شعرة معاوية
سعد محيو
دمشق في أبهى أيامها هذه الأيام. ف”البعبع” البوشي الذي قضّ مضاجعها وكان يخطط بالفعل للقفز إليها من بغداد عام ،2003 لتغيير نظامها، رحل مصحوباً بلعنات الأمريكيين كما العرب، وحلّ مكانه في البيت الأبيض “بابا نويل” أسمر يحمل في جعبته الكثير من الوعود والأماني لها.
وهذا، على مايبدو، ما دفع الرئيس بشار الأسد إلى تخطي البروتوكولات الرئاسية بين الدول، ليوجّه عبر محطة تلفزيونية دعوة إلى الرئيس أوباما لزيارة دمشق. كما أن هذا ما شجّع دمشق على إدخال تغييرات جذرية على مجمل سياساتها الإقليمية، لم يتردد بعض المحللين في وصفها بأنها “انقلابية”:
1- فهي، وربما للمرة الأولى منذ ثلاثين سنة، لم تتدخل في الانتخابات اللبنانية، على رغم أن القاصي والداني يعرف أنها لو استخدمت نفوذها ورمت بثقلها إلى جانب حلفائها المفترضين (والسابقين) في فريق 8 آذار/مارس، لما رأى انتصار 14 آذار/مارس الانتخابي النور.
وهي قطعت على ما يبدو شأواً بعيداً في تنسيق المواقف مع الأمريكيين في العراق. إذ تتردد معلومات الآن عن أنها حصلت من الولايات المتحدة على “أوراق اعتماد” جديدة في بلاد الرافدين، تتمثل بزيادة وتدعيم النفوذ السوري فيه لموازنة النفوذ الإيراني، من ناحية، ولمكافأة دمشق على الجهود التي بذلتها في وقف تدفق المقاتلين “الجهاديين” والأسلحة إلى العراق وفي دعم الخطط الأمنية العراقية- الأمريكية هناك، من ناحية ثانية.
وعلى رغم أن طبيعة النفوذ السوري الجديد الذي سيُسمح به في العراق لما تتضح بعد، إلا أنه من المؤكد أنه سيرضي دمشق إلى حد كبير على المستويين السياسي والاقتصادي. ففي المستوى الاول، سيشكل ذلك اعترافاً امريكياً كبيراً بالدور الإقليمي السوري في منطقة المشرق العربي، بعد ان كانت إدارة بوش السابقة قد اتخذت قراراً بإعدام هذا الدور. وعلى المستوى الاقتصادي قد تقطف دمشق ثماراً يانعة في العراق بسبب ثراء هذا البلد وفرص الاموال الطائلة التي ستصرف هناك في مجالي الأمن وإعادة الإعمار.
وفي الشأن الفلسطيني، بات واضحاً أن التغيرات التي طرأت على مواقف حركة حماس حيال الحوار مع فتح، وما رافقه من تجاوب مع المبادرات المصرية المدعومة من إدارة اوباما، كانت حصيلة النفوذ الذي مارسته سوريا على الجناح الدمشقي لهذه الحركة. وهذا ما منح هذه الأخيرة (bonus) علاوة إضافية جديدة لها قد تترجم نفسها قريباً في شكل تشجيع واشنطن للرئيس محمود عباس على منح السوريين نفوذاً أكبر في الشأن الفلسطيني، لكن هذه المرة كوسيط لا كطرف في الصراع على السلطة بين فتح وحماس.
والحقبة التي تعود إليها سوريا هي نفسها التي بلور استراتيجياتها الرئيس الراحل حافظ الأسد، والقائمة على منطق رجل الأعمال الدمشقي البراغماتي الشهير: جعل سوريا “بيضة القبان” في كل/وأي صفقة تجري في المنطقة. وهذا ما سمح لسوريا خلال ثلاثة عقود عاصفة أن تكون في آن في كل محاور المنطقة المتصارعة (إيران، السعودية، مصر.. الخ) وأن تجبر الجميع على دفع الفواتير لها.
“ليالي زمان” رجعت الآن. وعلى رغم أن العديد من حلفاء دمشق لن يعجبهم هذا المنحى الجديد- القديم، إلا أنه سيعجب حتماً معاوية بن أبي سفيان الذي حوّلت “شعرته” دمشق ليس إلى بيضة قبان وحسب، بل إلى عاصمة إمبراطورية شاسعة أيضاً.
الخليج