هل صرنا نخاف من القوادين..؟؟!!
ميس نايف الكريدي
من هذا المكان الذي بات يستولي على الجزء الأكبر من كياني، يستحوذ علي رعب الأرصفة المهترئة في شوارع لم نعد نذكر متى مشينا على اسفلتها، آخر مرة، لأنها وبفعل الحفريات باتت مجرد بقعة من الغبار الناعم، والأتربة الصفراء، تختلط بحكايات المواطنين والوافدين، وحفر تتلوى الأقدام والأحذية فيها حتى ليهترئ كلاهما ….
كانت الساعة، حوالي الواحدة بعد منتصف الليل، في هذا المكان الذي لا ينتمي لأي شكل من أشكال الترفيه، من ناحية المظهر البائس.
يقبع خلف الحيطان العالية للأبنية المخالفة سكان وساكنات كثيرات، يقودون مسيرة الترفيه والسياحة الشعبية في البلد و وأما لماذا هي شعبية، فلان الساكنة الماجدة في هذه البيوت في الحارات التي كانت يوما شعبية، هي من عاملات الملاهي ذات النجمة الواحدة أو منزوعة النجمات، وأما العاليات الشأن، والشأن يتبع للزبون، فيسكن في مناطق تليق بزبائنهن الدفيعة ..
بلا طول سيرة:
دعوني أقول لكم ما جرى في ذلك اليوم، لأنني من واقع هذا السكن الاضطراري أستطيع أن أحمل لكم في كل يوم حكاية، ونترك الصحافة، والكلام المنتقى المرتب، الذي ربما ينام سنينا قبل أن يتصفحه مهتم.
دعونا نتحول إلى رواة يمتهنون سرد الحكايات علنا، ربما نجد في المستمعين مالا نجده في القراء النخبويين .. ارتفع الصياح وهاجت الحارة وماجت، خرجت مع من خرج لنستكشف الضوضاء، وإذا بشاب همام يتشاجر مع عاملاته اللواتي يسرحن في علب الليل المشبوهة في وطني ليجمعن رزقهن ورزقه الملوث بضياعنا المشترك، يركب سيارة فولفو على ما أعتقد، واعذروا جهلي بماركات السيارات ..
ارتفع صوت الهمام المقدام، ثم ترجل بكل ثقة من السيارة، وطبعا لاحظ الجموع الصامتة على النوافذ والشرفات ..رفع يده وسلخ عاملته كف متل فراق الوالدين، جعلها تصرخ لتشق الليل غير الهادئ، وأخذ الأطفال المعتادين على السهر مع أهلهم الذين لاينامون في هذا الحي، بالبكاء والصياح ذعرا، ولكن العاملة المتمردة أمعنت في صياحها و وهربت منه باتجاه شقتها، وتدخل احد الشباب بحكم الجيرة، مما زاد في هياج السيد رب العمل غير الشريف، ومد يده إلى جيبه كالغضنفر، ورفع مسدسه عاليا مهددا، وطبعا هنا تدافع الناس المتجمعين على أصفار الأبنية، هربا وأخذوا يسحبون أطفالهم، بينما يشتد استنفار الأخ، وتهديده،
أحد السكان، انبرى بإحساس المواطن، هذا الإحساس الذي باغته لحظة، ذكرتنا بالنخوة الفجائية لأبي ريشة في مسرحية غربة، والتي كما قالت الفنانة صباح جزائري، بدون حرارة ليست خطرة وستذهب لوحدها بعد حين..
تحمس هذا المواطن ليسأل هذا الأخ الهمام بأي حق يرفع مسدسه في وجه حارة، ولكن الجميع طالبوه بالابتعاد اتقاء لشر هذا النوع من البشر الذي يحمل من القذارة ما يكفي لإجهاض منظومة أخلاقية لبلد …
لم يتقبل الرجل الامر و وانفلت من المحجزين لينزل للشارع، لكن سيارة الفولفو كانت قد رحلت..
المدهش ان الجميع أجمعوا على أن هذا النوع من الأشخاص يجدر ان تبتعد عنه لا ان تشاكله حتى لو رفع في وجهك مسدس، والسؤال الذي ظل يؤرقني لحين، هل كان هذا المسدس مرخصا، وكيف يجرؤ على رفعه إذا لم يكن كذلك، ولماذا تعامى الجميع عن نمرة السيارة، ولم يسجلها احد، خوفا من واجب التبليغ عنه ..
مالذي جعلنا نصبح سلبيين لهذا الحد و وأي ثقافة تلك التي قتلت فينا الفضول الذي يقود للاستطلاع، ولوان الرصاصة طاشت واستقرت في رأس أحد الأطفال، هل كنا سننتظر الدية، ونعتبر الحادث قضاء وقدرا ..
كنا صغارا، وكنا نسمع، من الأهل، بعضا من حكايات قراهم التي نزحوا منها، خلف اللقمة المستقرة، ولكنهم ظلوا يحلمون بدفء الأمان في تلك الأرياف البعيدة، وظلت حكايات الحنين صبغة تلون حياتنا جميعا، وتنزل بلهجاتنا المحلية الهجونة التي تكشف مع أول كلمة انتماءك لتلك الجبال، والسهول الهادئة الآمنة التي تؤمن بالنشامى الذين يجمعهم صوت امرأة تستقوي بهم من حالة ظلم ..
أين نحن اليوم من نخوة العرب، وبذورنا الريفية التي يحثها فضول البشر، وإيمان البشر بأن لهم في كل مكان إخوة، فقط لأنهم يشتركون معهم في الجنس، والنوع، حتى فلسفة القطيع التي يتهموننا بها في الغرب، سقطت، ولم تعد واضحة، إلا بالتدافع على نافذة من نوافذ الدوائر الحكومية، أين روح الجماعة التي تجعل منا صفا بوجه الخطر، نخفي وراء سواتره أطفالنا لنعلمهم درسا في التلاحم، أي ثقافة جديدة تطلع علينا عمادها الكلمة العاجزة، الجبانة وأقول الجبانة لأنها أكثر من سلبية، هل نسينا كل التقاليد الجميلة لنعلم أطفالنا فلسفة العصر الجديد، فلسفة “ما دخلنا ”
لماذا نتخلى عن كل جميل، في الوقت الذي مازلنا نتمسك فيه بمحاكمة امرأة بالموت السهل البارد لأتفه الوساوس فقط لأننا نظن أنها الشرف، لماذا نرحل من كل القيم، ونراوح في حكاية الأخلاق التي نحصرها في جسد امرأة..فقط لأنها امرأتنا أحد ممتلكاتنا الخاصة بينما نرى امرأة أخرى تباع، وتنتهك ولا نتحرك، ولو من باب الاعتراف بقليل من الإنسانية..
مجلة ثرى – العدد 192 تاريخ 26\ 7 \2009 – السنة الخامسة