لماذا الفن حيوي للحرية ؟
ديان كاميرون
في الرابع من تموز، بينما يفكّر الأميركيون في الحرية ويتساءلون عن تكاليفها، فكّروا في لحظة من المستقبل لا يكون فيها الفن مسموحاً.
لنأخذ على سبيل المثال فيلم الخيال العلمي الكلاسيكي “فهرنهايت 451” الذي وصف فيه راي برادبوري مستقبلاً تُحظّر فيه حكومة توتاليتارية الفنون والكتب. فردّ الفنانون في ذلك المستقبل بحفظ الكتب وتخزينها بالمعنى الحرفي للكلمة في أذهانهم. يراوح الجدل الذي ينشأ حول الحرية الفنية من الرسوم والأفلام إلى الكتب المحظورة والأفلام الاستفزازية. إنه أمر مفاجئ أحياناً في الديموقراطية، لكن يمكن القول إن رغبة الحكومات في السيطرة على الفنون تنبع من خوفها من قوة الحقيقة في الفن.
من أجل أن نفهم الأهمية الفعلية للفنانين في السياسة، يكفي أن نتذكّر كمبوديا وروسيا وتشيكوسلوفاكيا والصين. في تلك البلدان، كما في أميركا اللاتينية، المواطنون الأوائل الذين أُرسِلوا إلى السجن أو “معسكر إعادة التثقيف” كانوا الفنّانين.
ليست مصادفة أن الحكومات القمعية تطارد في معظم الأحيان الشعراء والرسّامين والكتّاب المسرحيين. يخلق الإحساس الفني ومزاولة الفنون لدى الشخص عادةَ طرح الأسئلة، وعندما تكون البنية السياسية هشة، يطرح الفنانون الأسئلة الصحيحة، ويمكن أن يُسقِط فنّان واحد البنية بكاملها. هذا ما فعله بابلو نيرودا في التشيلي، فقد استخدم الشِعر والخيال لتقويض النظام وإطاحته في نهاية المطاف، كما استخدم فاكلاف هافل المسرحيات والقصائد للأغراض نفسها في تشيكوسلوفاكيا السابقة.
في الولايات المتحدة، لا نقتل الفنانين لكننا نملك أسلحة ثقافية خاصة لقتل أعمالهم: نخفّض مكانتهم، ونقلّص مساهماتهم إلى الحد الأدنى، ونقطع عنهم التمويل. ونحط أيضاً من قدر الفنّانين عبر التلميح إلى أن آراءهم هي خارج الموضوع. وهذا غير منطقي.
نمنح الشرعية للمحامين والأساتذة، وندع قادة الأعمال يعبّرون عن وجهات نظرهم حول مسار الأمور، لكننا نحجب هذا الاحترام عن أولئك الذين يتمتّعون بالمهارة الأكثر تطوراً في التعامل مع الكلام والصورة. فكّروا في هذا: هل كان بيكاسو خارج الموضوع؟ وتولستوي؟ ودوستويفكسي؟ وسولجينتسين؟
أخذ البيت الأبيض انتقادات سولجينتسين للحكومة السوفياتية على محمل الجد بينما كانت واشنطن تطوّر استراتيجيتها وسياستها حيال الاتحاد السوفياتي السابق. قال ذلك الشاعر والروائي الشهير في كلمته في حفل توزيع جوائز نوبل “الفن هو لمحاربة الأكاذيب والحفاظ على تاريخ المجتمع المعنوي من دون خطاب البيروقراطيين الانتقالي الذي يحطّ من القدر”.
كتب الفيلسوف السياسي الكبير، إدوارد سعيد “اللغة تطيع، تتبع السلطة، لكن الفن لا يطيع، فهو يتكلّم جهاراً ويعارض”. يوفّر الفن تبايناً مع الرسائل الطاغية في ثقافتنا كي نتمكّن من رؤيتها بوضوح.
لدينا مثل رائع يجسّده الفنّان الأميركي المحبوب نورمان روكويل الذي استخدم عمله للتعليق على المسائل المدنية والاجتماعية والسياسية. أثارت رسومه على أغلفة مجلّتَي “ذي ساتورداي إيفنينغ بوست” و”لوك”، أسئلة استفزازية عن تأثير الحرب واللاتسامح الديني والحقوق المدنية والفقر في أميركا.
تسمح الفنون بتركيز الفكر والعواطف. يرى الفنّانون الحقائق الكامنة ويعكسونها لنا. يمسك الفنّانون بقمصاننا من الأمام ويحملوننا على النظر.
سواء كان الفنّانون على حق أم على خطأ، سواء كانوا يزرعون البهجة أو يسبّبون الإزعاج، إنهم يحملوننا على التفكير. والتفكير هو الذي يقع في صلب المواطنية في النظام الديموقراطي، ويشكّل المقتضى الحقيقي لهذه المواطنية.
يدعونا الفنّانون إلى رؤية الأمور على حقيقتها وتخيّل ما يمكن أن يكون. في الرابع من تموز، عندما نفكّر في الأشياء التي تصون حريتنا – القوانين والحروب، المحاكم والمرشّحون – يجب ألا ننسى أن الفن هو أيضاً جزء منها.
“كريستشان ساينس مونيتور”
ترجمة نسرين ناضر
(كاتبة مستقلة)
النهار