نموذج بيل كلينتون
سميح صعب
الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الاميركي سابقاً بيل كلينتون الى بوينغ يانغ وتمكنه من اقناع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ – ايل باطلاق الصحافيتين الاميركيتين، لفتت الانظار الى نوع جديد من الديبلوماسية الاميركية المستندة الى الانخراط المباشر مع الدول التي تعتبر خصماً للولايات المتحدة.
لفتة بيل كلينتون التي لا يمكن ان تتم لولا مباركة الرئيس باراك اوباما، تستدعي التفكير في ما لو اقدمت واشنطن على تطبيق النموذج عينه مع ايران. ألن يشكل ذلك اختراقاً للمواضيع المختلف عليها، من النووي حتى غزة، عوض الاكتفاء بتقديم اقتراحات ومغريات عن بعد لا يبدو ان حظوظ النجاح متوافرة لها حتى الان لأنها مكبلة بالشروط والشروط المضادة.
وفي ما يتعلق بايران كان لافتاً اعتبار الناطق باسم البيت الابيض محمود احمدي نجاد “رئيساً منتخباً” ليتغير هذا الرأي بعد 24 ساعة.
لم تكن زيارة بيل كلينتون لبيونغ يانغ وحدها اللافتة في الايام الاخيرة، فقد لفت تصريح جريء للموفد الاميركي الى السودان سكوت غرايشن الذي قال امام إحدى لجان الكونغرس انه لا يرى سبباً لابقاء السودان على لائحة الدول الداعمة للارهاب مع ما يحمل ذلك من انتقاد للسياسة الاميركية خلال الاعوام الماضية حيال السودان. هذا الموقف حمل الادارة الاميركية على اجراء مراجعة لسياستها حيال الخرطوم.
ومن خلال الحوار المباشر، يمكن الولايات المتحدة ان تقنع السودان بتغيير الكثير من سياساته التي هي موضع انتقاد، سواء في دارفور او في الجنوب.
وما ينطبق على كوريا الشمالية والسودان، تفتقر اليه السياسة الاميركية حيال سوريا. إذ لا تزال واشنطن تمسك العصا من منتصفها. فهي تتمسك بالعقوبات من جهة وتحاول من جهة، أخرى تطبيع العلاقات التي تضررت كثيراً عقب حرب العراق، فضلاً عن تعقيدات الوضعين اللبناني والفلسطيني.
وبقاء السياسة الاميركية هي هي حيال الكثير من الاطراف، يعوق تحقيق تقدم في الكثير من القضايا. وبعدما كان اوباما ينتقد ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش حيال خصوم اميركا، ويعتبر ان الانخراط المباشر هو افضل من السياسة المعتمدة على القوة وحدها او على العزلة او على العقوبات. فهل كانت العقوبات ستؤمن اطلاق الصحافيتين الاميركيتين من بيونغ يانغ؟
من الواضح ان اوباما يتردد كثيراً في اعتماد سياسات نادى بها قبل وصوله الى البيت الابيض. وها هو الان يعتمد سياسات لا يريد ان يغضب بها اليمين الاميركي الذي يشن عليه حملات شرسة يتزعمها نائب الرئيس الاميركي سابقا ديك تشيني. وربما كان هذا سر التردد في الاقدام على خطوات اكثر جرأة في ما يتعلق بالعديد من القضايا الشائكة بدءاً بغوانتانامو وليس انتهاء باتخاذ مبادرة اكثر جدية حيال سوريا وايران.
ولكن يبدو ان النموذج الكوري الشمالي يشكّل استثناء لدى البيت الابيض، في حين ان عدم الحسم يتلبس الكثير من السياسات الاميركية في مجالات كثيرة. ان كثيراً من الامور يمكن ان تتغير لو تعاملت الادارة الاميركية معها بشكل مختلف. وشعار التغيير الذي رفعه اوباما خلال حملته الانتخابية لا يبدو انه آخذ طريقه الى التنفيذ على صعيد المشاكل الدولية، فيما يصطدم في الداخل بالكثير من العقبات، وليس أدل على ذلك من ترنح مشروع قانون الرعاية الصحية الذي يواجه معارضة ليس فقط من الجمهوريين وإنما من الديموقراطيين ايضاً.
وعلى رغم ذلك حملت صورة بيل كلينتون الى جانب كيم جونغ -ايل أملاً بأن لا خطوط حمر في السياسات بين الدول، وبأن الحوار المباشر يمكن ان يكون أقصر الطرق الى النجاح.
النهار