صفحات العالمما يحدث في لبنان

«قصة موت معلن»: الأيام الأخيرة لما تبقى من 14 آذار

نصري الصايغ
تناضل قوى 14 آذار، لتثبت أنها ما زالت على قيد الحياة. فات الأوان من زمان. كان عليها أن تتنبه إلى اقتراب نهايتها، عندما ختمت مسيرتها، بتحقيق نقطة بدايتها.
يمكن النظر إلى 14 آذار أنها من الماضي القريب. ماض شديد التماس بالحاضر، لكنه عاجز عن العبور إلى المستقبل.في ماضيها سجل إنجازات خاصة بها، وخاصة بلبنان كذلك.
معها، وبها، وبقيادة وليد جنبلاط، خرج الجيش السوري من لبنان. التأمت المحكمة الدولية. اعترفت سوريا بضرورة ان تتمثل بسفارة، ولو بالشكل. فالسفارة السورية في لبنان، تمارس سياسة الصمت، كأنها غير موجودة. لعلها سياسة حكيمة.
أنجزت دفتر شروط وجودها. ما تبقى منها، كان شعارات للاستهلاك، كعادة أكثرية القوى اللبنانية، التي تملك عكازات، وتدعي الاشتراك بسباق المسافات الإقليمية والدولية.
منذ ما يقارب السنوات الثلاث، لم تعد تملك 14 آذار سوى لغة التحريض. فيما كان كل شيء حولها وفيها يتغير. واللائحة تطول،
لامني عدد من الأصدقاء. لأنني كتبت، أن لبنان يشبه وليد جنبلاط. وليد لا يتغير. هو هو، كما كان وكما سيكون. الذي يتغير، لبنان. وهو انعكاس ما يحصل من تغيرات إقليمية ودولية. وبما أن القرار اللبناني لا ينبع، ولم ينبع، وقد لن … من الداخل، فإن التغيرات الخارجية فرضت نمطاً من التعاطي، التقطه وليد جنبلاط، وسار به متقدما الصفوف.
اشتلق كثيرون على المتغيرات. عرف كثيرون آخرون، ان وليد سيغادر الصفوف. جنبلاط لا يطيق البقاء في المراوحة والخسارة. عرف أن ما يلي، سيغير لبنان، وكان ما كان:
1ـ الولايات المتحدة الأميركية نقلت قواتها ومعركتها إلى أفغانستان. إنها تحارب هناك. وهي بحاجة في الحرب إلى ايران.
2ـ الولايات المتحدة الاميركية ستنقل قواتها انسحابا من العراق، وليتم ذلك، هي بحاجة لتأمين شروط انسحابها إلى إيران.
3ـ الولايات المتحدة منصبة في جهودها على تأليف نص للسلام بحاجة إلى سوريا وايران… لأن العرب في العبّ.
4ـ السعودية خائفة من انسحاب أميركي من العراق، يطوّب ما تبقى من العراق لسلطة شيعية متأثرة بالنفوذ الايراني المتزايد، وهي بحاجة في ذلك إلى سوريا.
وقبل ذلك حدث ما يلي:
أ ـ خسرت أميركا رهانها على عدوان تموز. كان ذلك العدوان، فيما لو نجح، سيشكل «دفرسوار» اسرائيليا أميركيا، يؤسس لرأس جسر للشرق الأوسط الجديد. وإذ، بعد الخسارة، يتحول الشرق الأوسط الجديد الى شرق أوسط بصيغة كتلة الممانعة، المؤلفة من دول ومنظمات.
ب ـ خسرت أميركا رهانها على عدوان غزة. كان ذلك العدوان، فيما لو نجح، ان يفتح الطريق لحل اسرائيلي يفرض على الفلسطيني. وبه تنزع الورقة الإيرانية وتحذف الصفحة السورية، وتعطل قدرة المقاومة.
ج ـ خسرت 14 آذار آخر معاركها المغلوطة، في 7 أيار. ولو نجحت الحكومة بتمرير قراراتها، لكان لبنان دولة «عظمى» في منظومة دول الاعتدال العربي.
كان العالم يتغير. و14 آذار كانت جزءا من حركته. فقد احتلت مركز الصدارة في قرارات مجلس الأمن، واحتلت برنامج الرئيس الأميركي اليومي، واستضافت كوندليسا رايس مرارا، بعناية، كلٍّ من سفيري واشنطن وباريس (شيراك).
تغيرت أميركا… تغيرت باريس… و14 آذار لم تتغير. وكل من لا يتغير في لبنان… يصبح أثراً بعد عين.
وبالطبع، مع تغير أميركا، والعالم، تغيرت الدول العربية. ومعها السعودية. وباتت الضفتان السورية والسعودية تلتقيان في رفد الحالة اللبنانية، بما تحتاجه من تغيرات هادئة.
وبالطبع، تغير لبنان، وظلت قوى 14 آذار، بلا اتجاه جديد. بات برنامجها اليومي، البحث عن كيفية الخروج من برنامج 14 آذار «التاريخي». عليها أن تفتح صفحة صعبة التأليف مع النظام في سوريا. هي بحاجة الى معونة سعودية لتأمين نص سياسي سليم، مع «العدو» السابق، المتهم باغتيال رفيق الحريري، الأب الروحي الغائب، لكل فريق 14 آذار.
ماذا بقي من 14 آذار؟
هذا الاحتشاد الكبير، الأكثري، فرغ من خطاب سياسي موحد، ذي مضمون عملي. فرغ من مشروع سياسي يجيب على المسائل الإقليمية/اللبنانية. هو حالة انتظار، لغودو دولي، يظهر في أفغانستان، ولفانوس سحري عربي، يسلك الطريق إلى دمشق بدل بيروت. «لبيك. لبيك»، لم تعد غب الطلب.
لم يعد لـ14 آذار محفظة سياسية. والمحفظة المالية لم تعد قادرة على تأليف حالة بزخم ذاتي. صارت تجمعاً ما تحت الطوائف والمذاهب، وهي التي بدأت، بزخم عبّر عن حالة تتخطى الطوائف والمذاهب.
انتهى المشوار. وليد جنبلاط ترك ظله في المكان، فيما قامته السياسية في مكان آخر، سينجلي بوضوح، بعد زيارة دمشق. وعلى الشيخ سعد أن يقرأ التغيرات المعقدة، ويوظف حجمه الأكثري، أو ما تبقى منه، في إعادة صياغة شراكة حقيقية، لأن أكثر من الشراكة، لم يعط للبنان.
المظلة العربية القريبة للشراكة مؤمنة. قد لا يطول أوان انتشارها وتظليلها. الاستفادة تقتضي انتهازية إيجابية. فلتكن الانتهازية، ولو لمرة، ذات منفعة عمومية، لكل لبنان.
أخيرا… ماذا عن 8 آذار؟
لا أعرف للثامن من آذار أياما أولى لتكون لها أيام أخيرة. ما بقي منه، تفاهم مؤجل التنفيذ بين حزب الله والتيار الوطني الحر.
نصيحة: أجمل النهايات، تلك التي تحدث في أوقاتها المحددة. فلننته من أمرين انتهيا: 14 آذار و8 آذار؟ ما الجديد؟
فلنبحث معا، عن معنى «اليوم الآخر». فهل يكون الغد يوماً آخر؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى