زين الشاميصفحات سورية

هل بدأت سورية في الابتعاد عن إيران؟

null
زين الشامي

ليس مستغرباً أبداً كل هذه الحركة الديبلوماسية الغربية على دمشق، فخلال شهر واحد استقبل الرئيس بشار الأسد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، وقام وزير الخارجية الألماني شتاينماير بعد يومين من زيارة كوشنير بزيارة مماثلة، وقبلهما قام نظيرهما الهولندي بزيارة أخرى. أيضاً زار دمشق خلال هذه الفترة الرئيس اليوناني وبعد ذلك بأيام رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، ثم المنسق الخاص للشؤون الإقليمية والمبعوث الخاص للولايات المتحدة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط فريدريك هوف الذي بقي في دمشق نحو أربعة أيام، ثم تبعه المبعوث الأميركي الخاص بعملية السلام جورج ميتشل، والمسؤول عن شؤون الشرق الأدنى في مجلس الأمن القومي الأميركي دانيال شابيرو. صحيح أن زيارة المسؤولين الأميركيين، ورئيس الوزراء التركي، لا يمكن فصلها عن التطورات الحثيثة التي تشهدها عملية السلام واحتمال عودة قريبة للمفاوضات السورية الإسرائيلية، إلا أن مجمل هذه التحركات الأوروبية والأميركية، لا يمكن النظر على أنها مرتبطة فقط بعملية السلام، فثمة ما هو أبعد من ذلك بكثير، إن هذا «الحج» الغربي إلى العاصمة السورية التي كانت حتى الأمس القريب تقبع في عزلة إقليمية ودولية، لا ينفصل أبداً عن ما يجري في إيران، أو ما يجري وما يرسم في الدوائر الإقليمية والدولية ازاء إيران!
وعليه فإن هذه الزيارات والتحركات الكثيفة إلى دمشق تتزامن مع الاضطرابات الحاصلة في إيران بعد نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وما صاحبها من اضطرابات عنفية في الشارع الإيراني، ويبدو أن «الغرب» وجد في هذا التوقيت فرصة سانحة للانفتاح على سورية والعمل شيئاً فشيئاً لأجل فك ارتباطها مع طهران، ليس ذلك فحسب، ثمة أحاديث وترقب لزيارة في غاية الأهمية للملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلى دمشق، وثمة هدوء إيجابي على جبهة الخلافات السورية – المصرية، والأهم من كل ذلك زيارة سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني المكلف (قبل التأليف أو بعده، وهي زيارة باتت شبه مؤكدة. أيضاً ثمة من يتحدث عن احتمال عقد لقاء بين الرئيس السوري بشار الأسد والأميركي باراك أوباما على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في شهر سبتمبر المقبل، أو من خلال زيارة يقوم بها أوباما إلى العاصمة السورية.
بالتوازي مع ذلك وفي توقيت بالغ الدلالة، يأتي إعلان المتحدث باسم البيت الأبيض عن أن إدارة الرئيس باراك أوباما قامت بمبادرة تجاه سورية من خلال تخفيف العقوبات التجارية الأميركية المفروضة على دمشق، وأن الولايات المتحدة ستعالج في أقصى سرعة ممكنة طلبات استثناء سورية من العقوبات الأميركية في ما يتعلق بتصدير تكنولوجيا المعلوماتية وتجهيزات الاتصالات أو قطع الطائرات المدنية.
صحيح أن الحوار مع دمشق أملته بعض الملفات الإقليمية المتوترة والمتداخلة من العراق إلى لبنان مروراً بالأراضي الفلسطينية والحرب على الإرهاب، وبالتالي تزايد الحاجة لدور سورية في تذليل بعض الصعوبات في هذه الملفات، لكن ورغم أهمية ذلك، فإن العامل الأول وراء هذه الاندفاعة الإقليمية والغربية في اتجاه سورية يبقى اختبار نظرية فصل سورية عن إيران التي يسعى الغرب جاهداً لتطويقها قبل اتخاذ أي قرار استراتيجي وعسكري ازاء ملفها النووي. ورغم أن دمشق تشعر بغبطة ازاء ما يجري، وتفتح أبوابها مشرعة لهذه الرياح الإقليمية والدولية بعد طول عزلة وحصار، إلا أنها تدرك أن ذلك كله يتطلب ثمناً مقابلاً، صحيح أنها تقابل بالرفض والاستخفاف المطالب المتعلقة بفصم عرى التحالف مع طهران، إلا أنها ستضطر عاجلاً أو آجلاً لتنفيذ استدارة في خارطة تحالفاتها الإقليمية، وهي وفيما لو أردات ذلك، فلن يكون صعباً عليها.
إن إعادة قراءة في ثمانينات القرن الفائت واوائل ومنتصف تسعيناته، عندما جمعت أفضل العلاقات مع دول الخليج العربي وإيران، بالوقت ذاته الذي حافظت فيه على مسافة قريبة مع اوروبا والولايات المتحدة، تفيد أن دمشق والنظام السوري يستطيعان الذهاب بعيداً جداً في لغة المصالح والبراغماتية.
لكن ما هو لافت حقاً أن الاندفاعة الغربية تجاه دمشق، تأتي مع استمرار وجود سجل سيئ في حقوق الإنسان وقمع المعارضة الوطنية، وفي ظل استمرار لغة التخوين ضد المعارضة السورية واتهامها من قبل أعلى المستويات في «حزب البعث» بأنها مرتهنة للخارج! والمقصود في «الخارج»، هو الغرب نفسه التي تعيش دمشق هذه الأيام حالة عرس معه نظراً لانفتاحه عليها!
الرأي العام الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى