدان يمكنك أن تفعلهما في يوم ماطر، كما يقول المثل؛ ولم تكن العاهرات يضيّعن وقتهن في لعب الورق.
كان الوقت متأخراً بعد ظهر يوم ماطر عندما رأيت زائرة جديدة في مقهى ويبلير. كنت قد خرجت لشراء بعض الحاجيات، وكانت ذراعيّ محملتين بالكتب وأسطوانات الفونوغراف. لا بد أنني كنت قد تلقيت حوالة مالية غير متوقّعة من أمريكا في ذلك اليوم، لأنه كان لا يزال في جيبي بضع مئات من الفرنكات، بالإضافة إلى الأشياء التي اشتريتها. جلست قريباً من سوق البورصة، محاطاً بسرب من العاهرات النهمات، الجائعات، المتلهفات، اللاتي لم أجد صعوبة في التملّص منهن لأن عينيّ كانتا مثبتتين على تلك الفتاة الجميلة الفاتنة الجالسة وحدها في ركن قصي من المقهى. قلت لنفسي لا بد أنها شابّة جذّابة تنتظر حبيبها، ولعلها أتت قبل الموعد المحدد. ولم تكن قد لمست كأس الشراب الذي طلبته. وكانت ترمق الرجال الذين يمرون من أمام طاولتها بنظرات طويلة ثابتة، لكن هذا لا يعني شيئاً – فالمرأة الفرنسية لا تشيح بعينيها كما تفعل المرأة الإنكليزية أو الأمريكية. كانت تتطلع حولها بهدوء، لكن دون جهد واضح لجذب الانتباه. كانت رصينة ووقورة وقلقة. كانت تنتظر. كنت أنا أنتظر أيضاً. كان الفضول يشدني لمعرفة من تنتظر. بعد نصف ساعة، كانت خلالها عيناي قد التقتا بعينيها مرات عديدة، قرّرت أنها تنتظر أي شخص يتقدم إليها. وفي العادة، لم يكن عليك إلا أن تومئ برأسك أو بيدك حتى تترك الفتاة طاولتها وتنضم إليك – هذا لو كانت من ذلك النوع من الفتيات. لم أتأكد تماماً من ذلك بعد. كانت تبدو لي جذابة للغاية، رقيقة جداً، ومن منبت جيد.
عندما عاد النادل ثانية، أشرت إليها وسألته إن كان يعرفها. وعندما أجاب بالنفي، اقترحت أن يدعوها لمشاركتي إلى طاولتي. رحت أراقب وجهها وهو يسلّم لها رسالتي. انتابتني رعشة عندما رأيتها تبتسم وتنظر باتجاهي بإيماءة تقدير. توقّعت أن تنهض على الفور وتأتي إلى طاولتي، لكنها ظلت جالسة وابتسمت مرة أخرى، برصانة أكثر هذه المرة، ثم أشاحت بوجهها، وبدا أنها راحت تحدّق خارج النافذة، حالمة. انتظرت بضع لحظات، لكنني عندما رأيت أنها لم تكن تنوي أن تأتي بحركة، نهضت وسرت إلى طاولتها. حيّتني بوّد ولطف، كما لو كنت أحد أصدقائها، لكنني لاحظت أنها ارتبكت قليلاً، وبدا وكأنها أُحرجت. لم أكن متأكداً إن كانت تريدني أن أجلس أم أذهب، لكنني بالرغم من ذلك جلست، وبعد أن طلبت مشروبين، أشغلتها بسرعة في الحديث. كان صوتها أكثر إثارة من ابتسامتها؛ فقد كانت نبرة صوتها جميلة، ومنخفضة بعض الشيء، وفيها بحة. كان صوت امرأة سعيدة بأنها لا تزال على قيد الحياة، تداري شهواتها، غير مبالية وفقيرة، وتفعل أيّ شيء لتحافظ على مظهر الحرية الذي تمتلكه. كان صوت شخص مانح، منفق، وكانت فتنته تتوجه مباشرة إلى الحجاب الحاجز، لا إلى القلب.
يجب أن أعترف بأنني فوجئت عندما أسرعت لتقول إنني ارتكبت خطأً فادحاً عندما أتيت إلى طاولتها. قالت: “ظننت أنك فهمت بأنني سأراك في الخارج. هذا ما كنت أحاول أن أقوله لك بطريقة التلغراف”. وقالت إنها لا تريد أن يظن أحد هنا بأنها فتاة محترفة. اعتذرت عن الخطأ الفاحش الذي ارتكبته، واقترحت أن أنسحب وأعود إلى مكاني، فقبلت ذلك كبادرة رقيقة، لكنها تجاهلت الأمر، وضغطت على يدي، وارتسمت على وجهها ابتسامة رائعة.
“ما كلّ هذه الأشياء؟” قالت، لتغيّر الموضوع بسرعة، متظاهرة بأنها تبدي اهتماماً بالرزم التي كنت قد وضعتها على الطاولة.
“مجرد كتب واسطوانات”، قلت، ملمحاً بشكل ضمني إلى أن هذه الأشياء لا تثير اهتمامها.
سألتني: “هل هم مؤلفون فرنسيون؟” وأبدت فجأة قليلاً من الحماسة الأصيلة، كما بدا لي.
نعم”، أجبت، “لكني أخشى أنهم كتّاب مملّون أيضاً. بروست، سيلين، إلي فور… أظن أنكِ تفضّلين موريس ديكوبرا، أليس كذلك؟”
“دعني أراها من فضلك. أريد أن أرى نوعية الكتب الفرنسية التي يقرأها شخص أمريكي”.
فتحت الرزمة وأعطيتها كتاب إلي فور بعنوان “الرقص فوق النار والماء”. راحت تقلّب صفحاته، تبتسم، وكانت تنبعث من فمها شهقة لطيفة وهي تقرأ هنا وهناك؛ ثم وضعت الكتاب على الطاولة بتأن وأغلقته، ووضعت يدها فوقه وكأنها تريد أن تبقيه مغلقاً. وقالت: “هذا يكفي، دعنا نتحدّث عن شيء أكثر إثارة”، وبعد برهة من الصمت، أضافت قائلة: “هل هو حقاً فرنسي؟”
“بقضه وقضيضه”، أجبت، بابتسامة واسعة.
بدت مشوشة، وقالت “إنها لغة فرنسية رائعة”، تابعت كلامها، وكأنها تخاطب نفسها: “ومع ذلك، فهي ليست لغة فرنسية أيضاً… كيف يمكنني أن أقول؟”.
كنت على وشك أن أقول إني فهمت تماماً، عندما تهالكت على الكرسي، وأسندت ظهرها إلى الوسادة، وأمسكت يدي، وبابتسامة خبيثة تهدف إلى تعزيز صدقها، قالت: “انظر، أنا مخلوقة كسولة تماماً. ولا أملك الصبر على قراءة الكتب. إنها تثقل دماغي الضعيف”.
“هناك أشياء كثيرة أخرى يستطيع المرء أن يفعلها في الحياة”، أجبت، أبادلها الابتسامة. وعندما قلت ذلك، وضعت يدي على ساقها وعصرتها بدفء. وعلى الفور غطّت يدها يدي، وراحت تزيحها إلى البقعة المكتنزة الناعمة. ثم، وبنفس السرعة تقريباً، سحبت يدي بعيداً وهي تقول: “هذا يكفي، فلسنا وحدنا هنا”.
رحنا نجرع كأسينا، واسترخينا. لم أكن في عجلة من أمري لدفع الأمور بسرعة. ففي المقام الأول، بهرني كلامها الذي كان متميّزاً واكتشفت منه أنها ليست فتاة باريسية. فقد كانت تتكلم لغة فرنسية صافية، وكان الإنصات لها متعة بالنسبة لأجنبي مثلي. فقد كانت تخرج كلّ كلمة من فمها بوضوح شديد، ولم تكد تستخدم لهجة عاميّة، ولا عبارات محلية. كانت الكلمات تنبعث من فمها كاملة وبإيقاع بطيء، كما لو كانت تدحرجها في حلقها قبل أن ترسلها إلى الفراغ حيث يتحول الصوت والمعنى وينتقلان بسرعة شديدة. كان كسلها، الشهواني والمبهج للحواس، يغلّف بزغب ناعم كلماتها التي كانت تصل إلى أذنيّ وهي تطوف وتعوم مثل كرات من الزغب. كان جسدها ثقيلاً، جاثماً على الأرض، لكن الأصوات التي تنبعث من حنجرتها تشبه معزوفة موسيقية.
لقد خُلقت لذلك، كما يقول المثل، لكنها لم تعجبني كعاهرة. كنت متيقناً أن مرافقتها لي، وأخذها نقوداً لقاء ذلك، لن يجعلها امرأة عاهرة.
ومثل فقمة مدربة، وضعت إحدى يديها فوقه، فانتصبت لحمتي بسرعة وببهجة، بسبب مداعبتها الرقيقة لها.
“تمالك نفسك”، دمدمت، “ليس من الجيد أن تُثار بهذه السرعة”.
“هيا لنخرج من هنا”، قلت، وأشرت إلى النادل.
“نعم”، قالت، “لنذهب إلى مكان نستطيع أن نتكلّم فيه على راحتنا”.
كلما قلّ الكلام، كان أفضل، قلت لنفسي، وأنا ألملم أشيائي وخرجت معها إلى الشارع. كانت مؤخرتها رائعة، قلت وأنا أرقبها بتمعن، وهي تنسل خارجة من الباب الدوّار. وعلى الفور رأيتها معلقة فوق طرف قضيبي، قطعة ممتلئة من اللحم الطازج بانتظار أن تُعالج وتُشذّب.
عندما بدأنا نجتاز الجادة، قالت إنها سعيدة جداً لأنها عثرت على شخص مثلي. فهي لا تعرف أحداً في باريس، إنها وحيدة. لعلي يجب أن أطوف بها في باريس وأريها المدينة؟ فمن الممتع أن يقوم غريب بعمل دليل سياحي لشخص من أبناء البلد ويطوف به أرجاء المدينة، عاصمة بلده. هل كنت قد ذهبت إلى أمبواز أو بلوا أو تور؟ ربما نذهب لزيارة هذه الأماكن معاً ذات يوم. يمكننا أن نذهب في رحلة معاً يوماً ما. “هل يعجبك ذلك؟”
رحنا نسير، نتحدث، حتى وصلنا إلى فندق كان يبدو أنها تعرفه. قالت: “هذا المكان نظيف ومريح”، وأضافت،”وإذا كان بارداً قليلاً، فإن أحدنا سيدفئ الآخر في السرير”. وضغطت على ذراعي بحنان ومودة.
كانت الغرفة دافئة ومريحة مثل عشّ. انتظرت لحظة حتى جلبت الخادمة الصابون والمناشف، ونفحتها إكرامية، وأقفلت الباب. خلعت قبعتها وقطعة الفراء، وانتظرت حتى تعانقني بالقرب من النافذة. كانت قطعة لحم دافئة ولذيذة! ظننت أنها ستتلاشى تحت لمساتي. وبعد بضع لحظات بدأنا نخلع ثيابنا. جلستُ على حافة السرير لأفك رباط حذائي. كانت تقف إلى جانبي، تخلع ثيابها. عندما رفعت عيني إلى الأعلى، لم يكن ثمة شيء يسترها سوى جواربها النسائية. وقفت هناك تنتظرني أن أتفحصها بدقة أكبر. نهضت، وضممتها وأطبقت ذراعي حولها ثانية، وراحت يدي تجوس بتأن فوق طيّات لحمها المتموّجة. تملصت من بين ذراعي، وأمسكتني على مبعدة وسألت بحياء عما إن كنت قد خُدعت بعض الشيء.
“خُدعت ؟” قلت مردداً، “ماذا تقصدين؟”
“ألست شديدة البدانة؟” قالت، وأطرقت عينيها واستقرتا فوق سرتها.
“شديدة البدانة؟ لماذا، إتكِ رائعة.إنك مثل لوحة من لوحات رينوار”.
تضرج وجهها خجلاً. “لوحة من لوحات رينوار؟” “كرّرت، وكأنها لم تسمع هذا الاسم من قبل، وأضافت، “لا، إنك تمزح”.
“أوه، ما عليكِ. تعالي، دعيني أداعب قطتك”.
“انتظر، يجب أن أغتسل أولاً”. وعندما تحرّكت نحو المِشطفة، قالت: “اصعد إلى السرير. اجعله لطيفاً ودافئاً”.
خلعت ثيابي بسرعة، وغسلت قضيبي من باب الكياسة، واندسست بين الشراشف. كانت المشطفة إلى جانب السرير. وعندما أنهت غسولها راحت تجفف نفسها بالمنشفة البالية الرقيقة. انحنيت وأمسكت أجمتها ذات الشعر الأشعث، التي كانت لا تزال ندية قليلاً. دفعتني إلى الخلف على السرير، وانحنت فوقي، وانقضت بسرعة عليه بفمها الأحمر الدافئ. دسست إصبعاً في داخلها لكي يبدأ عصيرها يتدفق من ينبوعها. ثم سحبتها فوقي، ودفعته كله في أعماقها. كان فرجها من تلك الفروج التي تنسل فيها مثل قفاز. وسرعان ما جعلتني انقباضاتها العضلية الماهرة ألهث. وكانت طوال الوقت تلعق رقبتي، وإبطي، وشحمتي أذني. وبيدي الاثنتين رحت أرفعها وأخفضها، وكانت تهز حوضها بشكل دائري. وأخيراً، متأوهة، انقضت عليّ بكامل وزنها.
قلبتها على ظهرها، ورفعت ساقيها وأسندتهما فوق كتفي، ورحت أرهزها. وخيّل إليّ أنني لن أتوقف عن القذف؛ فقد كان السيل يندفع بلا انقطاع، وكأنه ينبثق من خرطوم حديقة. وعندما استللته، بدا لي أنه أصبح أكثر انتصاباً مما كان عندما أولجته فيها.
“إنه حقاً شيء” قالت، ووضعت يدها حوله وراحت تفركه بأصابعها بتقدير: “إنك تعرف كيف تفعل ذلك، أليس كذلك؟”
نهضنا، اغتسلنا، ثم عدنا وزحفنا إلى السرير. متكئاً على مرفقي، رحت أجوس بيدي فوق جسدها. كانت عيناها تومضان عندما استلقت على ظهرها، مسترخية تماماً، ساقاها منفرجتان، لحمها نابض. لم يفه أحدنا بكلمة لدقائق عديدة. أشعلت لها سيجارة، ووضعتها في فمها، وغصت في السرير، ورحت أحدّق بسعادة في السقف.
“هل سيرى أحدنا الآخر مرة أخرى؟” سألتها بعد وهلة.
“هذا يتوقف عليك”، قالت، وأخذت نفساً عميقاً من سيجارتها. انقلبت لتطفئ سيجارتها، واقتربت مني، وهي تحدّق فيّ بثبات، تبتسم، لكن بجدّية، وقالت بصوتها الخفيض، المغرّد: “اسمع، يجب أن أكلّمك بجدية. أريد أن أطلب منك معروفاً كبيراً… إنني في ورطة، ورطة كبيرة. هل يمكنك أن تساعدني إذا طلبت منك ذلك؟”
“طبعاً”، قلت، “لكن كيف؟”
“أعني نقوداً”، قالت بهدوء وببساطة، “أحتاج إلى نقود كثيرة… يجب أن أحصل عليها. لا أستطيع أن أشرح السبب. أرجو أن تصدقّني”.
انحنيت وسحبت بنطالي من فوق الكرسي، ورحت أنبش في جيبي وأخرجت كل ما فيه من أوراق وقطع نقدية، وأعطيتها لها.
قلت: “أعطيكِ كل ما لديّ. هذا كلّ ما يمكنني أن أفعله لك”.
وضعت النقود على المنضدة الصغيرة إلى جانبها، ودون أن تنظر إليها، انحنت وقبّلت حاجبي، وقالت: “إنك رجل طيب وكريم”. لبثت منحنية فوقي، تنظر في عيني بشكر صامت مخنوق، ثم طبعت قبلة على فمي. لم تكن قبلة محمومة، بل قبلة بطيئة، طويلة، وكأنها تنقل مشاعر المودّة التي لم تستطع أن تعبّر عنها بكلمات، والتي كانت مرهفة للغاية لكي تقدمها بجسدها.
“لا أستطيع أن أقول أيّ شيء الآن”، قالت، وارتمت على الوسادة: “إنني في غاية السعادة”، ثم أضافت: “من الغريب أن أبناء قومك ليسوا بطيبة الغرباء. أنتم الأمريكيون أناس لطيفون للغاية، أناس في غاية الرقة. يجب أن نتعلم أشياء كثيرة منكم”.
كانت هذه اللازمة بمثابة أغنية قديمة بالنسبة لي، وكدت أشعر بالخجل من نفسي لأنني تصرفت مرة ثانية باعتباري ذلك الأمريكي الكريم. وأوضحت لها أن وجود نقود كثيرة في جيبي كان مجرد صدفة. فأجابت أن تصرفي كان أكثر من رائع، بادرة عظيمة، وقالت: “كان الرجل الفرنسي سيخبئها، ولن يعطيها إلى أول فتاة يلتقي بها لمجرد أنها تحتاج إلى مساعدة، ولن يصدقها في المقام الأول، وسيقول لها إني أعرف جيداً هذه الأغنية”.
لم أقل لها أكثر من ذلك. هذا صحيح وغير صحيح، ففي العالم جميع أنواع البشر. ومع أني لم ألتق حتى الآن بفرنسي كريم، فإني أؤمن بأن هناك فرنسيين كرماء. ولو قلت لها إنه يوجد الكثير من أصدقائي ومن أبناء جلدتي بخلاء وغير كريمين، لما صدقتني. وإذا أضفت أن ما دفعني إلى عمل ذلك لم يكن بدافع الكرم، بل بدافع رثاء الذات، فأنا نفسي أعطي لذاتي (لأني لم أر أحداً كريماً معي كما أفعل أنا) فلعلها ظنت أني رجل مخبول قليلاً.
دنوت منها ودفنت رأسي في صدرها. انزلق رأسي إلى الأسفل، ورحت ألعق سرتها، ثم واصلت انحداري إلى الأسفل، وبدأت أقبّل أجمتها الكثيفة الشعر. رفعت رأسي إلى الأعلى ببطء، وجرتني لكي أستلقي فوقها، وغاص لسانها في فمي. انتعظ قضيبي على الفور، وانسّل فيها بشكل طبيعي كما ينزلق المحرّك داخل المفتاح الكهربائي. انتصب قضيبي بطريقة تجعل النساء يفقدن صوابهن. ورحت أحركه وأنقله في داخلها كما أشاء، فتارة أعتليها، وتارة تعتليني، ثمّ أولجه وهي مستلقية على جانبها، ثم أستله إلى الخارج ببطء، مستثيراً إياها، أدلّك شفريها برأس قضيبي المنتفخ. وأخيراً، استليته كله ورحت أمرره فوق نهديها وحولهما. نظرت إليه مندهشة، وسألتني “هل قذفت؟” فقلت: “لا”. سنحاول أن نفعل شيئا آخر الآن”. وجررتها من فوق السرير، وجعلتها تأخذ وضعية ملائمة كي آتيها من الخلف. مدّت يدها بين فخذيها وأولجته في داخلها، وراحت تهزّ ردفيها بشكل دائري على نحو مثير ومغر. أمسكتها بقوة من خصرها، وبدأت أقذف في أحشائها. “أوه، أوه، هذا رائع، هذا مدهش”، راحت تنخر، وتدفع بمؤخرتها بطريقة مسعورة. سحبته منها ثانية لكي يأخذ نفساً، ورحت أدعكه وأفركه فوق ردفيها مداعباً. “لا، لا”، صاحت مستجدية، “لا تفعل ذلك. أدخله فيّ، أدخله فيّ كله… لم يعد بمقدوري الانتظار أكثر من ذلك”. ومرّة أخرى مدّت يدها إلى الوراء وأمسكته وأولجته فيها، وهي لا تزال تنحني أكثر، وتندفع إلى الأعلى وكأنها تريد أن تعلو وتصل إلى الثريا. بدأت أحس أني بدأت أقذف للمرة الثانية، من منتصف عمودي الفقري؛ فثنيت ركبتيّ قليلاً، ودفعته فيها مرّة أو مرّتين. ثم انفجر مثل صاروخ منطلق إلى عنان السماء.
مترجم سوري مقيم في نيويورك
خاص كيكا