هل تستطيع إدارة أوباما سحب سورية من محور التشدد؟
زين الشامي
في الآونة الأخيرة سجلت العلاقة السورية – الأميركية اختراقاً جديداً تمثل في إعلان إدارة البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما سيعيد السفير الأميركي الى دمشق، وذلك بعد نحو أعوام أربعة من التوتر وشبه القطيعة بين البلدين على خلفية اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري.
بالطبع كانت الخطوة متوقعة في أعقاب سلسلة من اللقاءات التي أجراها مسؤولون أميركيون في العاصمة السورية كان آخرها وأهمها اللقاء الذي جمع جورج ميتشيل، المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، والرئيس بشار الأسد، وأيضاً كانت الخطوة متوقعة ومرتقبة في ضوء النهج الديبلوماسي الجديد الذي اختارته إدارة أوباما، أي النهج القائم على الحوار مع الخصوم والبحث عن نقاط ومصالح مشتركة. طبعاً كانت دمشق سعيدة بالخطوة، وقالت صحيفة «الثورة» الحكومية بعد الإعلان عن عودة السفير: «نحن اليوم أمام نقطة تفاؤل حقيقية». لقد كان السوريون ينتظرون هذا الاختراق بفارغ الصبر، خصوصاً بعد الصدمة التي تلقوها من إدارة الرئيس أوباما الذي جدد العمل منذ نحو شهرين في بعض العقوبات ضد دمشق، ويرجع ذلك جزئياً إلى ما تصفه واشنطن بالدور السوري في مساعدة مقاتلين على التسلل الى العراق.
بكل تأكيد فإن خطوة إعادة السفير لا تخلو من تطلع إلى أن تقوم واشنطن بدور أكبر في المنطقة، في الوقت الذي تعمل فيه على إصلاح علاقاتها بالعالم الإسلامي وبالدول العربية في الشرق الأوسط. لكن ما كان لافتاً على هامش هذا التطور أن مسؤولاً أميركياً شدد على أن الاضطرابات التي شهدتها إيران في أعقاب الانتخابات لا صلة مباشرة لها بقرار زيادة الروابط مع سورية! لقد كان واضحاً أن الإدارة الأميركية تريد أن تميّز في موقفها بين كل من سورية وإيران، رغم أن دمشق وطهران تجدان نفسيهما في موقع واحد.
مما لا شك فيه أن رغبة الرئيس باراك أوباما في إجراء حوار مع سورية تعكس سياسة جديدة لدى الإدارة الأميركية تقضي بإعادة دمشق إلى الساحة الدولية بصورة أكبر، هذا صحيح، وإلا لما شهدنا تلك اللقاءات المكثفة كلها بين مسؤولين أميركيين وسوريين، ولما اتخذ الرئيس أوباما قراره المتعلق بإعادة السفير، ولكن في الوقت نفسه فإن الإدارة الأميركية يبدو أنها ستراقب في ما لو كانت دمشق ستحدث التفاتة معينة باتجاه واشنطن ومطالبها، خصوصاً إذا كانت تملك الاستعداد والقدرة على التحرر من علاقاتها الوثيقة بإيران وجماعات تعتبرها واشنطن مجموعات إرهابية كـ «حزب الله» اللبناني وحركة «حماس».
ويبدو أن هذا أحد أهداف السياسة الأميركية الجديدة في ما خص الانفتاح على دمشق. وفي هذا الصدد، يقول ديفيد شنكر من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» لإنه «إذا تمكنت إدارة أوباما بشكل ما من توجيه عودة سورية الاستراتيجية للصف، بعيداً عن إيران وتجاه معسكر السلام، ستكون ضربة حقيقية للمتشددين في المنطقة».
بدوره، يشدد روبرت وود، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، على أن الإدارة الجديدة «نريد التواصل مع سورية، لكن لديها الكثير من بواعث القلق… ونريد انتهاج طريق جديد في الشرق الاوسط. ونريد التحاور مع سورية، لكن يتعين على سورية اتخاذ بعض الخطوات».
من ناحيتها، تتطلع دمشق إلى تكريس حالة الانفتاح عليها بعد أعوام من العزلة فرضتها الإدارة الأميركية السابقة، وهي فوق ذلك تطمح الى رؤية دور أميركي فاعل يضغط على إسرائيل ويعيدها إلى طاولة المفاوضات، وهي ترى في مثل هذا الانخراط الأميركي الذي طالما دعت إليه، مراراً، عاملاً ضامناً لها في تلك المفاوضات، نظراً إلى العلاقة التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل، عدا عن دورها كقوة عالمية مؤثرة.
وكان الرئيس بشار الأسد أعلن وردد أكثر من مرة أن المشاركة الأميركية المباشرة مسألة حيوية في أي محادثات سلام مع إسرائيل تهدف إلى ضمان عودة مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
وعودة إلى الموضوع المتعلق بموقع دمشق ضمن المحور المتشدد في المنطقة، فإن الكثير من المراقبين يرون أنه ربما يكون احتضان سورية لـ «حماس» وعلاقتها الوطيدة والداعمة لـ «حزب الله» في لبنان، إضافة إلى تحالفها مع إيران، ربما يكون ميزة في الوقت الحالي، ولكن قد يتحول إلى عبء إذا ما أظهرت الولايات المتحدة جدية تجاه اتفاق سوري إسرائيلي. وهذا أمر تدركه دمشق جيداً، بمعنى أنها تدرك أنها لا يمكن العودة إلى مفاوضات جدية مع إسرائيل على الجولان برعاية أميركية من دون تقديم أثمان.
وحقاً فإن هذه نقطة مربكة، لأن ثمة مخاوف لدى النظام السوري من التضحية بأوراق كبيرة ومهمة قبل أن يحصل على شيء مضمون وملموس، بل مجرد وعود، وفي الوقت ذاته، ثمة مخاوف من الإصرار على التشبث بمثل هذه العلاقات مع هذه النوعية من الحلفاء، فيما تنتظر الإدارة الأميركية الجديدة خطوات كبيرة منها تشجعها على الاستمرار والانفتاح على دمشق من خلالها تستطيع اسكات اللوبي الضاغط في الكونغرس والإعلام الأميركي غير المتحمس لمثل هذه الخطوات، بحجة أن النظام السوري مازال يراوغ، وهو نظام استبدادي وجل ما يقوله عن السلام ما هو إلا محاولة للهروب إلى الأمام وفك عزلته.
كاتب سوري