الآن أتحسَسُ روحيْ وألمسُ البدر
الى بدر سينقصني في ليل السجن القريب
إسلام سمحان
مثلَ أغاني زمانْ، وجهكَ يضجُ بالفرحِ المقيم، كأنها الأعراس تزفكَ زوجاً للحكايات وللكلام، في فمك كلام لا يشبه تلك َالأحاديث الصلدة، إنما تشبهنا تشبهُ لوننا الحنطي، هنا قربَ جدولِ دماثةِ دمكَ وخجلكَ المشاع ْ، استطيعُ أن اجلسَ، كهودجٍ، مثل غابة، استطيعُ أن أتوددَ لصبيةٍ وان استأذنُها تمشيطَ َشعرِها، لن تعارض ربما سترسل قهقهة كعاصفةٍ خجولة، كموجٍ أرخى حُبابَ مائهِ على رملٍ كسول، ماذا تريدُ أن تقول، النسيانُ يا صديقي عطلة مجانية من التذكر الغليظ، التذكرُ يا كاملاً مثل بدر لن يجدي نفعاً فمحاريثُنا صدِئت واحتلها الغبار، الأرض التي أقسمتَ أن تموتَ لأجلها ها هي ذي تلفظ أترِبتها الأخيرة، أفراحنا غدت خرافة نجترها في ليالي الصيف فوقَ الأساطيح المفضوحة، أو أمام مدفأة تشوي كستناء أرواحنا في أمسيات الثلج السكريّ، لم يعد فرحٌ بجعبتنا أيها البدر، كل الذين امتحنوا الريح وركبوا صهوة َ جنونها سقطوا، سقطوا بعيداً بعيداً عالياً .
اجزمُ انكَ الآن تحوّش الدمعَ كي تفيضَ مرةً واحدة، كي يفيض الدمعُ دفعةً واحدة مثل ضجةٍ لا ينقصها سوى زغرودة تكسّر هذا المناخَ الفوضوي، ستحمِدُ الله كثيراً على نعمة النسيان، وستفرح كثيراً ببقايا ذكرى رسمت أقواسَ الفرحْ، إنما الشك أن تعودَ غاضباً ذات عشية، وتطرق أبوابَ الإيابِ كهدهدٍ رأى الغيبَ ببرزخه ِ، وتهتفُ ملءَ صوتكَ العصافير: سترجِعُ أيام َ الخير وسنحتفلُ بهزيمةِ السلطانْ .
القول يوجِع كطعنة، كصبيةٍ خذلتْ فارسها والفرسَ الأبيض ليلة زفافهما، مثل فراشةٍ آنست ناراً فلم تعد بقبس إنما عادت في قفص، مثل الخيبةِ حين نجر أذيالها عائدين إلى ممالكنا الرملية، مثل حزنٍ مقيت يوجع القلب ويختم الحلق بحشرجةٍ عنيدة، الكلامُ يوجع كطعنة وموتكَ الآنَ ليس كأيّ وقتٍ مضى، اخطأ التصويب ذلكَ الموت الغبيّ، فربما لو انتظرَ قليلا ربما تحدثُ معجزة ونسوق أيائل البهجة طويلاً، نجتازُ الغمامَ مهللينَ وخائفين من الضحكِ المباغتِ ونقولُ في سرنا ” الله يجيب خير الضحك “.
تعبتُ من وصفكَ، من وصف التماعة سنكَ الأبيض وعينك التي تشبه عينَ الديك، التي تشبه بارقة أمل وألم مرت سريعاً وكأنها لم تمر البتة .
في قلبي شيء أخبئهُ لمسائيَ الأسمرْ، سألوكُ لساني وأعضُ قلبيْ ولن أقول، هكذا أخلاقُ الشعراء ولستُ أكرم منك أنتَ الذي عصرتَ الماءَ من سحابةٍ فالفتَ قصيدةً حبلى بالوجدِ والوجعِ المراوغ ْ، قصيدتكَ تلحُ عليَّ بالصلاة، الصلاةُ تغويني أن أمارسَ حماقة ً، أن أتسكع بين الرموش وبين الرموش، فمدد أيها الميتُ الذي يأبى أن يموتْ، مدد يا شيخَ الحضرةِ والكلام الرطب، مدد أيها البدر العالي كأنجمٍ صافية كوجهِ بحارٍ متعب، كتعبٍ لذيذ ، كغواية ٍبريئة، كبراءة الذئبِ من دمِ يُوسُفَ، كيوسف أيامنا الحاضرة، كحاضرةٍ مهيبة، كهيبةِ العجوز الطاعن في الحكمة، كحكمةٍ محمومة بالانكسار، كانكسار الماء على حصى بيدِ حورية ٍ، كحواري البلاد البليدة، كبلادةِ الأطفال أمام محالِ الألعابْ، كلعبةٍ شقية، كشقاوة مراهِقَةٍ ضيعها الحبُ حين سقطتْ سهواً النظرة الأولى، كأولِ الواصلينَ إلى رصيف ميناء المودعينْ، كوداع الحمام للمشاةْ، كمشي الحمام على قرميد خبا كغروب .
يا بدر، كم ينقصنا الضوء وكم نحتاجكَ، كم يحتجنكَ الأميرات الآن، أكثرَ من أي وقتٍ مضى.