فلسطين الصعبة
محمد ابرهيم
المزيد من الاشارات الى صعوبات فلسطينية مقبلة.
مؤتمر “فتح” المنعقد في بيت لحم كان الاخير بين اثباتات متواترة على أن المصالحة الفلسطينية تبتعد.
كان من المنتظر أن يشكل انعقاد المؤتمر عامل ضغط على “حماس” و”فتح” لبدء مسيرة التقارب، خصوصاً أن موضوع الخلاف ليس معجزة.
السماح لمندوبي غزة بالمغادرة الى المؤتمر والافراج عن معتقلي “حماس” في الضفة الغربية.
رغم كل الوساطات كان الحل اضافة عقدة جديدة الى عقد “العلاقة”.
أبعد من الامور “الشكلية” تمعن كل من “فتح” و”حماس” في الابتعاد عن بعضهما.
“فتح” تعقد مؤتمرها الاول منذ 1989، في الاراضي المحتلة، وتعيد تشكيل هيكليتها انطلاقا من الجغرافيا الجديدة.
قرارات المؤتمر ستجد حلولا، في الصياغة، لكل المشكلات، وخصوصا الحق “بكل وسائل النضال”، وسيتم التذكير بكل الحقوق. لكن التشكيل القيادي الجديد سيعبر عن نهاية مرحلة النضال من الخارج، وبداية مرحلة نتائج الانتقال الى الداخل.
“فتح” الجديدة ستكون ابنة السلطة الفلسطينية، بالتزاماتها وبامكاناتها، وسيبتعد كثيرا منطق الخارج الفلسطيني.
هل هذا يقرّب “فتح” أم يبعدها عن تحقيق الاهداف؟ داخل الانتفاضة، الاولى خصوصا، هو غير داخل السلطة، الاخيرة. وبغض النظر عن الصيغ المرنة، أوضاع “فتح” لا تبدو، لأشد المتفائلين، بالمرونة الكافية للانتقال من شكل من النضال الى آخر.
القدرة على تغيير المسار، نضاليا، هي بلا شك شرط أول لمدّ اليد لغزة، لكن اين اصبحت هذه؟
“حماس” تملأ “الفراغ” الزمني بالالتفات الى ما كانت تضمره دوما من سيطرتها على المجتمع الفلسطيني. انطلقت الاسلحة. وموضوعها المفضل بالطبع، موقع المرأة في غزة.
الكفاح المسلح بامكانه الانتظار، المساومات على اطلاق جلعاد شاليت تستطيع أن تأخذ وقتها، وموضوع اعادة اعمار غزة، أو بالاحرى، استمرار الحياة في غزة لم يعد أولوية.
لا بل هناك ما هو أفدح. فعندما تتهيأ الظروف لحملة دولية ناجحة لادانة اسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة، مع ما لذلك من نتائج على المسلك العسكري الاسرائيلي في الحروب المقبلة مع اسرائيل، طلعت “حماس”، علينا وعلى العالم، بصورة ولا أبهى، المجتمع الاصولي المتزمت، علّ ذلك يزيد في حماسة المدافعين عن حقوق الانسان الفلسطيني في العالم!
وفيما المجتمعان الفلسطينيان يمعنان في قطع الاواصر بينهما، أخذت علامات تعب في الاندفاعة، الخارجية، الاميركية أساسا، نحو حلحلة المسار الفلسطيني.
الرئيس الاميركي باراك أوباما بدأ يواجه صعوباته الاولى بعد ستة أشهر من الحكم. هي أولا صعوبات داخلية تتعلق بالانتعاش الاقتصادي وبمشاريع الرئيس في مجالي الصحة والبيئة، لكنها تنعكس سريعا على علاقة الرئيس بالكونغرس، وتاليا على قدراته في السياسة الخارجية، وخصوصا بالعلاقة مع اسرائيل.
النواب الاميركيون المنتفضون لأن واشنطن بالغت في الضغط على اسرائيل في موضوع المستوطنات سيحضرون لشد أزر الحكومة والمجتمع الاسرائيليين، ومطالبتهما بالصمود.
واذا كان الوفد الاول جمهوريا فان وفدا ديموقراطيا لاحقا سيصل الى اسرائيل للاطلاع عن كثب على الاوضاع.
وفيما لا يبدو أوباما في طريقه الى كسب معركة المستوطنات التي تشكل التمهيد لانطلاق المفاوضات، احتاط رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو بسلسلة من الشروط التي تطرح علامة استفهام كبرى حول جدوى المفاوضات التي يستنفد أوباما طاقاته للوصول اليها.
اسرائيل دولة يهودية؛ لا عودة مطلقاً؟ دولة منزوعة السلاح. أما الامور المفتوحة للنقاش فهي الحدود، مع اللغمين الكبيرين: المستوطنات ووضع القدس.
هل من المبالغة القول ان ما هو مطروح، معطوفا على الوضع الفلسطيني، المفتت، والاسرائيلي، المتجذر يمينا يستطيع ان يبتلع ما هو اطول من “ولايتي” باراك أوباما؟!
النهار