المكافآت السريعة لسوريا أدّت إلى مفعول عكسي
روزانا بومنصف
تراجعت في الساعات الماضية نسبة التفاؤل بولادة قريبة للحكومة العتيدة، وكان ساهم في اشاعتها بعض المواقف السياسية في قوى 8 آذار من خلال اختصار الموضوع الحكومي بالصيغة المقبولة للتركيبة الحكومية على اساس توزيعها على قاعدة 15 – 5 – 10. لكن هذا التراجع يعود، وفق ما كشفت مصادر ديبلوماسية رفيعة، الى رفض الشروط التي وضعتها دمشق من اجل التعاون في تسهيل تأليف الحكومة. وبالتالي باتت الولادة المحتملة رهنا بالجهود التي ستبذلها مجددا المملكة العربية السعودية بعدما بدا ان الشروط التي طلبتها دمشق هي بمثابة رفع الغالبية الراية البيضاء من اجل التمكن من تأليف حكومة وحدة غير تعطيلية، على غرار ما كانت الحكومة التي تألفت بعد اتفاق الدوحة.
وكشفت هذه المصادر ان سوريا طلبت فعلاً، من ضمن جملة شروط قدمتها الى المملكة العربية السعودية في اطار تعاونها في المرحلة المقبلة مع حكومة يرأسها النائب سعد الحريري، ان يقوم الاخير بزيارة دمشق قبل تأليف الحكومة، في ما فسرته هذه المصادر رغبة سورية في ان ينزع الحريري بنفسه الاتهام السياسي عنها باغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري كأحد أبرز الشروط لديها قبل ان يتمكن من تأليف الحكومة، علما ان الامر محرج جدا ومكلّف جداً للرئيس المكلّف قبل صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية. وفي رأي كثر ان دمشق تسعى الى استباق القرار الظني. وسبق للحريري ان أكد قراره الاحتكام الى المحكمة، وتحدث عن علاقات بين لبنان وسوريا من دولة الى دولة. لكن نزع الاتهام السياسي عن سوريا سيكون محرجا له قبل صدور القرار الظني، وسيعتبر اسقاطاً لكل الاتهامات التي سيقت منذ الجريمة حتى الآن.
وسلة الشروط التي طلبتها دمشق بدت تعجيزية وكبيرة جداً، وخصوصا ان الحريري وقوى 14 آذار فازوا فعلا بالغالبية في الانتخابات النيابية وفي موقع قوة بحيث لا يمكن املاء الشروط عليهم كما فعلت سوريا في اتفاق الدوحة بواسطة اطراف ثالثين، مما اضطر الجميع الى السير بهذه الشروط خشية الحرب الاهلية التي هدد بها اجتياح “حزب الله” بيروت وبعض الجبل في السابع من ايار 2008. فأي ثمن كان يمكن أن يتوجب على هذه القوى لو انها خسرت الغالبية واضطرت الى رفع راية الاستسلام والقبول بالنتائج في حال فاز حلفاء سوريا بهذه الغالبية، وكان سيكون انتصارا غير مباشر لها ايضا بعودتها مرجعية فعلية مجددا في تأليف الحكومات اللبنانية وسائر الملفات الاخرى ؟
وبحسب هذه المصادر، فان مشاركة الحريري بعد تأليف الحكومة في مؤتمر دول عدم الانحياز جنبا الى جنب مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان وامكان ان يجمع الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز الرئيس المصري حسني مبارك ونظيريه السوري واللبناني مع الحريري امر يمكن تفهمه. لكن ما يتخطى ذلك مُبالغ فيه جداً، وخصوصا ان دمشق عوّلت على “مونة” المملكة السعودية على رئيس الحكومة المكلف وربما ايضا على اركان آخرين في قوى 14 آذار من اجل ان تنال مقابلا لما تعتبره عدم تدخل من جانبها في الانتخابات، علما ان العاصمة السورية حظيت بمكافآت كبيرة جدا على عدم تدخلها المفترض والذي يرتبط، على الارجح، بوثوقها شأن كل القوى في 8 آذار بالفوز المؤكد لهذه القوى، اكثر منه بالتزامها المطلق عدم التدخل. وهذه المكافآت تفاوتت بين اعلان واشنطن نيتها اعادة سفيرها الى دمشق بعد اربع سنوات من القطيعة، وادراج المبعوث الاميركي جورج ميتشل سوريا في جولته الاخيرة في المنطقة، واعلان المملكة العربية السعودية تعيين سفير لها مجددا في دمشق، بينما عينت فرنسا ايضا سفيرا قريبا من الرئاسة الفرنسية، كما يستعد وزير الخارجية برنار كوشنير الى عقد اجتماع للسفراء الفرنسيين في المنطقة بالعاصمة السورية. وهذا كله يؤديه الى تسهيل اعادة الانفتاح الخارجي على سوريا وتسليط الضوء اكثر على دور اقليمي محتمل تستعيده سوريا من خلال رجوعها الى الاضطلاع بدور بنّاء من ضمن المجموعة الدولية.
ولكن يبدو ان هذه المكافآت السخية والسريعة جدا التي انهالت على دمشق بعد الانتخابات انتجت مفعولا عكسيا من حيث رفع دمشق سقف مطالبها من اجل الخطوة التالية، أي تأليف حكومة برئاسة سعد الحريري. ففي حين كان متوقعا ان تطلب ادراج عبارات محددة كضمانات في البيان الوزاري في شأن سلاح “حزب الله” تعوق البحث في موضوع هذا السلاح بديلا من الثلث المعطل، يبدو انها ذهبت ابعد من ذلك. وبعض الكلام، وفق المصادر الديبلوماسية، يتصل بطلب دمشق نصا محددا تطلع عليه على نحو مسبق وربما تصحح صياغته حول سلاح الحزب قبل ان توافق عليه. وهذا الشرط هو غيض من فيض طلبته دمشق من لبنان عبر المملكة العربية السعودية ولم يحصل بعضه في زمن وصايتها على لبنان. وقد اثار ذلك جملة تساؤلات لدى هذه المصادر من بينها: هل ان دمشق رفعت سقف شروطها من اجل الحصول على ما تسعى اليه باعتبار ان الكلام على لقاء محتمل للرئيس الحريري مع الرئيس السوري بات من الامور التي يتعذر رفضها، بحيث ان الرفض يرتّب تبعات في الداخل اللبناني مرهقة لرئيس الحكومة العتيدة؟ وهل تفاوض دمشق على تسهيل تأليف حكومة لبنانية من دون ثلث معطّل لحلفائها فيها، ام هي تفاوض على صفقة متكاملة تتعلق بالمحافظة على قدر من نفوذها في لبنان الى جانب عودتها الى الصف العربي وابتعادها عن ايران حتى ترفع سقف شروطها في لبنان الى هذا الحد؟
هذا ما تحاول ان تكتشفه المصادر المعنية، وتعتبره تحديا كبيرا امام لبنان في المرحلة المقبلة.
النهار