التدوين والمدونون في سورية وفضاء الحرية المأمول
موريس عائق
أنا أدوّن إذاً أنا موجود وعذراً من ديكارت!
أدون لأنني أريد أن يكون لي مكان في هذا العالم
الرغبة في تشارك الأفكار والآراء وتلقي النقد من أجل السعي للأفضل
إحدى الطرق الفعالة التي ستمكنني من تحقيق حلمي في يومٍ ما
تلك كانت بضعة أجوبة عن سؤال طرحناه على عدد من المدونين السوريين الشباب عنوانه يتركز على سبب امتلاكهم لمدونة أو سبب انغماسهم بـ… “التدوين”!
والمدونة ببساطة هي موقع على الانترنت يتميز بأنه تفاعلي، أو صفحات في هذا الفضاء الافتراضي تتم إدارتها غالباً بطريقة سهلة عبر شخصٍ واحد، تسمح لكل من يستطيع الدخول على الانترنت أن ينشأ فضاءه الخاص ويضع ألوانه الخاصة وأفطاره بطريقة مجانية، وتتنوع محتويات المدونة من مدونات نصية إلى مدونات بصرية وصوتية وتالياً يمكن أن يعطي عنواناه الالكتروني لأياً كان في أي مكان من العالم بحيث يدعوه لزيارته… “الكترونياً طبعاً”.
في عام 2004 كان هناك 4 مدونات تعلن أنها مدونات سورية، ومع ظهور مواقع عالمية تقدم خدمة التدوين باللغة العربية بدأت تزداد شيئاً فشيئاً ولكن بشكل بطيء إلى أن حدثت الزيادة المطردة في عدد المدونات السورية مع عام 2008…
قصة النمو المطرد يرويها المدون الاسترالي نايثن جوزف الذي يملك مدونة شهيرة باللغة العربية وله نشاط في متابعة التدوين العربي عموماً منذ بداياته، إذ يرى نايثن أن تزايد مقاهي الانترنت أتاح فرصة أكبر للشباب السوري لاستخدام الانترنت استخدامات متنوعة ومنها المشاركة في منتديات النقاش الالكترونية… لكن المنتدى عموماً يقبع تحت مظلة صاحه وأهدافه وآراءه وقوالبه. وأياً كان اتساع المنتدى للرأي الآخر إلا أن لوناً واحداً يبقى هو اللون الطاغي. ومع تزايد الضغوط حتى على المنتديات بداية 2008 بدأ الشباب يبحثون عن مساحة أوسع من المنتديات للتعبير عن أفكارهم وليكون لهم لونهم الخاص فحصل ما يشبه الهجرة من المنتديات إلى المدونات الشخصية…
يقول المدون أحمد الأشقر: كنتُ أكتب المقالات المتنوعة في بعض المنتديات السورية, لكن المشكلة التي واجهتها أن المنتديات لها توجّه لا تستطيع كعضو مشارك الخروج عنه مهما ادّعى هذا المنتدى الحيادية مما سبب لي العديد من المشاكل, فبالنسبة لمنتدىً ما تُعتبر مقالتك (سياسية) أكثر من اللازم, ولمنتدى آخر (متشددة أكثر من اللازم) ولمنتدى ثالث (مُنفتحة أكثر من اللازم) وهكذا دواليك مما سبب لي العديد من المشاكل مع بعض المنتديات فقررتُ الانتقال حينها إلى التدوين وأنشأتُ مدونتي التي أستطيع فيها نشر جميع أفكاري ضمن حرية كاملة وأسمح أيضاَ لجميع القراء بنشر تعليقاتهم بحرية كاملة كذلك.
التدوين في سورية
هناك شبه اجماع بأن ظاهرة التدوين ما زالت محدودة في المجتمع السوري عموماً، فعدد المدونات السورية قليل ولم يتخطى المئات مقارنة مع المدونات الأرنية مثلاً… يعتقد المدون عمر مشوح، مؤسس مدير تجمع المدونات السورية (المدون) أنه في هذه السنة زاد عدد المدونين وانتشرت ثقافة التدوين وأصبح هناك وعي لدى مستخدمي الإنترنت بأهمية التدوين وفوائده. لكن تأثير المدونات السورية مازال محدودا بحسب عمر لعدة عوامل، أولها وأهمها حجب المواقع التي تقدم خدمة المدونات المجانية، ما أدى إلى تقلص مساحة التدوين. وثانيها مشكلة تكلفة الإنترنت وضعف خطوط الاتصال من داخل سورية، مما أدى إلى صعوبة انتشار ثقافة التدوين وبطء انتشار المدونات وتفاعل المستخدمين معها.
فيما ترى المدونة فرح ميداني أن الكثيرين من المدونين السوريين يعبرون عن أفكارهم دون الالتزام بخطوط حمراء، وهذا الانجاز شرف لنا. والانجاز الآخر واضح بظهور كتاب شباب لديهم مواهب متعددة على مستويات مختلفة لم يُتاح لها الظهور على أرض الواقع وما زالت تتخبط في حيطان الشبكة الالكترونية الافتراضية على أمل أن تمد رأسها للواقع فيراها الجميع.
أما أحمد الأشقر فيعتقد أن أهم ما استطاع التدوين أن يحققه هو قدرته على إثبات وجوده وفعاليته خلال فترة قصيرة للغاية وهذا ما نلاحظه من خلال انتشاره حول العالم بتسارع وتنامي كبيرين.. فأصبح بمقدور أي شخص أن يملك مساحة ما في هذا الفضاء الإفتراضي ليقول فيها ما يشاء ويكون مسؤولاً عما سيقوله أو يدونه.. وبات للكثير من المدونيين تأثير كبير وواضح على واقعهم الإجتماعي إما من خلال المظاهرات التي دعوا إليها.. أو من خلال الحملات التي أسسوها وشاركوا فيها.. أو على الأقل من خلال تحريك الرأي العام وهذا ما حدث في إضراب 6 أبريل في مصر.. أما على صعيد المدونيين السوريين فأعتقد أن قلة عددهم كان له الأثر الواضح في قلة نشاطاتهم وإنجازتهم .. فلو قارنا على الأقل في منطقة الشرق الأوسط بين حجم التدوين السوري ومدى تأثيره في المجتمع وبين حجم التدوين الإيراني مثلاً أو التركي لوجدناه غير ذي ذكر ..
لماذا ندون؟؟
ونعود هنا لسؤالنا الأول عن معنى التدوين ومغزاه ودوافعه لنسأل مدونين سوريين عن تجربتهم الشخصية وآرائهم الفردية وظروفهم المتنوعة دون أن ننسى معرفتهم وخبرتهم بهذا الفضاء العنكبوتي المدعو الانترنت… فلماذا ندون؟
وتأتي الإجابة الأولى من المدون المدعو (علوش) ليقول: أدون لأنني أشعر برغبة في الإنتاج والمشاركة، مشاركة ما لدي من قصص وتجارب ومعلومات وخبرات، رغبة في أن يكون لي دور في اغناء محتوى الانترنت، أدون لأنني أريد أن يكون لي مكان في هذا العالم. ويوضح علوش؛ الرغبة الشخصية بالتميز والتفرد وفكرة امتلاكك لزاوية خاصة بك، تخربش فيها كما تشاء، هي فكرة لا يمكن مقاومتها… فكرة أن تتحدث إلى الناس عن همومك ومشاكلك، عن مرضك وتجربتك الشخصية معه، عن أفراحك ومراحل حياتك، عن رأيك ثم انتظار ردود الفعل، هي أيضاً فكرة لا تقاوم، للتدوين إغراء حقيقي.
فيما تقول المدونة فتوشة: “إحدى أحلامي الكبيرة أن أستطيع تغيير شيء ما إلى الأفضل في مجتمعي، لا أعتقد بأنني إلى اليوم استطعت التأثير في المجتمع الضيق المحيط بي بالطريقة التي أريدها، لأسباب كثيرة، في المدونة أجد نفسي مرتاحة أكثر، أستطيع أن اكتب كما أريد وبالطريقة التي أريد.. لذلك أجد المدونة هي إحدى الطرق الفعالة التي ستمكنني من تحقيق حلمي هذا في يومٍ ما …. أتمنى!”
أما عمر مشوح فيرى أن المدونة تعبر عن كيان الشخص ووجوده والشعور بقيمته المعنوية من خلال هذا التدوين الذي لا سلطة لأحد عليه. فيما تظن فرق ميداني ان السبب ربما يكون الرغبة في امتلاك المدن عالم يقول فيه ما يريد ويفعل ما يريد، فيكون ملكه وحده.
التدوين باختصار تواصل وتفاعل وتبادل… ولكن لماذا هذه الرغبة في التواصل من خلف الشاشة؟؟؟ لماذا لا نلبي رغباتنا تلك كلها بشكل مباشر ومادي أكثر؟؟؟ يجيب المدون أحمد الأشقر: الكثير من المدونين لهم حياتهم الاجتماعية ودائرة تواصلهم الخاصة ولكن مهما اتسعت هذه الدائرة ستبقى محدودة نسبياً مقارنة بدائرة التواصل الإفتراضية التي تتكون عبر الانترنت.. فهنا فرص التعارف والتخاطب مع أشخاص من ذوي التوجه الثقافي الموحد كبيرة للغاية مقارنة مع التواصل المباشر في الحياة اليومية والتواصل الالكتروني لا تحده المسافات ولا الجغرافية وهذا ما يحققه التدوين وتجمع المدونيين، فهؤلاء بالنهاية هم أشخاص يملكون فكراً أو فكرة أو مستوى ثقافي معين يلتقون مع بعضهم على صفحات المدونات، لينشروا إبداعاتهم وأفكارهم وآرائهم إلى أكبر قدر ممكن من الأشخاص ..
من حيث الشكل يتميز التواصل المادي بميزات مهمة كطريقة الجلوس وإسلوب النقاش واستخدام الصوت والحركات وهذا ما نفتقده في التواصل الإفتراضي. ولكن من ناحية أخرى ومن حيث المضمون فإن الكثير من المواضيع التي يتجنب النقاش بها في الحياة العادية تجدها موجودة على الإنترنت.
من هو المدون؟؟؟
لكن هل تبقى ممارسة حرية التعبير هذه والتحكم بفضاء الانترنت حكراً على فئة معينة من الناس… هل هم فقك التقنيون العارفون بخبايا الانترنت والكومبيوتر؟ هل هم أصحاب الأعمال التي تفرض عليهم التواصل مع الانترت؟ هل هم المفرغون أو من يمتلكون وقت الفراغ الأكبر الذي يتيح لهم البقاء لساعات وساعات على أمام شاشات الحاسب؟؟؟؟ فمن هم المدونون في سورية إذاً؟
يشرح عمر مشوح أن التدوين ليس مهنة محددة للشخص لا يستطيع أن يقوم بغيرها، بل التدوين أساسا انطلق كمهمة ثانوية لمستخدم الإنترنت يسجل فيها يومياته وأفكاره ومواقفه. وبالتالي فالمدون قد يكون مستخدما لمواقع الإنترنت الأخرى وقد يكون مشاركا في منتديات الحوار .. وقد يكون يعمل بالتجارة على الإنترنت، وفوق كل هذا يمكن أن يكون مدونا أيضا!
فيما يقول المدون “علوش” ما يميز المدون عن غيره من مستخدمي صفحات الويب، أنه هو نفسه يغني الشبكة العالمية بالمحتوى، فهو لا يكتفي بالاستهلاك، هو منتج حقيقي للمعلومات، وفي حال كان المدون إنسان جدي ومسؤول، ستكون المحتويات التي ينشرها غاية في الأهمية.ويضيف أن أغلب المدونين لا هدف ربحي لهم، فكل ما يهدفون من خلال طرحهم لأفكارهم ومعلوماتهم هو مشاركة الفائدة والمعرفة أو بكل بساطة إشباع حاجة الحديث مع الآخر والحوار معه حول قضية معينة.
في المقابل هناك مدونين يتخذون على عاتقهم قضية ما، ربما بيئية أو اجتماعية أو سياسية، ويسعون لطرح وترويج أفكار معينة في مجتمع ما، فتكون مدونتهم عبارة عن متابعات شخصية حول الموضوع الذي اختاروا أن يتبنوه.
فيما تعتبر المدونة فرح ميدان أن المدون شخص يريد أن يُوصل صوته وأفكاره للعالم بطريقة ما، ومن التعميم برأي أن نعرّف المدون دون أن نكون على معرفة بمدونته، لأنه وعلى رغم أننا نستطيع القول بأن المدونات هي الميكرفون الذي ينطلق منه المدون، وأنه الشخص الذي يحمل أفكار وتجارب يريد أن يطرحها على الجميع، إلا أنه أحياناً يكون صوته نشازاً لا يطرب الكثيرين.
وبالتالي هو يختلف عن باقي مستخدمي الأنترنت بأنه قد يقول للأعور أعور في عينه أو أن يكون أبو جندل ومع السوق بيسوق وبهذا لا يوجد تعريف محدد.
وأخيرا تخلص المدونة فتوشة بالقول: المدون شخص طبيعي، له عيون وأنف وفم ….
موقع آرام