حول تعديل قانون “جرائم الشرف”
أصدر السيّد رئيس الجمهوريّة اليوم المرسوم التشريعي رقم (37) للعام 2009 القاضي بتعديل المادة رقم (548) من قانون العقوبات, الخاصة بإعطاء الأسباب المحلّة و المخففة لمرتكبي ما يسمّى زوراً و ظلماً و بهتاناً بـ جرائم الشرف.
التعديل الحاصل هو التالي: يلغى العذر المحل من العقوبة لمن “فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلها أو إيذائها أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد” و يستبدل بالعذر المخفف “على أن لا تقل العقوبة عن الحبس سنتين في القتل. كما تم إلغاء الترقيم (2) في القانون السابق القائل: “يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله و فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر”.
لقد كانت سوريا بحاجة لتعديل قانوني في هذا المجال, فالعدد السنوي لـ”جرائم الشرف” كان هائلاً, و قد وضعنا في مواقع صدارة “الرانكينغ” العربي و العالمي في هذا المجال, و هي صدارة لا نرغبها و لا تلائمنا كشعب ذو حضارة و فكر.
رغم أن هذا القرار جاء دون المراد من حيث اعتبار “جريمة الشرف” كأي جريمة قتل أخرى بنفس العقوبة, إلا أنه خطوة جيّدة إلى الأمام حيث ألغى “العذر المحل” و شرّع حداً أدنى للعقوبة وهي سنتان (كنا نتمنى أن يكون الحد الأدنى للعقوبة أعلى بكثير, كما جاء في نقاشات الملتقى الوطني حول جرائم الشرف العام الماضي), و الأهم برأيي كان إلغاء إعطاء السبب المخفف لمرتكب جريمة القتل بحجّة “الحالة المريبة”.
هناك سببان لشعوري بالارتياح “النسبي” لصدور هذا المرسوم, الأول هو أنه نتيجة جهد حقوقي و إعلامي و فكري متواصل على مدى سنوات عديدة من قبل العديد من المهتمين بالشأن الحقوقي العام, و قد كان عملاً فكرياً حضارياً بكل معنى الكلمة, و يسعدني أن هذا العمل قد حقق نتيجةً حتى لو كانت دون المرجو, فالعمل المكلل بإنجاز هو “سابقة” رائعة يمكن أن تشكّل منهجاً حضارياً لعمل المجتمع المدني السوري في سبيل تحقيق التقدّم و العدالة الاجتماعية في سوريا.
السبب الثاني هو أن المرسوم قد صدر منفصلاً دون أن يقترن بتشديد العقوبة على مرتكبي “الزنا”, و ليس ارتياحي لسبب قانوني إنما لاعتبار أنه لو صدر القراران بشكل مشترك لكان (نفسياً و على الأقل بالنسبة لي) و كأنه إقرار بأن السبب المحل لمرتكب جريمة القتل كان مبرراً لأن عقوبة الزنا خفيفة. أعتقد أن قضية عقوبة “الزنا” هي قضية منفصلة لا علاقة لها بما نتحدّث عنه الآن, فمناهضة قانون “الشرف” كان لموقف إنساني ضد تبرير القتل لأي سبب كان, و ليست لعقوبة الزنا دخل بهذا الموقف الإنساني, هي قضية أخرى منفصلة تماماً.
بطبيعة الحال فإن هذا المرسوم ليس إلا خطوة في طريقٍ طويل, ألا وهو طريق العدالة و المساواة الاجتماعية بين الجنسين في بلدنا, فالآن عندنا نص قانوني “لا يحل” جريمة الشرف, حتى لو لم يعاقبها بالشكل الكافي (على الأقل بالحد الأدنى, فهي تترك للقاضي هامشاً كبيراً), لكننا نعاني من واقع اجتماعي يدعم بشكل واسع هذه الجرائم, أو على الأقل يبررها, و إن كان القانون مهماً فإنه ليس كافياً. نحن أمام تحدٍ يحتاج إلى عمل هائل من أجل التوعية الشعبية, و هي قضية تربوي إلى حد كبير و تحتاج إلى تضافر كثيرٍ من الجهود من أجل الوصول إلى نتيجة جيدة.
لا يوجد شرف دون إنسانية, و القتل و تبريره لا يمكن أن يجتمعا مع أي مبدأ إنساني.. مهما كان السبب
و عمـــــــــــار يا بلد
عن مدونة “أمواج اسبانية في فرات الشام”