“المتآمر” أوباما يكتشف السر الإسلامي
سعد محيو
هل باراك أوباما مسؤول عن فوضى السلطة الراهنة في إيران؟
أجل، لكن ليس لأنه “متآمر” يتدخل في هذه الأزمة، كما يقول المحافظون الإيرانيون، بل أنه لا يتدخل.
وهذا الأمر، أي اللاتدخل، ليس مصادفة تكتيكية عابرة بل قرار استراتيجي أمريكي اتّخذ ربما على أعلى المستويات، بعد أن اكتشف الأمريكيون أنه كلما كان تدخلهم يزداد إبان عهد جورج بوش، كلما كانت قبضة المحافظين الإيرانيين على السلطة تزداد بدل أن تتناقص، وتتمتن بدل أن تتآكل.
ويبدو أن المحافظين الإيرانيين أدركوا المخاطر الجمة الناجمة عن هذه الاستراتيجية الأمريكية “الناعمة” الجديدة، سواء على الصعيد الخارجي أو الداخلي، فاتخذوا قرارهم الخاطئ بإعادة “تعيين” أحمدي نجاد رئيساً، بهدف دفع الأمريكيين إلى التخلي عما يعتبره ولي الفقيه خامنئي وأنصاره قفازات مخملية تُخفي تحتها قبضات قاتلة.
بيد أن استراتيجية أوباما سجّلت نجاحات باهرة، فيما استراتيجية خامنئي تعثّرت لسبب مهم: قوى المعارضة الإيرانية، وعلى رغم معرفتها بدوافع قرار خامنئي لدعم نجاد، لم تكن قلقة أو خائفة من التدخلات الخارجية، لأن موقع إيران الإقليمي والجيواستراتيجي بدا صلداً وقوياً ولايجابه تحديات وجودية كما كان الأمر إبّان عهد بوش.
هذا التطور كشف بشطحة قلم كل ديناميات القاعدة الذهبية في العالم الإسلامي: كلما كان ثمة تدخل أو تهديد خارجي، ازداد تصلّب شرايين الإصلاح في هذا العالم. وكلما ابتعد هذا التهديد، تعززت فرص وصول الحرب الأهلية المندلعة بين “التقليديين” بزعامة الغزالي وابن تيمية وبين “الحداثيين” بقيادة ابن رشد وابن طفيل إلى نتائج إيجابية لمصلحة هؤلاء الأخيرين.
وكما هو معروف، هذه الحرب تدور رحاها منذ القرن الثالث عشر حين انتصر الفقهاء المحافظون على الفلاسفة الاسلاميين العقلانيين وأغلقوا باب الاجتهاد، بحجة أن هذا الأخير يقسم الأمة ويسّهل اختراقها من القوى الخارجية.
وعلى رغم انتصار التقليديين، إلا أن السجالات والصراعات لم تتوقف، وهي كانت تأخذ في الكثير من الاحيان شكل “الحرب حول الإصلاحات”. وقد وصلت هذه الحرب التي كانت باردة أحياناً وساخنة أحياناً أخرى (كما حدث حين سمّم محمد علي باشا في مصر مئات المماليك بسبب مقاومتهم للإصلاحات)، إلى ذروتها مع غزو نابليون بونابرت لمصر. فقد شكّل هذا الغزو بداية هجمات شاملة شنهّا التحديثيون على معاقل التقليديين، في الوقت نفسه الذي كانوا يحاولون فيه التخلص من السيطرة الاجنبية على بلدانهم.
وفي العصور الحديثة أصيب الحداثيون الإسلاميون بنكسات متلاحقة على يد زعيم الحداثة الغرب، إلا أن هذا لم يعن أن الحرب الأهلية وضعت أوزارها. وكيف لها أن تفعل ذلك، فيما هذا الصراع لم يحسم بعد على مصير مليار و200 مليون مسلم في العالم؟
ماذا يعني كل ذلك؟
إنه يعني أن إيران (وكل العالم الإسلامي في الواقع) في حال حروب أهلية داخلية. لكن هذه الحروب لا تجري في فراغ، بل في حضن بيئة خارجية يسيطر عليها الغرب. ومحصلات هذا الصراع التاريخي تعتمد بالدرجة الأولى على طبيعة هذه البيئة الخارجية وتوجهاتها.
ويبدو أن باراك أوباما وصحبه اكتشفوا أخيراً سر هذه القاعدة الذهبية، وهم الآن يستخدمونها لصالحهم، وبنجاح مُلفت.
وهذه ليست مؤامرة، بل حذاقة.
الخليج