صفحات سورية

الطائفية بين الدين والسياسة

null

د.رشيد الحاج صالح

في السنوات القليلة الماضية صدر كثير من الكتب التي تناقش مسألة العلاقة بين الإسلام والطائفية. وقد ذهبت تلك الدراسات إلى أن الدين الإسلامي هو دين تسامح ومساواة بين الناس،
وأن الطائفية وصراعاتها، التي أخذ العالم العربي والإسلامي يحتقن بها، هي خروج عن الدين الإسلامي الحنيف وانحراف عن مبادئه السمحة. ولذلك دعت مثل تلك الدراسات إلى العودة للدين الإسلامي الحقيقي وتخليصه مما علق به من تأويلات وهرطقات وتحزبات حرفته عن الإسلام في صورته النقية حيث لاطوائف ولا مذاهب.

مشكلة مثل تلك الطروحات أنها تنظر إلى الطائفية على أنها ظاهرة دينية، وبالتالي فإن معالجتها أيضا تتم عبر إصلاح الدين، في حين أن الطائفية ظاهرة سياسية بامتياز. فهي نتاج للاستخدام السياسي للدين، وتعبر عن صراع المصالح الاجتماعية والسياسية بين فئات المجتمع وقواه السياسية والاجتماعية.

وهذا يعني أن عوامل انتشار الطائفية وتلاشيها، ازدياد أثرها أو انخفاضه، هي عوامل سياسية واجتماعية تعود إلى مدى تحرر المجتمع من عوامل تخلفه ومن حالة الحرمان الاقتصادي والسياسي التي يعاني منها. فالمشكلة الأساسية للطائفي ليس كونه جاهلا أو متعصبا بل كونه كائنا محروما اجتماعيا وسياسيا، ويعاني من ضغوطات ذلك الحرمان على وعيه وإدراكه لمستقبله. فالطائفي قد يكون قارئا محترفا ومثقفا ممتازا، ولكنه يعاني من زيف وعيه الديني والسياسي.

فالطائفية تجعل الشخص يكِّون وعيا زائفا يقوم على الحذر من الآخر والشك فيه والتوهم بأنه عدو، ولذلك فإن الطائفي يميل إلى كتم الأسرار الطائفية والمحافظة عليها وتناقلها بحذر. مثل هذا الوعي الزائف هو الذي يسمح للطائفي بإعطاء مشاكله الاجتماعية والسياسية طابعا طائفيا تجعله يعتقد أن الطائفة هي التي تحفظ له مكانته وكرامته وهويته، أو انه مستهدف لأسباب طائفية، دون إدراك أن الطائفية هي التي تقيده وتحرمه من حريته وكرامته وتجعله في وضع تناحر مع الآخرين، وبالتالي تدخله في صراعات زائفة قد تؤدي إلى تفكك مجتمعه.

هكذا نجد أن التخلص من الاحتقان الطائفي بحاجة إلى عمل سياسي وليس إلى عمل ديني أو فقهي أو دعوي. بحيث يتم حرمان السياسيين من الاستخدام الإيديولوجي للدين وتحويله إلى أداة يمرروا عبرها مصالحهم، ويخوضوا من خلالها صراعاتهم، ويصفوا عن طريقها حساباتهم.

فتعالوا نحرر الدين من السياسية حتى لا ننقسم إلى طوائف وحتى لا ندخل الدين كطرف في صراعاتنا ونحوله إلى شكل من أشكال الدينونة السياسية.

كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى