مواطن سوري يحلم بإصلاحات أمنية
مازن درويش
أذكر أني كتبت مقال بتاريخ 12/4/2005 حمّلته عنوان ( كفاكم إصلاحات أمنية ) انتقدت فيه التركيز الدائم من قبل المعارضة السورية و المهتمين بالشأن العام في سورية على فشل الإصلاح الاقتصادي و الإداري و الإعلامي الذي رفعت لواءه الحكومة السورية خلال السنوات الخمس السابقة و رحت أبعد من ذلك حين زعمت أنه قد تم التعاطي بعدم الإنصاف مع الحكومة السورية من قبل المعارضة و المهتمين بالشأن العام من خلال التعتيم بسوء أو بحسن نية على جانب هام في عملية الإصلاح نجحت فيه الحكومة السورية و باقتدار, ألا و هو الإصلاحات الأمنية, في ذلك المقال ضربت شواهد على وجود ” نوع ” من الإصلاحات الأمنية و طالبت بنفس الوقت بوقفها كما هو واضح من عنوان ذلك المقال .
و اليوم بعد مرور أكثر من أربع سنوات على ذلك المقال وبعد ( عشرة عمر , و خبز و ملح , و قهوة و زهورات و , و , و, مع الأجهزة الأمنية ) أدركت أني أخطأت أيّما خطأ في مطلبي بالكف عن الإصلاحات الأمنية . ربما لأني في ذلك الوقت كنت أطالب و أكتب و أنا مواطن سوري مقيم في الجمهورية الفرنسية . و الآن عندما أصبحت أطالب وأكتب و أنا مواطن سوري مقيم في الجمهورية العربية السورية أصبحت الإصلاحات الأمنية حلم حقيقي و مطلب يتقدم في الأهمية عندي حتى على مطالب الإصلاح الإعلامي و الاقتصادي و السياسي .
أحلامي و مطالبي الإصلاحية كمواطن سوري أكتسب خبرة رغما عن أنفه في هذا المجال , بسيطة و عقلانية و هي ممكنة أيضا و ليست كما سيظن البعض من أصحاب الظنون الآثمة تتنطّح إلى مستوى إلغاء الأجهزة الأمنية أو إنقاص عددها ” لا سمح الله “, و إنما بالعكس تماما مطالبي الإصلاحية تقضي بإحداث جهاز أمن جديد .
نعم جهاز أمن جديد يتبع كليا و نهائيا لجهة واحدة , يتولى هذا الجهاز مهمة إعداد سياسة أمنية واحدة موحدة واضحة المعالم و الأهداف و يشرف على تنفيذها و الالتزام بها من قبل جميع الأجهزة الباقية بحيث لا يكون لكل جهاز من الأجهزة أو حتى لكل فرع ضمن نفس الجهاز سياسة وطنية , أو خطة وطنية , أو رؤية وطنية , أو تفسير وطني , أو تأويل وطني , أو مصالح وطنية بشكل خاص و متفرد عن باقي الأجهزة . فتخيلوا مثلا لو أن هناك سياسة أمنية واحدة موحدة و ملزمة لجميع الأجهزة تجاه الإعلام السوري على سبيل المثال لا الحصر, كم كنا سنوفر مقالات و تحقيقات و برامج و مطبوعات مكدسة وغير قابلة للنشر أو للتوزيع . أو عندما يريد أحدهم مثلا إقامة نشاط معين و يحصل على موافقة رسمية من الجهة الحكومية المختصة و التي ” تستأنس” عادة برأي أحد الأجهزة فلا يعود من الممكن مثلا أن يلغي هذا النشاط جهاز أمن آخر لم ” تستأنس ” برأيه هذه الجهة الحكومية . و القياس على هذه الأمور يمكن أن يمتد ليشمل كافة أوجه الحياة في سورية .
و أيضا يتولى هذا الجهاز الجديد التنسيق بين الأجهزة الأمنية جميعها , بحيث يصبح لدينا نظام ” النافذة الأمنية الواحدة ” أسوة بالأخوة المستثمرين الذين أصبحوا يتنعمون بمزايا نظام النافذة الاستثمارية الواحدة , فتخيلوا مثلا لو أن المواطن الذي يريد الحصول على موافقة و لأي سبب كان ( السفر , افتتاح مطعم , طباعة كتاب. . . الخ ) يستطيع أن يتقدم بطلبه هذا ( طبعا مستوفيا لجميع الشروط ) إلى هذه النافذة الأمنية الواحدة . كم كنا نحن المواطنين و كذلك الدولة سنوفر جهدا و وقتا و مصاريف , أو تخيلوا مثلا عندما تقوم إحدى المنظمات المدنية بإصدار بيان أو تقرير أو أي نشاط ” الكتروني” آخر و يتم استدعاء القائمين عليها من قبل جهة واحدة فقط و هذه الجهة تقوم هي بإرسال التقارير إلى باقي الأجهزة بدلا من أن تتم الاستدعاءات من قبل جميع الأجهزة و جميع الأفرع التابعة لها و لنفس الموضوع.
و إذا أمكن ربما ينجح هذا الجهاز في مهمة وضع المقاييس و المواصفات السورية الموحدة للوطنية . وبذلك تنتهي و إلى الأبد مشكلة التضارب و الاختلاف في نتائج فحص دم المواطنين السوريين تبعا للمخبر الأمني الذي يقوم بإجراء فحص الدم . فلا يعود أحدنا مثلا هو ذاته و طني و عميل بنفس الوقت .
تخيلوا لو أن هناك جهاز أمن وطني , أو مكتب أمن وطني , أو مجلس أمن وطني يتولى هذه المهام و الكثير غيرها أيضا و يتبع تنظيميا و فكريا لجهة واحدة كليا و نهائيا , تخيلوا كم كانت ستكون الحياة أسهل . . .
كنت على الأقل كمواطن سوري مقيم في الجمهورية العربية السورية سأعيد قراءة مقالي هذا مرة واحدة فقط بعد كتابته و قبل نشره بدلا من إعادة قراءته عشرات المرات على عدد الأجهزة و الأفرع الأمنية .
مازن درويش
دمشق 28/6/2009
خاص – صفحات سورية –