عرفات يعلن اغتياله
حسام عيتاني
لم يقدم ناصر القدوة دليلاً جديداً على تورط اسرائيل في اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات. اكتفى بتكرار الاتهامات المستندة الى غموض التقرير الطبي الفرنسي.
المشاركون في مؤتمر «فتح» السادس حيوا القدوة بتصفيق حاد وبتبني قرار يحمّل اسرائيل «كقوة محتلة المسؤولية الكاملة عن اغتيال الشهيد ياسر عرفات»، من دون ان يتساءل المندوبون عن توافر معطيات جديدة او عما ظهر في التحقيق (الذي لم يجر) منذ وفاة الرجل قبل حوالى خمسة اعوام.
لا يرمي هذا الكلام الى اصدار حكم براءة لاسرائيل، فسلسلة الجرائم والاغتيالات التي نفذتها ضد الفلسطينيين، من مدنيين ومن قيادات سياسية، اطول من ان يحيط بها احصاء.
لكن، في المقابل، من المستغرب تماماً استخدام وفاة القائد التاريخي للحركة الوطنية الفلسطينية الحديثة في مجال المزايدات الداخلية والسعي الى تسجيل النقاط على خصوم البيت الواحد (كفاروق القدومي صاحب القنبلة الصوتية الاخيرة عن «مؤامرة الاغتيال» التي ابلغه بها عرفات شخصياً)، او خصوم الخندق الواحد على غرار حركة «حماس» التي لا ينفع في ردعها عن غلوائها في الاستخفاف بكل ما تمثل «فتح» استحضار التاريخ النضالي لـ «فتح»، او حتى الاعداء كحكومة بنيامين نتنياهو التي تتصرف على اساس ان القضية الفلسطينية قد انتهت بحكم الامر الواقع.
بكلمات أخرى، كان على مؤتمر حركة التحرير الوطني الفلسطيني العثور على ما يحفز الهمم والطاقات غير تناول وفاة عرفات التي لم يصدر في شأنها تقرير دقيق ومحدد ومتكامل من أي هيئة طبية او امنية او قضائية تتمتع بالصدقية، او، من جهة ثانية، طرح الموت الملتبس لعرفات على التحقيق العلمي والقانوني كقضية وطنية تعني الشعب الفلسطيني بأسره.
المدهش هو اتفاق المؤتمر على «تحميل اسرائيل المسؤولية» عن وفاة عرفات من دون اتخاذ أي اجراء ضد الجهة التي قصدها القرار. وغني عن البيان ان اتهاماً من العيار هذا يكفي لاعلان حالة الحرب بين الدول. فكيف يمكن الاكتفاء بتوجيه اتهام باغتيال قائد الشعب والثورة الفلسطينيين على مدى اكثر من ثلاثة عقود ومن ثم الركون الى «الخيار الاستراتيجي» المتمثل في مفاوضات السلام الفلسطينية – الاسرائيلية.
ما حصل مثال على خلط في القيم والمعايير تعاني منه الحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها. واذا رغبنا في الاستطراد لقلنا ان الطريقة التي يجري فيها التعامل مع مسألة وفاة / اغتيال عرفات، تشير الى عمق تأثير الراحل في اسلوب عمل حركته حتى بعد مرور اعوام على موته. فها هي القضايا الكبرى تُحل بالاتهامات المدوية من دون إسناد معقول، والاهم، انها تصدر في ظل غياب أي قدرة عملية على تأكيد الاتهامات او على اتخاذ اجراء مادي ملموس واحد ينقل وفاة عرفات من حيز التداول اللفظي والاستسهال المنبري الى الحيز السياسي باعتبارها تتعلق بكرامة شعب اغتيل زعيمه على ايدي قوة الاحتلال.
تشير العبارة الشائعة عن «امساك الميت بتلابيب الحي» الى ما يطابق حالة المؤتمر السادس في بيت لحم. فمع اتضاح عجز المندوبين عن التوافق على المسائل الاساسية في السياسة والتنظيم، أسلموا قيادهم لاسلوب ثبتت نجاعته في توفير مخارج طوارئ تقود غالباً الى متاهات جديدة.
الحياة