الوحدة الاسرائيلية والنزاع الفلسطيني

محمد ابرهيم
قبل بضعة أشهر كان المراقب للتطورات السياسية الاسرائيلية والفلسطينية يمكنه ان يتوقع مستقبلا اسرائيليا، من الانقسام، ومستقبلا فلسطينيا، من التوحد.
فقد اتت نتائج الانتخابات الاسرائيلية معاكسة للمناخ الدولي الذي اشاعه وصول باراك أوباما الى الرئاسة الاميركية.
وبدا ان الخلافات بين الاحزاب الاسرائيلية عصية على التجاوز في معظم الملفات، وعكس ذلك نفسه في فشل المحادثات لتشكيل حكومة اسرائيلية ائتلافية.
في المقابل كان لحيازة اليمين اكثرية مقاعد الكنيست الاسرائيلية ردود فعل عربية مبشرة بتجاوز صراعات الاعوام الاخيرة العربية – العربية.
وكان بديهيّاً ان يشعر الفلسطينيون مرة اخرى بالخطر الداهم فيعجلون في تجاوز خلافاتهم ويستعيدون وحدتهم طالما ان جوهر الخلاف لم يعد تسوية غير مطروحة اصلا.
هذه التوقعات المنطقية، اين نجدها اليوم؟
في تصريح اخير حيا الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لانه “نجح في توحيد الامة خلفه”.
وقبل ذلك بأيام كانت المفاوضات الفلسطينية – الفلسطينية تتعثر في القاهرة للمرة… فكيف وصلنا الى هنا؟
منذ حاز اليمين الاسرائيلي على الاكثرية في الكنيست والموضوع الجوهري، اسرائيليا، هو العلاقة مع الولايات المتحدة وكيف ينبغي ادارتها.
وعلى هذا الصعيد بدا وكأن هناك عقبتين لا يمكن تجاوزهما في هذه العلاقة: مبدأ دولتين لشعبين، اسرائيل وفلسطين، ومبدأ تجميد الاستيطان.
في البداية ظهر وكأن انضمام حزب العمل الاسرائيلي بزعامة ايهود باراك الى حكومة برئاسة نتنياهو، ضربا انتهازيا محضا لباراك الذي لا يريد مغادرة وزارة الدفاع.
لكن تدريجيا تبين انها الخطوة الاولى في اتجاه اعادة لملمة الاحزاب الاسرائيلية الأساسية خلف سياسة واحدة، بالعلاقة مع الولايات المتحدة.
ومنذ ان نطق نتنياهو بتعبير، دولة فلسطينية، والمواقف الاسرائيلية تتقارب حول الشروط التي طرحها نتنياهو للقبول بها: من اعتراف الفلسطينيين بالطابع اليهودي لاسرائيل الى آخر القيود التي ستفرض على الكيان الفلسطيني المستقبلي.
وفي موازاة ذلك لم نعد نعرف كيف نميّز بين مواقف الاحزاب الاسرائيلية من الاستيطان، واذا كلها تصطف حول تعبير “النمو الطبيعي” باعتباره الخط الاحمر الذي لا يمكن التراجع عنه، لكن مع ايحاءات اخيرة بان البحث مفتوح حول الثمن العربي، وليس الفلسطيني، المطلوب للفظ الكلمة السحرية الثانية، بتحميد الاستيطان، بعد القبول بمبدأ الدولتين.
وكان من التعبيرات عن حالة التلاقي التي تشهدها الحياة السياسية الاسرائيلية النصيحة التي وجهها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لنتنياهو باستبدال افيغدور ليبرمان بتسيبي ليفني في وزارة الخارجية، مما يشير الى الاتجاه المقبل نحو حكومة ائتلافية اسرائيلية حقيقية طالما ان الخلافات بين “ليكود” و”كاديما” هي في طريقها الى الاضمحلال.
في الاشهر نفسها تبدد زخم الدعوات العربية، وخصوصا الفلسطينية في اتجاه استعادة وحدة الموقف وتاليا وحدة المؤسسات.
وكان غريبا ان تنتهي اشهر محادثات الوحدة الفلسطينية، باتهامات متشابهة متبادلة بين “فتح” و”حماس” وقوامها ان كل طرف يحضر لاعمال تخريبية في “دولة” الطرف الآخر. وانه في الوقت المناسب سيتم الكشف عن كل شيء.
ضاعت صيحات الخطر الذي يمثله وصول اليمين الى الحكم في اسرائيل، مثلما ضاعت معها صيحات الدعوة الى تجاوز الخلافات من اجل اطلاق عملية اعادة اعمار غزة. وبدأ يرسب في الوجدان الفلسطيني والعربي ان الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني يقترب من التحول “ظاهرة طبيعية” بغض  النظر عن الظروف المحيطة به.
تفسير الحالة الفلسطينية باستمرار الانقسامات العربية، والاسلامية، لم يعد كافيا، لانه على هذا الصعيد هناك حد ادنى من التحرك نحو التوافق لا ينعكس، فلسطينيا.
والتفسير الآخر باختلاف برامج الطرفين المسيطرين في غزة والضفة الغربية لم يعد كافيا، لان الفلسطينيين ليسوا في وارد الخلاف على اي عرض.
لم يبق مسوى التفسير “التنظيمي”، اي ان مصالح الطرفين الفلسطينيين باتت متجذرة الى حد احباط اي محاولة توحيدية، اما الباقي فذرائع وتكتيكات لحماية الموقع، فيما الخطط الفعلية هي خطط “العودة”، بالقوة طبعا، كل الى… “دولة” الآخر.
النهار