مناقشة ردّ مديرية المسارح والموسيقا على (هواجس الكتّاب المسرحيين الشباب)
مايا جاموس
أعتقد أن ردَّ مديرية المسارح بحدّ ذاته هو بادرة إيجابية، فمن الجميل أن يرجع صدى صوت المهتمين بالمسرح، وتشير هذه الخطوة إلى اهتمام ومتابعة من قبل المديرية. لكن من المحزن أن ما كتبته المديرية قد جاء بصيغة الردّ وليس تعقيباً أو مساهمةً في الحوار، وكأنّ المسألة تتعلق بطرفين مختلفين لا يشتركان في الهواجس ذاتها يرد أحدهما على الآخر. وساهم في ذلك الفقرة الأولى التي تبدأ المديرية فيها ردَّها، إنها فقرة تقترب من العدائية حين تنزع صفة (الكاتب) عن الشباب، أو عن بعضهم دون أن تسمّي من تعترض عليه كاتباً.
تقول المديرية إن في الريبورتاجات استسهال في إطلاق صفة (كاتب مسرحي) على الشباب أو على بعضهم. والحقيقة ليس الأمر استسهالاً بل هو متابعةٌ حثيثةٌ مني وجهدٌ شخصي في جمع وتحصيل أكبر عدد ممكن من النصوص المسرحية للشباب في سورية. وأساساً فإن ريبورتاج (هواجس الكتّاب المسرحيين الشباب) هو جزء من مشروع شخصي يتعلق بدراسة (الكتابة المسرحية الشابة في سورية)، التي أجمع لأجلها ليس فقط النصوصَ المنشورة من خلال دور نشر أو مجلات أو مؤسسات رسمية أو مسابقات أو مواقع الكترونية، بل أيضاً ما كُتب من مشاريع تخرُّج في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، ونصوصاً كُتبت ضمن ورشات الكتابة المسرحية التي شارك فيها العديد من الشباب. وبالتالي فإن إطلاق اسم كاتب مسرحي ليس استسهالاً كما تعتقد المديرية، بل هو ناجم عن معرفة ومتابعة لنتاج هؤلاء الكتّاب الشباب. وبإلقاء نظرة بسيطة على نتاج المشاركين الخمسة في الريبورتاج ماذا سنرى؟ وائل قدور له 4 نصوص مسرحية، أحدها منشور (الفيروس) ضمن سلسلة المسرح السوري، منشورات الاحتفالية ودار ممدوح عدوان. ونص آخر كتبَه هو مشروع تخرُّج من المعهد العالي للفنون المسرحية ولم توافق وزارة الثقافة على نشره ضمن منشوراتها لأسباب رقابية. ونص بعنوان (ديكور) عُرض على الخشبة مؤخراً. ونص آخر حبيس الأدراج. مضر الحجي له 4 نصوص مسرحية، واحد منها منشور على موقع مجلة (ألف توداي) بعنوان (برونز)، ونصان هما نتاج ورشتي كتابة مسرحية، ونص هو مشروع تخرُّج من المعهد العالي للفنون المسرحية. كما قدّم طلاب السنة الرابعة نص (برونز) كعرض امتحان فصل ثانٍ ضمن مادة مبادئ إخراج بإشراف أ. سليمان صيموعة السنة الماضية، وقام أ. فايز قزق السنة الماضية أيضاً بتقديم 5 نصوص مسرحية قصيرة، كتبتها ورشة الشارع حول جرائم الشرف، كعرض امتحان سنة ثانية فصل أول قسم التمثيل. وقد كان هنالك نصان من بين الخمسة واحد لمضر الحجي وآخر لوائل قدور. تلك النصوص حول جرائم الشرف تقدمت دار شبابلك بخطة لنشرها ضمن كتاب. ويقف المشروع الآن بانتظار موافقة اتحاد الكتاب العرب ووزارة الإعلام. عدنان العودة له 3 نصوص مسرحية اثنان منشوران نشراً خاصاً، وأحدهما أعادت الاحتفالية نشره بالتعاون مع دار ممدوح عدوان. ونص نتاج ورشة كتابة مسرحية بعنوان (المرود والمكحلة) قُدم هذا العام على الخشبة. الفارس الذهبي له 3 نصوص منشورة، أحدها ضمن سلسلة الاحتفالية ودار ممدوح عدوان، ونصان نشرتهما دار ممدوح عدوان. يم مشهدي لها نص منشور ضمن سلسلة الاحتفالية ودار ممدوح عدوان، وثمة مشروع لدى أحد المخرجين الشباب لإخراج هذا النص على أن تكون المديرية هي الجهة المنتجة.
إنهم في الحقيقة كتّاب مسرحيون وإن اختلفت الآراء والتقييمات حول كتاباتهم، وسوياتها الفنية والفكرية، لكنّ المسألة تتعلق بأيّ حدٍّ تتابع مؤسسةٌ ما هذه النتاجات أو تلحق بها وتحاول تحصيلها وتوثيقها وأرشفتها على الأقل، إن لم نقل دراستها.
ومن ثم فإن مديرية المسارح تقيس صفة كاتب بكمّ النتاج وعدده، وتناقض نفسها في هذا حين تورد أمثلة عن كتّاب قدمت نصوصهم على الخشبة، وتذكر أسماء لها عدد قليل جداً من النصوص المنشورة أو غير المنشورة، أو لها نصوص معدة عن نصوص أخرى، مع ذلك تسميهم كتّاباً، وتحتج في الوقت نفسه على تسمية الشباب الذين شاركوا في الريبورتاج كتّاباً مسرحيين.
وأعتقد أن قياس الإبداع بالكم والعدد غير موفق في هذا المجال، فهناك العديد من المبدعين الذين أثروا في الإبداع العالمي عبر كتاب واحد أو كتابين لم ينشروا سواهما، ومن هؤلاء أذكر الشاعر الفرنسي الشهير بودلير، ورامبو، ودانتي. وفي المقابل هناك كتاب مسرحيون ينشرون كتاباً في كل عام دون أن يقدموا أي جديد أو يتركوا أثراً في ذائقتنا أو ذاكرتنا.
فإذا كنا نتحدث عن شباب تتراوح أعمارهم بين منتصف العشرينيات وأوائل الثلاثينيات فكيف للمديرية أو لغيرها أن تتوقع منهم عدداً وكمّاً من الكتب المنشورة، خاصةً في ظل ظروف سيئة للنشر تحدَّث عنها الشباب في الريبورتاج ونعرفها جميعنا.
وتذهب المديرية إلى القول: إن النصوص المسرحية الموجودة في الأدراج والتي لم تخرج إلى العلن لا تعطي أصحابها الحق في صفة كاتب. فتهتم المديرية بهذا الجانب فقط دون أن تناقش أو تهتم بالأسباب التي تجعل الكتب حبيسة الأدراج، وكأنها غير معنية بذلك بل تحصر همها بالإعلان أن ما هو حبيس الأدراج غير معترف به. كان جديراً بالمديرية أن تناقش تلك الأسباب على الأقل كي تكون طرفاً في نقاش مسألة على درجة عالية من الأهمية، لماذا لا يجد الشباب فرصةً لنشر النتاج المسرحي سواء من خلال مؤسسات رسمية ثقافية أو دور نشر خاصة، أو من خلال المجلات. ومن المهم أن تناقش المديرية لمَ تمنع الرقابة نصوصاً للشباب، كما حصل مع وائل قدور في نصه (الدُّحَل) مثلاً؟ كان جديراً بالمديرية أن تهتم بما تحدث عنه الكُتاب الشباب في الحلقة الثانية من الهواجس، حين حكوا عن المحرمات في الكتابة وعن خطوط الرقابة الحمراء التي تجعل من المسرحيات المحلية مواد معقمة مفلترة. وحين تحدثوا عن سقف الحريات الواطئ خاصةً في المسرح نتيجة حساسية المسرح كفن جماعي وجمعي التلقي، كان جديراً بالمديرية أن تتذكر في ردِّها شيئاً عن نصوص سعد الله ونوس الذي كان شاباً في يوم من الأيام وتوفي وفي حلقه مرارة بسبب عدم عرض الكثير أو معظم نصوصه على الخشبة السورية. كيف يصبح هؤلاء الكتّاب كتّاباً بنظر مديرية المسارح إن لم يجدوا من يتبنى نصوصهم وينشرها أو يعمل على عرضها على الخشبة؟ كلنا يعرف ما تعانيه الثقافة والمسرح بشكل خاص في شقيه الأدبي والفني (العرض)، وإن لم تتوفر جهة تهتم بالنص المسرحي فإنه قد لا يكتب له الخروج للنور أبداً.
أما مسألة الحوار مع المخرجين حول العمل على نصوص الشباب فهو ليس المحور الأساسي في القضية والريبورتاج، وبكل الأحوال لا أعتقد أنها نقطة خلافية بين المخرجين والكتّاب الشباب، لأن المسألة متباينة ففي حين نجد أن أ.فايز قزق يقوم بإخراج نصوص ورشة الشارع الشبابية حول جرائم الشرف (التي يشارك فيها وائل قدور ومضر الحجي)، كعرض امتحان، يمكن أن نسمع من أ.مانويل جيجي رأياً مختلفاً حول النص المسرحي العربي، وليس السوري أو الشاب فحسب، لصالح النص الأجنبي المترجم، (يمكن مراجعة النور العدد 385 – 15- نيسان- 2009، مقابلة مع المخرج مانويل جيجي). وهناك من يرى أن النص المترجم يشكل مادة مضمونة ومختبرة مقارنة بالنص الشاب أو الجديد، والأهم هو أن الرقابة تكون أقل قسوة مع النصوص الأجنبية، والنقطة الخلافية هنا تكمن فعلياً في العلاقة بين الكتّاب المسرحيين والمؤسسة الرسمية ودورها في رعايتهم والاهتمام بهم.
أما عن حاجة الكتّاب المسرحيين الشباب إلى ورشات الكتابة المسرحية التي تقيمها بعض المراكز الثقافية الغربية والمسارح العالمية، واعتبار المديرية أن الموهبة وعشرات من المحاضرات في المعهد العالي تكفي لصقل الموهبة، وأن أياً من الكتّاب المسرحيين الكبار لم يتبع دورةً، فإنها في هذه الحالة تلغي قيمة ودور العديد من الفروع والأقسام التي تدرّس الكتابة الإبداعية بأنواعها المختلفة وذلك في أهم الجامعات في العالم. هل ترى المديرية هذه الجامعات، ومنها ما هو موجود في الدانمارك وميتشيغان في الولايات المتحدة الأمريكية، التي أحدثت أقساماً مختصة فقط بالكتابة الإبداعية يقصدها العديد من الطلاب و المبدعين العرب لإجراء “ستاجات” ودورات وورشات فيها، هل تراها شيئاً زائداً على حاجة المواهب، أو من قبيل الترفيه والفنتازيا والفذلكة؟
الشباب -كما عبّروا في الريبورتاج- هم بحاجة إلى تلك الدورات، وبالأصح بحاجة إلى الاهتمام الذي يلقونه فيها، إنها مكان للحوار والتعلم وتبادل التجارب والخبرات ونيل فرص لترويج نصوصهم لم يتمكن الشباب من تحصيلها في بلدانهم من خلال المؤسسات التي يفترض أن تقوم بتلك المهمة. أما أن تحتل المراكز الثقافية الغربية هذا الدور فإن السبب ببساطة لأنه ما من مراكز ثقافية محلية أو مؤسسات ثقافية محلية وطنية رسمية أو خاصة قد تقدمت لتقوم بواجبها في هذا المجال، بل تركت المهمة للمراكز الغربية التي تعمل وفق مصالحها الخاصة، وليس وفق مصالحنا، علماً أن المصلحتين تتلاقيان أحياناً.
أما عن ندوة (واقع الكتابة المسرحية في سورية) التي ورد ذكرها في رد المديرية وقد احتفظت بتسجيل وقائعها من باب التوثيق، فقد جاء محتواها موافقاً لما قدمه الكتّاب الشباب في الريبورتاجات السابقة، فقد ذكر الدكتور محمد قارصلي المشارك فيها مايلي:
“تقدمتُ ثلاث مرات بطلب نشر نصوص مسرحية في وزارة الثقافة، فجاء الجواب بالرفض بسبب عدم وجود خطة لنشر النصوص المسرحية لديهم. وهنا غالباً سينشر الكاتب على نفقته ولن يباع الكتاب لأنه غير مصنف كأدب…. هنالك نقطة هامة تتعلق بأن قلة الإنتاج المسرحي تؤدي إلى قلة الإنتاج الأدبي المسرحي. أنا لدي 18 نصاً نُفِّذ منها 3 نصوص فقط. مديرية المسارح يجب أن تُحدد نسبة عروض في الموسم المسرحي للنص المحلي، ويجب أن يكافأ النص المحلي أكثر من الاقتباس والإعداد… كما أن بعض المخرجين اعتادوا الاتكاء على نصوص مجرَّبة، وبالتالي لا يجازفون بقول كلمة جديدة لا يعرفون ردود الفعل عليها. أما النصوص الجيدة فهي في الأدراج. وفي مهرجان دمشق المسرحي 2006 اقترحتُ نشر مجموعة نصوص جيدة لشباب لكن الوزير رفض نشرها”.
هذا ما يقوله د.محمد قارصلي، وذلك هو الحال لديه فيما يخص النشر، وهو اسم معروف على أكثر من صعيد، فكيف الأمر لدى شباب ما زالوا في بداية الطريق؟! ألم يكن جديراً بالمديرية أن تناقش المشكلات التي تحدّث عنها الشباب في الريبورتاج وكذلك د.قارصلي حول نشر النص المسرحي، وفرصةَ النص الجيد خارج الأدراج، واتكاء المخرجين على النص المترجم، ونصيب النص المحلي في خطة مديرية المسارح؟! ألم يكن جديراً الحوارُ مع أولئك الكتّاب الشباب عن مشاكلهم، خاصةً أن المديرية نفسها تعترف بأنهم متخرجون من معهد أكاديمي ودرّسهم فيه خيرة الأساتذة؟ وبالتالي لم يأتِ كلامهم من فراغ أو هذر، نعم إنه أكثر جدارة من إضاعة حيّز من الوقت في محاولة نزع صفة “الكتّاب” عنهم!
النور