كما في موسكو… كذلك في طهران
حسام عيتاني
تثير التشابهات بين الانظمة الشمولية الدهشة في بعض الاحيان. وتصل الى حدود النسخ الكامل من دون تنقيح او تعديل.
قد لا نحتاج الى قراءة جديدة لمؤلف حنة ارندت حول «اسس التوتاليتارية» للتعرف الى خطوط التوازي بين نظامين ترتفع بينهما اسوار ايديولوجية عالية، على ما يبدو من النظرة الاولى، لكنهما يتشاركان في الاسس الاجتماعية والممارسة السلطوية، على ما بينت ارندت في تشريحها للحكمين الستاليني والنازي.
كانت المحاكمات الصورية تشكل الوسيلة الاهم في سرد المعارضين لاعترافاتهم بالخيانة والعمالة والتجسس لمصلحة الاجنبي، على ما حفلت به محاكمات موسكو الشهيرة في الثلاثينات، والتي جعل منها ستالين ما يوازي «الألعاب» في الزمن الروماني حيث يبتهج الجمهور بافتراس الوحوش المجرمين، كما المعارضين السياسيين ولاحقا المؤمنين المسيحيين الاول، في احتفال دموي تضمن السلطات فيه انتشار الخدر في وعي الجمهور.
اما المتهمون في محاكمات موسكو الذين كانوا يدلون باعترافات يبدو بعضها مستلا من خرافات الاولين او من روايات بوليسية هابطة، فيعلنون رغبتهم في الوقوف امام فرقة الاعدام او لف حبل المشنقة حول رقابهم بأيديهم، جزاء لهم على خيانتهم القائد والحزب والثورة، وهي «خيانات» لم يثبت حصول اقل من القليل منها، بحسب ما تبين في الدراسات التاريخية اللاحقة.
منذ بضعة عقود، طرأت تعديلات طفيفة على اسلوب قبض الحكومات التسلطية على خناق شعوبها. وتماشيا مع تكنولوجيا العصر، راح المعتقلون السياسيون يدلون باعترافاتهم عن جرائمهم الشنيعة المفترضة، امام كاميرات الفيديو لتُسجّل على اشرطة تبث التلفزيونات الرسمية بعضها وتحتفظ الاجهزة الامنية ببضعها الاخر لمناسبات مقبلة، بحسب ما تقول شيرين عبادي في مذكراتها.
اول غيث الاعترافات المنتظرة جاء على لسان نائب الرئيس السابق محمد علي ابطحي الذي اقر بعدم حصول تزوير في انتخابات الثاني عشر من حزيران (يونيو) الماضي، وماشاه في اعترافه الوزير السابق بهزاد نبوي وعدد من المسؤولين السابقين المعتقلين. مؤيدو الرئيس محمود احمدي نجاد سيستخدمون اقوال ابطحي واترابه على انها شهادة «من الداخل» على النيات الشريرة لفريق رغب منذ ما قبل الانتخابات في افتعال الاضطرابات واستغل الانتماء الى الفريق الاصلاحي غطاءً للاعداد لانقلاب على النظام. فريق آخر يود التزام الحذر حيال اقوال جاءت في محاكمة لا يعرف العالم مدى نزاهتها واندراجها ضمن المعايير القانونية الدولية.
السلطات الايرانية، في عهدها الشاهنشاهي وفي طورها الثوري سواء بسواء، لم تخالف النهج الذي سبقها اليه ورافقها فيه عدد من انظمتنا العربية متعددة الاهواء والمشارب الايديولوجية والسياسية. وفي هذا ما يوحي بوجود شراكة بين الكثير من السلطات الحاكمة في العالم الثالث، تمتد من الخلفيات الاجتماعية التي تنحدر منها وصولا الى اساليب الحكم وطرقه، ويمتزج فيها العنف والدعوات الشعبوية والشغف المرضي باحتكار الحقيقة.
عليه، قد نكون في حاجة الى نظرٍ في واقع مجتمعاتنا قبل الانطلاق الى تبشير ساذج بديموقراطية مآلها في أكثر الاحيان ان تكون بعضا من عدة انظمة عاتية في قمعها.
الحياة